أصبحت صور ومقاطع الفيديو المصنعة بالذكاء الاصطناعى سلاحًا جديدًا لجذب انتباه الجمهور، إذ تلجأ هذه المواد غالبًا إلى توظيف عناصر «الغرابة» و«الصدمة» لتحقيق أعلى نسب من المشاهدات والتفاعل.. وأخرها صورة الهواتف النقالة فى مباراة الإمارات وقطر التى أثارت ضجة كبيرة حتى الآن. وفى الآونة الأخيرة، انتشرت عدة أمثلة بارزة عكست خطورة هذه الظاهرة، مثل فيديو الكنغر الذى بدا وكأنه يحجز تذكرة سفر للطائرة، أو الفيديو الذى زُعم أنه يوثق هجوم حوت قاتل على مدربته، ورغم الانتشار الواسع لهذه المقاطع، فإن التحقق سرعان ما أثبت أنها مصطنعة بالكامل بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يعكس التحديات المتزايدة فى مواجهة التضليل البصرى وحماية المتلقين من الخداع. اقرأ أيضًا | الذكاء الاصطناعي يعزز سوق القياسات الحيوية وسط توسع في الهويات الوطنية تقول الدكتورة هالة الألفي، مدرس الإعلام المسموع والمرئى والوسائط المتعددة وخبيرة معتمدة فى الذكاء الاصطناعي، إنها اكتشفت أن فيديو الحوت الذى التهم مدربته، كان مصطنعًا بالذكاء الاصطناعي، موضحة أنها توصلت إلى ذلك بمجرد التدقيق البصرى فى المشاهد دون استخدام أى أدوات تقنية. وأوضحت الألفى أن حركة الحوت بدت غير طبيعية وكأنها خلل تقني، مشيرةً إلى أن المشاهد العادى قادر أيضًا على ملاحظة مثل هذه العلامات بمجرد النظر، سواء عبر الحركات غير المنطقية أو الانتقالات المفاجئة داخل الفيديو.. وأضافت أن أبرز دلائل التزييف تشمل التغيّر المفاجئ فى زاوية التصوير، والانتقال غير المبرر بين المشاهد، وتغير حجم الأشخاص أو الحيوانات، إلى جانب تشوهات واضحة مثل اختفاء التعرجات الطبيعية للوجه وجعل الملامح تبدو مسطحة بلا عمق. ونصحت الألفى المستخدمين بضرورة الانتباه للتعليقات المصاحبة للفيديوهات والصور على المنصات الرقمية، إذ تكشف طبيعة المحتوى إذا كان مصطنعًا، مؤكدة أن بعض المنصات بدأت بالفعل تلزم صانعى المحتوى بكتابة ما يوضح أنه مصنوع بالذكاء الاصطناعي. من جهته يقول أ.د أسامة غازى المدني، أستاذ الإعلام البديل بجامعة أم القرى فى السعودية، إنه لا تتوافر حتى الآن إحصاءات دقيقة حول حجم انتشار الفيديوهات المزيفة بالذكاء الاصطناعى فى المنطقة العربية، غير أن الملاحظ هو تزايد استخدامها مع انتشار أدوات التزييف العميق، حيث يتركز معظم هذا المحتوى على الجوانب السياسية والمشاهير، وظهرت بالفعل حالات استهدفت فيها شخصيات عامة وخبراء بمقاطع مصنعة بغرض التضليل. وأوضح المدنى أن اكتشاف هذه الفيديوهات يقوم على شقين تقنى وسياقي، فمن الناحية التقنية، يمكن ملاحظة عدم تناسق ملامح الوجه، أو مشاكل فى رمش العينين وتزامن الصوت مع حركة الشفاه، إضافة إلى اختلاف الإضاءة أو وجود تشوهات فى الخلفية، أما من الناحية السياقية، فالمؤشرات تكمن فى مصدر الفيديو المشبوه، أو المحتوى المبالغ فى غرابته، أو اختلاف أسلوب الحديث عن المعتاد للشخصية المستهدفة. ويقول حسام مصطفى إبراهيم، الكاتب الصحفى والباحث فى الذكاء الاصطناعي، إنه لا توجد حتى الآن إحصائيات موثقة تحدد بدقة حجم انتشار الفيديوهات المصنوعة بالذكاء الاصطناعي، سواء استخدمت لأغراض دعائية أو للإيذاء. وأشار إلى أن نظرة سريعة إلى سوق الإعلانات تكشف عن اعتماد متزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، لما تمنحه من سرعة إنجاز وتكلفة منخفضة وإمكانات واسعة مقارنة بالطرق التقليدية. وتثبت الأمثلة التى استعرضناها أن مقاطع الفيديو المزيفة بالذكاء الاصطناعى لم تعد مجرد تسلية أو تجربة تقنية، بل أداة مؤثرة تستخدم أحيانًا فى التضليل والتشهير وصناعة الوهم، وبينما تكشف التفاصيل الصغيرة - من حركة عين غير طبيعية إلى إضاءة مشوهة أو خلفية مرتبكة - زيف هذه المواد، فإن خطورتها الحقيقية تكمن فى سرعة انتشارها وقدرتها على خداع جمهور واسع قبل انكشاف حقيقتها. ومع تطور أدوات التزييف بوتيرة أسرع من أدوات الكشف، يصبح وعى المشاهد عنصرًا لا غنى عنه فى خط الدفاع الأول ضد التضليل الرقمي، حيث إن إدراك أن «ما نراه قد لا يكون حقيقيًا» لم يعد رفاهية معرفية، بل ضرورة يومية لحماية العقول من الانخداع وحماية المجتمع من آثار الوهم المصنوع.