فقاعة تزييف تسود العالم .. الذكاء الاصطناعى عبر الخوارزميات يسهم فى «تغييب» العقول

افترض أن مديرك يحادثك فى اجتماع، عبر تقنية الفيديو، لتُجرى أمامه 15 عملية تحويل بنكى ل5 حسابات مصرفية، بقيمة 26 مليون دولار أمريكى، ثم تكتشف فيما بعد أن مديرك لم يكن فى هذا الاجتماع من الأساس، وأن كل ما تم كان بواسطة الذكاء الاصطناعى، وأنك الآن متورط فى عملية احتيال ضخمة.
هذه كانت واحدة من أشهر حوادث خدع فيها الذكاء الاصطناعى الإنسان، بل من أبسط طرق استخدامه فى الاحتيال والتزييف، ولأنها دائرة واسعة جدًّا لا حدود لها تقريبًا، تكتشف فيما بعد أنك مُحَاط بالتزييف من جميع الجوانب، بداية من تصفحك هاتفك فى بداية اليوم على مواقع التواصل الاجتماعى، مرورًا بحساباتك البنكية، وصولًا إلى محادثاتك مع أحد أقاربك بالصوت والصورة، وغيرها الكثير من سُبل التضليل التى تزداد يومًا بعد يوم.
فى هذا التقرير ترصد «المصرى اليوم» كيف يُضللنا الذكاء الاصطناعى يوميًّا.
أبرز 9 شائعات صنعها الذكاء الاصطناعى فى 2024
تحتل الشائعات نصيب الأسد من دائرة تزييف الذكاء الاصطناعى عبر أدوات الصور والفيديو، وتلك كانت أبرزها خلال العام:
1- طبقات سجن صيدنايا
سجن صيدنايا، الذى يُعتبر واحدًا من أكثر السجون سيئة السمعة فى سوريا، كان موضوعًا للكثير من التقارير حول الانتهاكات والظروف الصعبة، ما يجعله أرضًا خصبة لنشر المعلومات المزيفة.
انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى صور تُظهر تصميمًا لطبقات سجن صيدنايا فى سوريا، تُبيّن زنازين متعددة الطبقات تحت الأرض. وبالبحث اتضح أن الصور ليست حقيقية، ومصممة بالذكاء الاصطناعى.
وتخطى انتشار الصور 17 مليونًا على منصتى «X» وفيسبوك.
2- سجين الحفرة
أشهر الصور كانت لرجل داخل حفرة صخرية زُعم أنها لسجين سورى لم يرَ البشر منذ 30 عامًا، وبالبحث توصلت «المصرى اليوم» إلى أن مقطع الفيديو يعود فى الأصل لحساب sanzaruu@ على «تيك توك»، مصمم لإنشاء مقاطع الفيديو عبر الذكاء الاصطناعى، وعن الفيديو ذاته أضاف الناشر وسم «AI»، بمعنى أنها مصنوعة بواسطة الذكاء الاصطناعى.
وبالبحث فى الحساب ذاته، وجدنا مجموعة كبيرة من أشكال متنوعة لفكرة الفيديو ذاتها حول إنشاء مقاطع مخيفة بشكل عام، تخطى عدد مشاهداتها 2 مليون على منصة «X».
3- حادث الدائرى
انتشرت صورة لحادث على الطريق الدائرى، فى أغسطس 2024، عن مقبرة للسيارات صُنعت بالذكاء الاصطناعى، ورغم أن الحادث وقع بالفعل، فإن الصورة كانت مزيفة، وانتشرت بصورة واسعة لدرجة تخطى ال188 ألفًا على منصة إكس من حيث الانتشار، كما تجاوز عدد مشاركاتها 546 على فيسبوك.
4- أطفال الوحل
انتشرت أيضًا مجموعة صور تُظهر أطفالًا ينامون فى الوحل، وقد غطى الطين أجسادهم داخل خيام أو أمامها، وزُعم أنها تعود إلى أطفال فلسطينيين فى قطاع غزة.
الصور، التى لقيت انتشارًا واسعًا عبر منصات مثل إكس وإنستجرام وتيك توك، أثارت تعاطفًا كبيرًا، حيث بدت مأساوية، خاصة مشهد طفلين متلاصقين. ومع ذلك، بالبحث تبين أن هذه الصور ليست حقيقية، بل صُنعت باستخدام الذكاء الاصطناعى، حيث تظهر فيها تفاصيل غريبة مثل أصابع ملتوية ورقاب غير طبيعية. تخطت مشاهداتها 668 ألفًا على منصة «إكس».
5- اعتداء كلب إسرائيلى على سيدة فلسطينية
رغم أن الصورة بالذكاء الاصطناعى، ومأخوذة عن فيديو حقيقى لهجوم الكلب على السيدة المُسِنّة فى منزلها، فإن الصورة المولدة بالذكاء الاصطناعى لقيت انتشارًا أوسع كثيرًا من الحقيقية. بمعدل 553 ألف مشاهدة على منصتى إكس وإنستجرام.
6- هجوم إسرائيلى على مطار بيروت
انتشرت على الإنترنت صورتان يُزعم أنهما توثقان هجومًا إسرائيليًّا على مطار بيروت، ولكن يكشف تحقيق أجرته DW أنهما صورتان مزيفتان تم إنشاؤهما باستخدام الذكاء الاصطناعى، فى 24 أكتوبر 2024.
الفحص الدقيق كشف عن تناقضات فى التصميم: مقدمة الطائرة أقصر مما هى عليه فى طرازات الطائرات التى تستخدمها MEA، وطلاء ذيل الطائرة مختلف، كما أن النوافذ مفقودة فى أجزاء معينة. بالإضافة إلى ذلك، المبانى فى الخلفية تُظهر عيوبًا مثل نوافذ مضاءة بشكل غير منتظم.
7- صور غير لائقة لتايلور سويفت
واقعة انتشار صور غير لائقة لتايلور سويفت تم إنشاؤها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى، بطريقة احترافية بهدف خداع الجمهور أو الترويج لمحتوى غير لائق، ولقيت انتشارًا كبيرًا على مواقع التواصل، فتخطى عدد مشاهداتها 27 مليون مشاهدة.
8- بناء العمالقة للأهرامات
فيديو مُولَّد بالذكاء الاصطناعى يُظهر مشهدًا خياليًّا لعمالقة يحملون الأحجار لبناء الأهرامات، ويدّعِى أن قوم عاد هم مَن شيدوا الأهرامات، فى محاولة لتشويه نسبتها إلى الحضارة المصرية القديمة. معدل انتشار الفيديو وصل إلى 21 مليون مشاهدة على منصة إكس فقط.
9- بايدن يحاول الجلوس على كرسى وهمى
مقطع فيديو مزيف يُظهر الرئيس الأمريكى جو بايدن يحاول الجلوس على كرسى «غير موجود» أثناء إحياء ذكرى إنزال النورماندى، وقد أثار جدلًا واسعًا، لكنه تبيّن لاحقًا أنه مُتلاعَب به.
تخطى الفيديو حاجز ال7 ملايين مشاهدة، فى ساعات قليلة من انتشاره.
خوارزميات العرض والنشر فى مواقع التواصل الاجتماعى تسهم فى نشر الشائعات
فى تصريحات خاصة لأستاذ هندسة الحاسبات والذكاء الاصطناعى، ماركو ممدوح، الحاصل على دكتوراة من جامعة ستانفورد الأمريكية، ل«المصرى اليوم»، أشار إلى أن طريقة عرض الخوارزميات للمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعى تسهم أحيانًا كثيرة فى انتشار الشائعات نظرًا إلى أن مواقع التواصل الاجتماعى تعتمد فى تقييم المنشورات بشكل كبير على أنظمة ذكاء اصطناعى تحدد المنشورات التى سيبدأ النظام فى مشاركتها على نطاق واسع أو التى تُعرف باسم «trend»، فهذه لا تعتمد على مدى حقيقة أو كذب المشاركة المكتوبة، ولا تضع ذلك فى الاعتبار نهائيًّا، لهذا نرى وبشكل كبير أخبارًا كاذبة منتشرة بشكل واسع، فقط لأن معدل التفاعل عليها كبير.
ويبرر دكتور «ممدوح» ذلك بأنه يحدث اعتقادًا من الذكاء الاصطناعى أنها أخبار مهمة لكثرة تفاعل الأفراد معها، بغض النظر عن كونها حقيقية أم لا.
كيف يُضلِّلنا الذكاء الاصطناعى؟!
تزييف الصور
يقول «ممدوح» إن الصور كانت صاحبة النصيب الأكبر فى 2024 من التعديل والإنشاء، ما جلب أيضًا مع هذا التطور تحديثات عديدة يمكن استخدامها بشكل سيئ، مثل تغيير الوجه وتعديل وضع الجسد أو اليد والتلاعب بأى نقطة بالصورة.
تزييف الصوت
شهد عام 2024 تطورًا كبيرًا فى استنساخ الأصوات، قالها «ممدوح»، متابعًا: «بل ظهرت معادلات لصناعة أصوات جديدة، وضمنها كانت إمكانية استنساخ صوت بالذكاء الاصطناعى من أى مصدر صوتى مدته 10 دقائق فقط، وتستغرق مدة التدريب حوالى 3 ساعات، من ثَمَّ يستطيع إقامة محادثات كاملة بهذا الصوت فيما بعد بدقة عالية كما الحال فى المكالمة المزعومة بين بايدن وهاريس وغيرها الكثير».
تزييف الفيديو
الفيديوهات أصبحت شبه حقيقية فى 2024 بحسب خبير الذكاء الاصطناعى ماركو ممدوح، فإن أكبر التحديثات جاءت هذا العام مع ظهور نماذج تشبه الواقع مثل sora وveo، ومنها يمكننا الآن صناعة فيلم سينمائى بالذكاء الاصطناعى. فضلًا عن صناعة الفيديوهات القصيرة لأى شخصية عامة، وهى إمكانية خطيرة جدًّا تحتاج الوعى الكافى والكامل من الناس بمدى تطور الذكاء الاصطناعى بالشكل الذى يجعلهم يتأكدون من أى فيديو أو صورة إن كانت حقيقية أم لا.