قال الدكتور جمال حمدان في رائعته الخالدة " شخصية مصر .. دراسة في عبقرية المكان " : مصر ليست دولةً تُوصف بالكِبَر، بل هي الكِبَر ذاته في صورة دولة .. إن قدرها أن تكون دولةً كبيرة . بهذه الكلمات المضيئة، رسم جمال حمدان ملامح قدرٍ جغرافي وتاريخي لا فكاك منه؛ قدرٌ يُلزم مصر بأن تكون في موقع القيادة والتأثير، وأن يظل دورها إقليميًا ودوليًا بقدر حجمها الحضاري وعبقريتها الجغرافية. ولعل شهر أكتوبر 2025 يجسد أصدق تعبير عن هذا القدر المتجدد، إذ تحوّل من مجرد شهر في التقويم إلى رمز لانتصارات مصر المتتابعة — عسكرية بالأمس، ودبلوماسية وسياسية وثقافية ورياضية اليوم. فكما انتصرت مصر في أكتوبر 1973 حين عبرت الهزيمة واستعادت كرامتها بسواعد أبطالها، ها هي اليوم — بعد أكثر من نصف قرن — تعبر تحديات الحاضر بانتصارات جديدة، تؤكد أن روح أكتوبر لم تغب، وأن مصر ما زالت تكتب فصول مجدها بقيادة زعيمها الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي أعاد للدولة المصرية مكانتها وهيبتها على المستويين الإقليمي والدولي. في هذا الشهر، شهد العالم قمة شرم الشيخ الدولية التي جاءت بجهود مصرية خالصة، وأسفرت عن إنهاء حرب غزة بعد شهور دامية من الصراع، في لحظة فارقة جمعت قادة دول العالم على أرض السلام. ولم يكن حضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى شرم الشيخ إلا تأكيدًا على ثقل الدور المصري، حيث عبّر في كلماته عن إعجابه الشديد بمصر والرئيس السيسي، مشيدًا بما تشهده البلاد من أمن واستقرار وانخفاض غير مسبوق في معدلات الجريمة، وهي شهادة دولية جديدة تضاف إلى رصيد الدولة المصرية في ترسيخ الأمن وصناعة السلام معًا. وفي ميدان الدبلوماسية الثقافية، فاز الدكتور خالد العناني برئاسة منظمة اليونسكو، بعد معركة انتخابية شرسة خاضتها الدبلوماسية المصرية بثقة واقتدار، مؤكدة أن قوة مصر الناعمة لا تقل أهمية عن قوتها السياسية والعسكرية، وأن القاهرة ما زالت عاصمة الثقافة العالمية ومهد الحضارة الإنسانية. أما في ميدان الرياضة، فقد جاء تأهل المنتخب المصري إلى كأس العالم ليضيف فرحة جديدة إلى رصيد أكتوبر، مؤكدًا أن روح التحدي والانتصار لا تزال تسري في عروق هذا الوطن العظيم. وتوّجت هذه الانتصارات بحدثٍ دولي جديد، إذ فازت مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة 2026–2028، بحصولها على 173 صوتًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في تأكيد جديد على الثقة الدولية المتزايدة في الدولة المصرية ودبلوماسيتها النشطة. ويعد هذا الفوز الثالث لمصر بعضوية المجلس، منها فترتين خلال رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، بما يعكس حجم التقدير العالمي لجهود مصر في تعزيز مبادئ حقوق الإنسان والتوازن بين التنمية والكرامة الإنسانية. وفي الوقت نفسه، تستعد مصر لحدث عالمي غير مسبوق في الأول من نوفمبر المقبل، وهو الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير — أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة — والذي يُعد أحد أهم المشروعات الثقافية في القرن الحادي والعشرين. هذا الصرح العملاق يمثل انتصارًا حضاريًا جديدًا يليق بتاريخ مصر الممتد، ويعكس فلسفة الدولة الحديثة في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الماضي المجيد والمستقبل الواعد. فمصر التي قادت العالم قبل سبعة آلاف عام بالعلم والفن والمعمار، تعود اليوم لتقدّم نفسها من جديد كمنارة للثقافة والإنسانية، وسط ترقب عالمي لحدث سيعيد رسم خريطة السياحة والمتاحف حول العالم. وهكذا، يتحول أكتوبر من ذكرى للنصر العسكري إلى شهرٍ للانتصارات الشاملة — السياسية والدبلوماسية والثقافية والرياضية — تحت راية مصر الحديثة. إنها الدولة التي كتب عليها أن تكون كبيرة، وستبقى كبير بما تحققه من إنجاز، وبما تكتبه كل يوم من تاريخ جديد يليق باسمها ومكانتها وقدرها الأبدي في قلب العالم. قدر مصر أن تكون دولةً كبيرة .. بلد تختار أن تكون في مقدمة التاريخ .