تتجه أنظار العالم كل عام إلى مدينة أبوسمبل في جنوب مصر، حيث يتجدد اللقاء مع واحدة من أروع الظواهر الفلكية التي تجسّد عبقرية الإنسان المصري القديم. إنّها لحظة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني داخل معبده العظيم، في مشهد مهيب يربط بين التاريخ والعلم والسياحة والثقافة، ليحكي قصة حضارة لا تزال تبهر العالم بإنجازاتها الدقيقة التي تجاوزت حدود الزمن. تستعد محافظة أسوان لاستقبال هذا الحدث الفلكي الفريد الذي يتكرر مرتين كل عام، في 22 فبراير و22 أكتوبر، حين تتعامد أشعة الشمس فجرًا على وجه تمثال الملك رمسيس الثاني داخل قدس الأقداس بمعبده بمدينة أبوسمبل، في ظاهرة نادرة تجمع بين الإعجاز الهندسي والدقة الفلكية التي اشتهر بها المصريون القدماء. وفي إطار الاحتفاء بهذه المناسبة، تُكثّف المحافظة استعداداتها لاستقبال الزوار والسياح من داخل مصر وخارجها، حيث تنطلق فعاليات مهرجان تعامد الشمس الذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، بمشاركة واسعة من فرق الفنون الشعبية التي تمثل مختلف محافظات الجمهورية. وتشارك في المهرجان فرق من أسوان، وتوشكى، والأقصر، وملوي، وسوهاج، وكفر الشيخ، والإسماعيلية، وبورسعيد، والعريش، لتقدّم عروضًا فنية راقصة وغنائية تُبرز التنوع الثقافي الذي يميز كل منطقة مصرية، من النوبة إلى الدلتا ومن سيناء إلى الساحل. وتبدأ العروض في 18 أكتوبر على مسارح قصور الثقافة في عدة مناطق من المحافظة مثل كوم أمبو، دراو، كلابشة، العتمور، كرم الديب، دهميت، وتوشكى، إلى جانب فقرات فنية مفتوحة في الميادين العامة، لخلق أجواء احتفالية يشارك فيها المواطنون والسياح على حد سواء. أما في 19 و20 أكتوبر، فتتبادل الفرق عروضها بين المحافظات، في إطار تبادل ثقافي يُبرز الوحدة في التنوع الفني المصري. ثم تتجه القوافل الفنية يوم 21 أكتوبر إلى مدينة أبوسمبل، حيث تُقام الأمسية الكبرى أمام المعبد في الرابعة عصرًا، تليها حفلات غنائية ورقصات فلكلورية على مسرح السوق في التاسعة مساءً. ويبلغ المهرجان ذروته فجر 22 أكتوبر عند لحظة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني، حيث تغمر أشعة الشمس قدس الأقداس داخل المعبد لتضيء وجه الملك وتماثيل الآلهة الثلاثة: رع حور آختي، وآمون رع، ورمسيس نفسه، بينما يظل تمثال الإله بتاح، إله الظلام، في الظل كما أراد المصري القديم. إنها لحظة نادرة لا تستغرق سوى دقائق معدودة، لكنها تختصر آلاف السنين من الحضارة والمعرفة، وتُذكّر العالم بأن مصر كانت – ولا تزال – مهد العلم والفن والروح الإنسانية. اقرأ أيضا| تعامد شمس على معابد فرعونية.. يوم الانقلاب الصيفي في صعيد مصر يُعدّ تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني حدثًا ليس فلكيًا فحسب، بل احتفالًا بعبقرية المصري القديم الذي ربط بين السماء والأرض بحسابات دقيقة لا تزال لغزًا يثير الدهشة والإعجاب. ومع كل عام، يتجدّد المشهد ليؤكد أن أسوان ليست مجرد مدينة على ضفاف النيل، بل متحف مفتوح يُجسّد الخلود في أجمل صوره.