كثيرة هى الفرص الضائعة، وأىٌّ منها كان كفيلاً بتحقيق وحدة وطنية فلسطينية، والتعامل مع العالم ككيان سياسى واحد، فلم تنجح كل تلك السنوات، فى طى الخلاف منذ الانقسام بين فتح وحماس، نتيجة الصراع بين الطرفين عامى 2006 و 2007، تعددت جولات الحوار وتنوعت الوساطات، ولكن غاب عن الأطراف الفلسطينية المعنية، الإرادة السياسية فى الالتزام بمضمون الاتفاقات. حتى وصلنا إلى مشهد بائس، استبعاد فصائل المقاومة قسراً من المشهد، وتهميش واضح للسلطة فى انتظار إصلاح نفسها، وهى (كلمة حق يراد به باطل). والتاريخ يكشف عن أن القاهرة كانت هى العمود الفقرى لكل الجهد المبذول لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، بحكم التاريخ والجغرافيا، واعتبارها الراعى الإقليمى للقضية، وهناك محطات بارزة بهذا الخصوص، منها اتفاقية القاهرة للوفاق الوطنى فى 4 مايو2011، والذى أصبح مرجعًا فى كل جولات الحوار، وأيضاً المقترح الأهم فى ديسمبر الماضى، بتشكيل لجنة الإسناد المجتمعى، وأخيراً الدعوة المصرية، التى تم الكشف عنها منذ أيام، عن الإعداد لحوار جديد، بمشاركة كافة الفصائل الفلسطينية، لتحديد مستقبل قطاع غزة، وإنهاء الانقسام وترتيبات اليوم التالى ما بعد انتهاء المرحلة الأولى، وبحث القضايا المرتبطة بمستقبل القضية الفلسطينية، والتى يمكن أن تبدأ أعمالها الأسبوع القادم. ففى مايو2011، عالج الحوار الوطنى الذى استضافته القاهرة - وكنت شاهداً عليه وأحد حضوره - ست قضايا رئيسية، ترتبط بشكل مباشر بملف المصالحة الوطنية الفلسطينية، وإنهاء الانقسام، ووضع منظمة التحرير الفلسطينية، والانتخابات والأمن والمصالحة الداخلية والحكومة والمعتقلين، وتم تحديد الرابع من مايو2013، موعدًا لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وانتخابات للمجلس الوطنى، ولكن الأمور راوحت مكانها، فى ظل وجود حالة عدم الثقة بين حماس وفتح، والالتزام بنهج (كل شىء أو لا شيء)، وهو نفس السبب الذى وقف حائلاً أمام تمرير الطرح المصرى نهاية العام الماضى، من تشكيل لجنة الإسناد المجتمعى، والذى كان كفيلاً بتقديم كيان فلسطينى متكامل، لا يمكن تجاوزه بأى صورة من الصور، من أى جهةٍ مهما كانت، حيث توافقت الحركتان «حماس وفتح» بعد حوار استضافته القاهرة، على مقترح تولى تلك اللجنة إدارة قطاع غزة بالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية، على أن يصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا رئاسيًا بتعيين هذه اللجنة، بعد اعتماد مسودة الاتفاق، والتى تضم10-15 شخصية وطنية من الكفاءات، مشهود لها بالنزاهة والخبرة والشفافية، لحين إعادة ترتيب البيت الفلسطينى، وتشكيل حكومة توافق، وبحث الذهاب للانتخابات، وكانت ذات صلاحيات كاملة، وقد سارعت (حماس) بالموافقة على المقترح، بل أرسلت43 اسمًا من شخصيات وطنية مستقلة وخبراء، ولكن (فتح) هى من تراجعت عن موافقتها السابقة بأيام، على خلفية أنها قد تعزز الانقسام، والخوف من أن تنجح حماس فى تحويل اللجنة إلى مظلة لإدامة وجودها فى غزة، رغم إعلان حماس فى مرات عديدة تنازلها عن الحكم، ورغبتها فى أن تكون جزءًا من نسيج المجتمع الفلسطينى، كما أن تسمية أعضائها سيكون بقرار من أبو مازن، وعملها تحت إشراف السلطة. وشهدت السنوات الماضية، دخول أطراف عديدة على خط الوساطة بين الفرقاء الفلسطينيين، ومنها السعودية وقطر والجزائر، ولكننا سنتوقف عند الجهد الروسى، حيث استضافت موسكو حواراً موسعاً فى الأول من مارس 2024، واتفقت الفصائل الفلسطينية على أولويات التحرك المقبل، فى تسعة بنود: التصدى للعدوان الإسرائيلى، ووقف محاولات التهجير، ومنع محاولات إسرائيل السيطرة العسكرية على القطاع، ورفض أى محاولات لفصله عن الضفة، تم التوافق على جولات أخرى للبحث فى آليات دفع مسار الوحدة الوطنية. كما دخلت الصين على الخط، واستضافت هى الأخرى حوارًا فى يوليو من العام الماضى، بمشاركة 14 فصيلا فلسطينيا، انتهى بإعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتم الاتفاق على 8 نقاط دون الإشارة إلى جدول زمنى للتنفيذ. ودعونا نتفق، على أن الضرورة تستدعى التوقف ملياً على حجم المتغيرات، التى شهدتها المنطقة، وتستدعى انتهاز الفرصة هذه المرة، لتحقيق (الفريضة الغائبة) عن بعض القيادات الفلسطينية بحتمية الوحدة، فى ظل الزخم الكبير الذى يشهده هذا الملف، بعد عامين من عدوان إسرائيلى غير مسبوق، ومخططات لضم الضفة، وإفشال أى جهد باتجاه حل الدولتين، ولهذا فقد استجابت مصر لطلب حماس، بدعوة سريعة إلى الحوار، بعد أن أجرت الحركة مشاورات مكثفة مع العديد من التنظيمات الفلسطينية، أثناء صياغة الموقف من خطة ترامب، وتوالت الموافقات والترحيب بالدعوة، منها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وحركة فتح، وأكدت على أهمية الدعوة، وضرورة الإسراع فى تنفيذها، بما يعزز وحدة الأرض والشعب الفلسطينى فى دولته، والتى تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، كما رحبت الجبهة الشعبية ببحث استراتيجية موحدة، تستند إلى الثوابت والحقوق للشعب الفلسطينى. وبعد، فهذه فرصة قد لا تأتى، ومن الضرورى استثمارها، فالعالم لن ينتظر كثيراً، حتى يحسم الفلسطينيون أمرهم هذه المرة.