جاءت زيارة وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول لمنطقة الجمالية الأثرية، لتؤكد مجددًا المكانة الفريدة التي تحتلها القاهرة التاريخية على خريطة التراث الإنساني العالمي، وتعكس في الوقت ذاته عمق التقدير الأوروبي للحضارة المصرية الممتدة عبر العصور. الزيارة التي شملت عددًا من أهم معالم القاهرة الفاطمية والمملوكية، حملت في طياتها رسالة تعاون حضاري وثقافي رفيع، عنوانها أن التراث الإنساني هو لغة سلام وتفاهم بين الشعوب، وأن حماية آثار الماضي هي استثمار في مستقبل الإنسانية جمعاء. وجسدت الجولة، التي رافق فيها كبار مسؤولي الآثار المصريين الوزير الألماني والوفد المرافق له، صورة مشرقة للدبلوماسية الثقافية المصرية، التي لا تكتفي بالحفاظ على الإرث الوطني، بل تمتد لتبني جسور الشراكة والمعرفة مع دول العالم، في إطار رؤية مصر لتوظيف الثقافة والتراث كقوة ناعمة تعزّز حضورها الإقليمي والدولي. ◄ أهداف الزيارة تأتي هذه الزيارة في إطار جولة دبلوماسية يقوم بها وزير الخارجية الألماني في منطقة الشرق الأوسط، تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية في مجالات الثقافة والتراث والسياحة. وقد اختار الوفد الألماني زيارة منطقة الجمالية تحديدًا، لما تمثله من قلب نابض للهوية التاريخية للقاهرة، واحتضانها مجموعة من أبرز المعالم الإسلامية والقبطية التي تعكس تواصل الحضارات على مر العصور. كما أشار وزير الخارجية الألماني إلى أن ألمانيا تولي اهتمامًا بالغًا بالمشروعات الثقافية المشتركة، خصوصًا تلك التي تركز على الحفاظ على الآثار وترميمها، إذ تعتبر التراث الإنساني مسؤولية مشتركة بين الشعوب، مؤكداً أن مصر تمتلك كنوزًا فريدة يجب أن تُعرض للعالم بما يليق بمكانتها الحضارية. ◄ محطات الزيارة التفصيلية 1- باب الفتوح بدأت الجولة عند باب الفتوح، أحد أهم الأبواب التاريخية لمدينة القاهرة الفاطمية، والذي يعود تاريخه إلى القرن الحادي عشر الميلادي. وقد أبدى الوزير إعجابه الشديد بفن العمارة الإسلامية الذي يتجلى في تصميم الباب وزخارفه الهندسية الدقيقة، واستمع إلى شرح مفصل من مسؤولي الآثار حول تاريخ بنائه ودوره في حماية المدينة قديمًا. كما ناقش الوفد فكرة إعداد مشروع مشترك لتوثيق الأبواب التاريخية للقاهرة باستخدام تقنيات المسح الرقمي ثلاثي الأبعاد، وهو مجال تمتلك ألمانيا خبرة كبيرة فيه. 2- جامع الحاكم بأمر الله بعدها توجه الوفد إلى جامع الحاكم بأمر الله، أحد أقدم المساجد في القاهرة الفاطمية، والذي يعد نموذجًا رائعًا للعمارة الإسلامية في تلك الحقبة. وقد أبدى الوزير الألماني اهتمامًا كبيرًا بطريقة ترميم المسجد والمحافظة على طابعه الأصلي، مؤكدًا أن مثل هذه المعالم تمثل جسرًا للتواصل بين الماضي والحاضر. اقرأ أيضا| وزير خارجية ألمانيا يزور شارع المعز والأزهر الشريف ويشيد بعظمة الآثار الإسلامية في مصر |صور وأشار الدكتور رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية إلى الجهود الكبيرة التي بُذلت خلال السنوات الماضية في ترميم المسجد، مشيرًا إلى التعاون المثمر بين مصر وعدد من الدول الصديقة في دعم مشروعات الترميم والتوثيق. 3- سبيل عبد الرحمن كتخدا ثم انتقل الوفد إلى سبيل عبد الرحمن كتخدا، أحد أبرز المنشآت العثمانية في القاهرة. وقد أثنى الوزير على الجمال الفني للسبيل والنقوش العربية الدقيقة التي تزين واجهته، معربًا عن إعجابه بالطابع الإنساني الذي تمثله فكرة الأسبلة كمؤسسات خيرية لخدمة المجتمع. كما دار نقاش حول إمكانية تبادل الخبرات في مجال ترميم الخشب والمعدن المستخدم في هذه المنشآت، خاصة وأن ألمانيا تمتلك مراكز بحثية متخصصة في تقنيات الحفظ المتقدم. 4- المجموعة المعمارية للمنصور قلاوون واصل الوفد جولته بزيارة المجموعة المعمارية للسلطان المنصور قلاوون بشارع المعز لدين الله الفاطمي، والتي تضم مدرسة وبيمارستانًا (مستشفى قديمًا) وضريحًا، وتعد من أروع المنشآت المملوكية. وقد أبدى الوزير انبهاره بتكامل العناصر المعمارية والجمالية داخل المجموعة، واهتمام المصريين القدماء بالجانب الإنساني والعلمي في بناء المستشفيات التعليمية في ذلك العصر. وخلال الزيارة، أشار الدكتور مدير عام مناطق آثار شمال القاهرة إلى أن شارع المعز يمثل نموذجًا فريدًا للتعايش بين التراث والحداثة، وأنه يتم العمل حاليًا على مشاريع تطوير متكاملة للحفاظ على طابعه التاريخي مع تشجيع السياحة الثقافية. 5- الجامع الأزهر الشريف اختُتمت الجولة بزيارة الجامع الأزهر الشريف، رمز الوسطية والعلم في العالم الإسلامي، حيث استُقبل الوفد بحفاوة من العلماء والمشايخ. واستمع الوزير إلى عرض حول تاريخ الجامع ودوره في نشر الفكر المعتدل عبر العصور. وأعرب عن تقديره العميق لهذا الصرح العلمي، مؤكدًا أن الأزهر يمثل قيمة حضارية عالمية تسهم في نشر السلام والتفاهم بين الشعوب. ◄ الانطباعات والتصريحات الختامية في ختام الزيارة، عبّر وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول عن إعجابه العميق بما شاهده من روعة العمارة الإسلامية ودقة الحرفية المصرية القديمة، مؤكدًا أن القاهرة القديمة تمثل "متحفًا مفتوحًا" للحضارات الإنسانية. كما أبدى رغبته في تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين من خلال برامج مشتركة لتبادل الخبرات في مجال ترميم الآثار وتوثيقها رقمياً، إلى جانب دعم المشروعات التعليمية والبحثية بين الجامعات المصرية والألمانية في مجال علوم التراث. من جانبه، رحّب الدكتور رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بهذه المبادرة، مؤكداً أن مصر منفتحة على التعاون مع جميع الدول الصديقة من أجل حماية تراثها الغني، وأن مثل هذه الزيارات تمثل دعمًا معنويًا كبيرًا لجهود العاملين في مجال الآثار. ◄ دلالات الزيارة وأهميتها تحمل زيارة وزير الخارجية الألماني لمنطقة الجمالية العديد من الدلالات الثقافية والسياسية المهمة، فهي ليست مجرد جولة سياحية، بل رسالة تقدير دولية للحضارة المصرية العريقة، وتأكيد على أن التراث الإنساني هو لغة عالمية توحد الشعوب. كما تعكس الزيارة اهتمام ألمانيا بدعم مصر في جهودها للحفاظ على آثارها الإسلامية والقبطية، خاصة في ظل المشاريع الكبرى التي تُنفذ حاليًا لتطوير القاهرة التاريخية وتحويلها إلى وجهة عالمية للسياحة الثقافية. وتُعد هذه الزيارة أيضًا خطوة إيجابية نحو بناء شراكة استراتيجية في مجالات الثقافة والتراث، بما يعزز العلاقات الثنائية بين البلدين، ويتيح فرصًا لتبادل الخبرات العلمية والتقنية في مجال حفظ التراث العمراني، إضافة إلى إمكانية إطلاق برامج تدريبية مشتركة للعاملين في قطاع الآثار. ◄ ختام الزيارة وتطلعات المستقبل اختُتمت الزيارة بجولة ودية في أروقة الجامع الأزهر، تبادل خلالها الوزير الألماني الحديث مع المسؤولين المصريين حول أهمية الحوار الحضاري والتبادل الثقافي بين الشعوب. وأعرب عن رغبته في العودة مجددًا إلى مصر لمتابعة المشاريع الثقافية المشتركة، مؤكدًا أن ما رآه في الجمالية من تنوع معماري وروح حضارية يجسد جوهر الهوية المصرية التي استطاعت عبر العصور أن تمزج بين الأصالة والانفتاح. من جانبهم، أكد مسؤولو وزارة السياحة والآثار أن هذه الزيارة ستسهم في تنشيط حركة السياحة الثقافية، وستفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي في مجالات الترميم والتوثيق، مشيرين إلى أن الجمالية كانت وستظل شاهدًا حيًّا على عبقرية المصري في العمارة والفن والحياة. جاءت زيارة وزير الخارجية الألماني لمنطقة الجمالية لتؤكد مجددًا أن القاهرة ليست فقط عاصمة لمصر، بل عاصمة للتاريخ الإنساني بكل تجلياته. وبين مآذنها وقبابها العتيقة، وقف الوزير والوفد المرافق أمام شواهد حضارية تحكي قصة أمة عظيمة امتدت جذورها في عمق التاريخ. لقد كانت الزيارة رمزًا للتقدير المتبادل بين مصر وألمانيا، ورسالة واضحة بأن الحضارة لا تعرف الحدود، وأن حماية التراث مسؤولية إنسانية مشتركة.