كان مقعده بجوار مقعدى وأشهد الله عز وجل أننى ما رأيت منه إلا خيرا عبر هذه السنوات الطوال وما تدخل يوما فيما لا يعنيه تصادفنا الحياة كثيرا بما لا نتوقع وأحيانا بما نتوقع، وبشكل استثنائى تهديك أصدقاء طيبين من ذوى الحكمة ورجاحة العقل، قلوبهم عامرة بالإيمان، قد يغيرون مساراتك لتضع قدميك على الطريق الصحيح. يخافون عليك وتحتاج إليهم مثل القمر فى الليالى المظلمة حينما تسود العتمة وتتعثر الخطى فى الطريق ويأتى اليك بصيص من نور حتى تواصل السير فى أمان. ومن هنا تأتى الحكمة التى تقول «رب أخ لم تلده أمك»، أى صديق يشبه أخاك فى مشاعره نحوك وحرصه عليك. الصديق هو الذى يأتيك دائما عندما يتخلى عنك الآخرون.. هو الذى يحبك فى الله دون مصلحة مادية أو معنوية ويعينك على طاعة الله.. هو الذى يقبل عذرك ويسامحك إذا أخطأت ويصبر على سيئات طباعك ويحل محلك فى غيابك.. هو الذى يكون معك فى السراء والضراء.. فى الفرح والحزن، فى السعة والضيق. فى زماننا هذا نفتقد أشياء كثيرة وأصبح وجود أصدقاء بمثل هذه الأوصاف من المستحيلات الثلاثة التى كان يعرفها العرب وهى: الغول والعنقاء والخل الوفى. القدر يرتب لك مشوار حياتك وقد يهديك زوجة طيبة تعرف حدود الله سبحانه وتعالى فتحافظ عليك وعلى أولادك وعلى بيتها فتعيش سعيدا منصورا.. وقد تهديك صديقا طيب القلب يخشى الله فى أفعاله فتأنس إليه وتشاوره فى أمرك، كما طلب سيدنا موسى عليه السلام من ربه أن يجعل من أخيه هارون وزيرا له ليشدد به أزره ويشاوره فى أمره. صفات كثيرة كانت تتوافر فى صديق العمر المغفور له بإذن الله المرحوم الأستاذ خالد حجاج مدير تحرير «الأخبار» الذى كان يجاورنى لأكثر من ربع قرن.. كان مقعده بجوار مقعدى وأشهد الله عز وجل أننى ما رأيت منه إلا خيرا عبر هذه السنوات الطوال وما تدخل يوما فيما لا يعنيه.. عف اللسان حريصا على النصح والإرشاد .. مبتسما مهما كانت الظروف، يمد يديه دوما لك يؤازرك بلا انتظار أى مقابل.. لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. حرصنا طوال سنوات صداقتنا على الا يشوبها ما يعكر صفوها، فكان الأقرب إلى قلبى على مدى السنين. كان حريصا على صوم يومى الإثنين والخميس كل أسبوع وكنت أداعبه بأن يذهب مبكرا ليفطر فى بيته قبل المغرب لكنه كان يرفض إلا بعد انتهاء العمل. وكان أول الحاضرين لصالة تحرير «الأخبار» ولا أتذكر أنه طلب يوما إجازة الا فى أضيق الحدود، فقد كان مخلصا لمبادئه ومهنته ولنفسه.. حتى أصبح ركنا أساسيا فى الديسك المركزى للجريدة «المطبخ الصحفى». من أجمل الصفات التى أحببتها فى صديقى الراحل أنه لم يكن ينظر فيما عند الآخرين.. يؤمن بأن الرزق يأتى من عند الله وحده فلا تنظر لغيرك ولا تحقد عليه ولا تطلب أن تصبح مثله وهذا مبدأ مهم لكى تعيش مرتاحا صافى البال والخاطر.. إذا وجه أحد إليه ما لا يعجبه اعتزله ولا يرد عليه وهذه صفات أفضلها طوال عمرى فيما أحب أن يكون صديقى.. هذه بعض من صفات الصديق خالد حجاج الذى لا يعوض زميلا وصديقا وأخا كريما، لم يتكالب على منصب ولا بحث عن جاه ولا تعنيه مفاتن الدنيا الكثيرة. وللحق فقد طلب منى قبل مرضه أن نذهب للدكتور أسامة السعيد رئيس التحرير لكى يشكره على تكريمه له وتقديره الذى حظى به بعد سنوات من تجاهله الذى لم يشك يوما منه لأحد غيرى.. كان سعيدا وحامدا وشاكرا أن يحظى بثقة كبيرة على المستوى المهنى من رئيس التحرير، وقد حدث بالفعل بدون أن يشعر أحدا. رحمة الله عليك أخى خالد، فستبقى رقما مهما فى حياتى ما حييت. سأفتقدك كثيرا لكنها إرادة المولى.. إنا لله وإنا إليه راجعون.