أن يصل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى القاهرة تلبية لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ليس مجرد حدث دبلوماسى عابر، بل لحظة سياسية كبرى تعيد ترتيب خرائط المنطقة وتؤكد أن مصر - كما كانت دائمًا - هى المسرح الذى تُكتب عليه فصول الشرق الأوسط الجديدة. جاء ترامب إلى مصر شاهدًا على توقيع اتفاق السلام بين إسرائيل وحماس، وعلى نهاية حرب أنهكت الجميع. لكنه فى الحقيقة لم يكن شاهدًا بقدر ما كان مُقرًّا بالدور المصرى الذى تجاوز الوساطة إلى صناعة التوازن ذاته. فالقاهرة لم تُطفئ نار الحرب فحسب، بل أعادت تعريف مفهوم الردع والتهدئة، لتؤكد أن السلام حين يولد فى مصر، يولد من موقع القوة لا من منطق الاستجداء. زيارة ترامب، فى رمزيتها، اعتراف أمريكى بدور مصر المحوري؛ فهى العاصمة الوحيدة التى استطاعت أن تجمع المتنازعين، وتُلزم الأطراف المتحاربة بمنطق الدولة. وفى عمق المشهد، تتجلى تلك الكيمياء السياسية الفريدة بين السيسى وترامب، التى قامت على الثقة والوضوح، وعلى تقدير واشنطن لقدرة القاهرة على قراءة الإقليم بعين تعرف خباياه. لم تكن العلاقة بين الرجلين مجرد تفاهمٍ بين زعيمين، بل تلاقى رؤيتين: واحدة تؤمن بأن الاستقرار يبدأ من الدولة الوطنية، وأخرى ترى فى مصر حجر الزاوية لأى سلام يمكن أن يستمر. ولعل إشادة ترامب العلنية بالرئيس السيسى لم تكن مجاملة دبلوماسية، بل إقرارًا بدور قيادى فاعل أعاد للعالم مفهوم الوساطة المسؤولة. أن تكون القاهرة هى المنصة التى يُعلن منها السلام، فذلك تكريس لمكانتها كعاصمة الشرعية السياسية فى الشرق الأوسط. وأن يكون ترامب نفسه شاهدًا عليها، فذلك إيحاء مبكر بإمكانية فوزه بجائزة نوبل للسلام، وإن كانت الجائزة — فى جوهرها — اعترافًا غير معلن بقدرة مصر ورئيسها على منح الشرعية الأخلاقية والانسانية لمن يستحقها. إن زيارة ترامب إلى القاهرة تتجاوز مراسم التوقيع إلى ما هو أبعد ؛ رسالة إلى العالم بأن مصر عادت لتتحدث باسم العقل والضمير معًا، وأن من أراد سلامًا فى الشرق الأوسط لا بد أن يمر عبر بوابتها.