أما آنت اللحظة التي تأخذ فيها الكلمة قدرها؟ أيمكن لحرف ينطق أن يغير مصير إنسان أو أمة بأكملها؟ كيف تصبح الكلمة مفتاحا للجنة أو بابا إلى النار؟ وأي سر يجعلها أحيانا أبلغ من الرصاص، وأخطر من السيوف، وأبقى من الجيوش؟ الكلمة ليست حروفا عابرة بل روح قادرة على أن تحيي أو تميت أن تضيء أو تحرق.. كلمة صادقة قد تحيي القلوب، وأخرى جارحة قد تظل تنزف في الذاكرة.. الكلمة الطيبة لا تكلف صاحبها شيئا، لكنها تمنح أملا وحياة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله،، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله».. المجتمعات تبنى بالكلمات وتنهدم بها، خطبة قد تحرك الملايين وكلمة حق قد تسقط سلطانا، بينما إشاعة صغيرة قد تشعل حربا وتمزق وطنا.. وقد عظمت الأديان شأن الكلمة حتى جعلتها مصير الإنسان: «بكلمة يدخل الدين أو يخرج، بكلمة تبنى البيوت أو تنهدم، وبكلمة يفتح باب الجنة أو يقذف صاحبها فى النار». ولأن الكلمة سلاحها القلم، فإن الصحفى هو أول من يحمل هذه الأمانة، ليس مجرد ناقل للأحداث بل شاهد على الحقيقة وضمير للمجتمع. ولعل أصدق برهان على ذلك تجلى فى حرب أكتوبر، حين حمل الصحفيون والمصورون أقلامهم وكاميراتهم كسلاح لا يقل قوة عن البنادق.. فاروق الشاذلي، ابن «أخبار اليوم» كان من أبرز الصحفيين العسكريين، حيث انطلق من السويس مع أول ضوء يوم 7 أكتوبر، ورصد عبور قناة السويس، ووثق تحطيم خط بارليف، وتظل مذكراته مرجعا لفهم كواليس العمليات وأبرز الأخطاء، كما وثق شوقى مصطفى انسحاب العدو رغم إصابته،، وسجل تونى فارس عبور الجنود، بينما قدم «هيكل» تحليلات دعمت الموقف ورسخت الثقة فى النصر، ليظهر الوجه الحقيقى للصحافة صوتا واعيا ودرعا وطنيا شارك فى صناعة النصر. لذلك حان الوقت الذى تتشابك فيه يد الدولة بصحفييها لصون الكلمة ورد هيبتها وتعزيز دور الصحفى كحارس أمين ودرع فى مواجهة الأكاذيب، فالكلمة أمانة، وعلى الصحفى أن يكتب بصدق وضمير.. وعلى الدولة أن تدرك أن صون الكلمة الحرة هو حصن الأوطان ولا تترك الساحة لفوضى المنصات، فلن يجلب ذلك سوى الانقسام والانهيار، وهو ما تسعى إليه القوى المعادية. أما الناس فليدركوا أن كل كلمة قد تعود عليهم يوما شاهدا أو خصيما.. فالكلمة إما جسر إلى النور أو سيف يقطع بلا رحمة،، فاختر كلماتك بعناية فإنك قد تنساها لكن غيرك قد يخلدها ما عاش.