من سوار المتحف إلى لوحة سقارة، التاريخ يسرق قطعة قطعة، فسرقات الآثار لم تعد حوادث فردية، بل تحولت إلى ظاهرة مؤلمة. واقعة سرقة لوحة تم تقطيعها بمنشار كهربائى من مقبرة «خنتى كا» فى سقارة، مشهد واحد تراث ينهب، وبيانات رسمية جامدة، وعبارة واحدة تتكرر دائما «تم اتخاذ الإجراءات القانونية». بيان الوزارة الأخير عن سرقة لوحة مقبرة «خنتى كا» بدا وكأنه كتب على عجل، بلا روح ولا مسئولية. فبدل أن نقرأ كشفا للحقائق، وجدنا أنفسنا أمام نص غامض يكتفى بالتبرير، وكأن عبارة «تم اتخاذ الإجراءات القانونية» أصبحت تعويذة رسمية لتجنب الحرج. لكن المفارقة الصادمة أن الوزارة قررت تشكيل لجنة جرد برئاسة مدير منطقة سقارة نفسه الدكتور عمرو الطيبي، أى الرجل الذى وقعت السرقة فى نطاق مسئوليته! كيف يصبح من يفترض مساءلته رئيس لجنة التحقيق؟ هل نحقق مع أنفسنا؟ أم نطمئن بعضنا فى صمت رسمي بأن «الأمور تمام»؟ اللجان تشكل عادة لكشف الحقيقة، لا لتغطيتها. وإذا غاب الحياد تحولت من أداة رقابية إلى وسيلة للتمويه. أما الحديث عن تحويل الواقعة إلى النيابة فهو جميل على الورق، لكن أين النتائج؟ ومتى نسمع عن محاسبة فعلية أو استقالة جريئة؟ التساؤلات لا تنتهي: ما الإجراءات التى تتخذ لمنع بيع القطع المسروقة فى الأسواق الخارجية؟ هل يتم إبلاغ الإنتربول الدولى فورا لإدراج القطع على قوائم الممنوعات من التداول حتى لا تباع أو تعرض في أى مزاد عالمي؟ ما حدث في سقارة ليس مجرد حادث سرقة، بل مرآة لعجز المنظومة عن حماية ما تبقى من تاريخنا، التراث المصرى أصبح فى مهب الريح، وتسرق ذاكرة وطن عمرها سبعة آلاف عام، بينما نكتفى بتعويذة رسمية اسمها «تم اتخاذ الإجراءات القانونية».