مرت السنوات، وتغيرات أجيال، وتبدلت خرائط السياسة وأساليب الحروب، ولكن انتصار السادس من أكتوبر لم يتبدل فى وجدان المصريين.. ولم تخفت جذوته فى ذاكرتهم.. إنه يوم النور الذى أشرقت فيه الشمس. حين أتأمل هذا اليوم، يوم العبور العظيم.. أجد فى داخلى صوتًا يهمس، بأن ما حدث لم يكن حربًا فقط، بل كان إعلانًا عن ميلاد إرادة شعب، حيث جاء العبور فى لحظة حسبها العالم مستحيلة. جيش يحطم خط بارليف، وجنود يعبرون الماء والنار فى مواجهة عدوهم. لم يكن عبور القناة مجرد عملية عسكرية، بل عبور حضارى واجتماعى، وتاريخى، لقد أثبت الجندى المصرى أنه لا يقهر حين يؤمن أن الكرامة ليست شعارًا، بل حياة تعاش أو يموت دونها. وإذا كان السادس من أكتوبر قد علمنا أن العدو لا يهزم بالقوة العسكرية وحدها، بل أيضًا بالوعى والمعرفة، فإن تحديات اليوم أكثر تعقيدًا، وأشد غموضًا، نحن لم نعد نقف على ضفة قناة نستعد لعبورها، بل نقف على مفترق طرق فى عالم متغير، تحكمه القوة الناعمة، وتديره تقنيات الذكاء الاصنطاعي، وتخاض فيه الحروب باسم الاقتصاد، وبأدوات الإعلام. إن الحرب لم تكن معركة دبابات فحسب بل معركة قرار، ومعركة معرفة، ومعركة رؤية، واليوم حين نخطئ فى قرار، أو نؤجل إصلاحًا، أو نتردد أمام التحديات، فإننا نخسر فرصة عبور جديد لا يقل أهمية عن عبور القناة. إننى أخشى أن يصبح انتصار أكتوبر ذكرى نتغنى بها فقط، بينما يتراجع تأثيرها فى سلوكنا الوطنى.. فالعبور الحقيقى اليوم ليس إلى الضفة الشرقية من القناة، بل إلى ضفة المستقبل، حيث لا مكان للضعيف ولا عذر للارتباك ولا مجال للتأخر. أخشى أن الجيل الذى لم يعش الحرب قد يسقط من ذاكرته معنى النصر، ويُصور له المجد على أنه صورة قديمة، لا طريق حاضر. ولذلك علينا أن نعيد بناء الرواية لا فى كتب التاريخ فقط، بل فى وعى الأمة، حتى يبقى النصر منهجًا.. علينا أن نستنهض مجد الماضى، لبناء مستقبل يليق بمن عبروا القناة، علينا أن نعيد قراءة أكتوبر لا فقط كحدث عسكرى بل كدرس عميق فى الإرادة والتحدى والصمود.. وأننا تعلمتنا من الحرب أن الإعداد العقلى والروحى هو من يقلب موازين القوة. وفى النهاية أقول سلامًا على من عبروا، ومن استشهدوا ومن عاشوا ليحكوا الحقيقة، وسلام على وطن إذا هُزم قام، وإذا قام لا ينحنى.