فى الذكرى 52 لتحطيم أسطورة الجيش الذى لا يقهر، قد يتساءل البعض: هل ثمة دروس باقية يمكن الاستمرار فى استلهامها من روح النصر العظيم؟ نعم: لأن ما ينفع يمكث فى الأرض إلى أن يرثها الخالق بمن عليها، وحدث بحجم نصر أكتوبر يظل خالدًا بدروسه وعبره، لا على سبيل الحفاوة والاحتفال، وإنما استرشادًا بما تحتضنه تلك الدروس، ويسهم فى بلورة مؤشرات مستقبلية، بالابتكار والإبداع، والإضافة الخلاقة، كنهج أكتوبر 73.. تأمل ما حدث قبل أكثر من نصف قرن يقودنا إلى استلهام العديد من الدروس، التى تتمتع بالديمومة لأنها كانت وما تزال وسوف تظل تضيء الذاكرة الوطنية الحية.. لعل أول درس رائع كان قبول التحدى الذى فرضته نكسة 67 على الواقع، ومن ثم تشكيل الاستجابة الملائمة التى مكنت مصر خلال 6 سنوات من إعادة البناء الشامل على كل الأصعدة، وذلك هو الدرس الثانى، فمصر قيادة وشعبًا استهدفت نصرًا عماده القوة الشاملة، وليس فقط فى جانبها العسكرى على أهميته القصوى، من ثم كان البناء على استراتيجية تهدف لإحراز نصر سياسى مبين، يعيد الحق، ويطهر الأرض، والنصر العسكرى وحده قد لا يفضى إلى إنجاز كامل الأهداف الوطنية. درس ثالث أنتجته حرب أكتوبر تمثل فى امتلاك القدرة على بناء جسور متينة بين الواقع والأمل، والقياس السليم لحجم القدرات وحجم الآمال والأحلام، وكيفية تحديد الأهداف بأسلوب علمى، يتسم بالموضوعية، بقراءة واعية للتفاعلات التى تشكل فى مجملها البيئة التى نتحرك فيها، حتى نحقق غاياتنا وأحلامنا، دون الغرق فى أحلام يقظة، أو الجنوح للإحباط بفعل كوابيس ناجمة على المسافة التى يصعب تجسيدها بين إمكاناتنا وآمالنا. درس رابع ترجمته رؤية واعية لتجارب قريبة الشبه مما يمر بنا، لكن دون اعتبارها وصفة سحرية جاهزة للتطبيق، لسبب بسيط: اختلاف الزمان والمكان، والعدو والأصدقاء، من ثم فإن تحديد الحلقة الرئيسية فى سلسلة الأحداث بديناميكيتها، شرط للنجاح والإنجاز وبالتالى امتلاك فهم صحيح لحركة التاريخ، ومن ثم المشاركة فى صنعه. الدروس والعبر أكبر وأعمق من أن تتضمنها دراسة أو مقال أو كتاب، إلا أن تناول أكتوبر من هذه الزاوية واجب كل صاحب قلم، وأختم تلك الكلمات بدرس يجب ألا يغيب عن وعى المصريين، فالنصر والنجاح والإنجاز أشياء لا تصنعها ضربة حظ، أو صدفة ولكن التخطيط والإرادة عنصران لا غنى عنهما لبلوغ الغاية، ويتوارى مفهوم المستحيل أمام خطة واضحة المعالم، وإصرار حقيقى، وعمل دءوب و... و... وكل عام ومصر آمنة مطمئنة بتلاحم كل أبنائها، ما داموا يمتلكون طاقة الحياة والأمل، وفى المحصلة الأخيرة فإن كل شيء يبدأ بالإنسان وتلك عبرة العبر.