قبل أن تدون فى الكتب، وقبل أن تتحول إلى أفلام ووثائقيات، عاشت هذه الذكريات فى صدور رجال هم أشبه بالجبال.. رجال حملوا على أكتافهم عبء تحرير الوطن، وحملوا فى قلوبهم يقين النصر...«الأخبار» فتحت معهم دفاتر الذاكرة، لنستمع لأصوات من عاصروا معارك الاستنزاف وأكتوبر، ليسردوا بشجاعة وبتواضع الأبطال، كيف تحول «المستحيل» إلى واقع ملموس. من معارك الاستنزاف التى هزموا فيها اليأس يومًا بعد يوم، إلى ساعة الصفر فى السادس من أكتوبر، حيث انتفضت الإرادة المصرية لتقول كلمتها للعالم.. من خلال هذه الحوارات، لن نقرأ عن البطولة من خارجها، بل سنعيشها من داخلها، بعيون من صنعوها وبقلوب من دفعوا ثمناً لها من دمائهم وعرقهم وشبابهم. اقرأ أيضًا | اللواء حسين مسعود وزير الطيران الأسبق: وادى سدر.. الكمين الذى غيَّر مسار المعركة بينما كان يتحدث، سبقت ملامح الفخر كلماته، وكأن الزمن أعاده إلى جبهة القتال، اللواء محيى نوح، أحد أبرز أبطال الصاعقة المصرية وقائد المجموعة 39 قتال بعد استشهاد البطل إبراهيم الرفاعي، استعاد أمامنا رحلة طويلة امتدت من جبال اليمن إلى سيناء، مرورًا بحرب الاستنزاف وصولًا إلى نصر أكتوبر العظيم، رحلة لم تكن عادية بل كانت أقرب إلى مهمة مستحيلة. قال اللواء محيى نوح: «ذكرياتى مع الحرب لا تُنسى، منذ أن تخرجت فى الكلية الحربية والتحقت بالصاعقة، كنت أحد مؤسسى الكتيبة 103 صاعقة عام 63 - 64، الكتيبة التى ما زالت موجودة وتقاتل حتى اليوم فى سيناء»، وأضاف: «شاركت فى معارك اليمن فوق الجبال والسهول، وهناك أُصبت وعدت إلى مصر قبل حرب 67». وتوقف قليلًا قبل أن يستعيد بمرارة تلك المرحلة قائلاً: «عام 1967 لم يحصل المقاتل المصرى على فرصته الحقيقية، لكن بعد 25 يومًا فقط خضنا معركة رأس العش التى شاركت فيها، وكانت البداية الحقيقية لإثبات قدرة الجندى المصرى على القتال، وقد كرمنى الرئيس عبدالفتاح السيسى على هذه العملية فيما بعد». وأشار اللواء نوح إلى أن حرب الاستنزاف شكلت مدرسة قتالية كاملة: «نفذت 92 عملية ما بين إغارة وكمائن خلف خطوط العدو، أسقطنا خلالها 430 قتيلًا وأسيرًا، ودمرنا 17 دبابة و77 مركبة إسرائيلية، لم تكن هذه مجرد أرقام بل كانت رسالة بأن الجندى الإسرائيلى ليس كما يزعمون، لا يُقهر، لقد دخلنا إلى عمق إسرائيل وضربنا مواقع فى بيسان وسيدون وإيلات». ويضيف: «فى السادس من أكتوبر كانت مهمتنا تدمير مواقع البترول فى جنوبسيناء، انطلقنا بالمروحيات وضربنا مواقع فى بلاعيم ثم مناطق أخرى، المهمة كانت مستحيلة فى ظروفها، لكنها تحققت بدقة وشجاعة». ويستعيد لحظة فقدان القائد إبراهيم الرفاعى قائلاً: «فى 19 أكتوبر كنا نقاتل فى الإسماعيلية، وأصيب إبراهيم الرفاعى إصابة مباشرة فى القلب فاستشهد والبلد كلها تردد الله أكبر، تلك اللحظة محفورة فى قلبى إلى الأبد»، وبعد استشهاد الرفاعي، تولى نوح قيادة المجموعة 39 قتال، قال: «أكملنا المشوار بروح لا تلين، وشاركنا فى معركة السويس يوم 24 أكتوبر، الذى أعتبره من الأيام الخالدة فى تاريخ المقاومة الشعبية والعسكرية». ويروى أصعب اختبار بعد الحرب قائلاً: «بعد النصر توليت ضمن جهاز الاتصال بالمنظمات الدولية مهمة استلام الأرض فى جنوبسيناء، أصعب ما واجهنى أن أمد يدى لعدو كنت أحاربه بالأمس، لكن مصلحة مصر كانت فوق أى اعتبار، ويختم اللواء محيى نوح حديثه قائلاً: «كرمت من أربعة رؤساء: عبدالناصر، السادات، مبارك، والسيسي، لكن التكريم الحقيقى أن الكتيبة 103 ما زالت تقاتل، من الشهيد أحمد منسى إلى كل الأبطال الذين يواصلون الدفاع عن سيناء، هذه هى روح أكتوبر التى علمتنا أن المستحيل يمكن أن يتحقق».