كان يخرج مسرحيات جميلة قمت فيها بأدوار مختلفة منها شخصية طبيب أثناء حرب الاستنزاف ومنها شخصية عثمان بن عفان قضيت سنوات الدراسة فى المرحلة الابتدائية أواخر السبعينات فى مذاكرة دروسى على لمبة الجاز نمرة 10، ولمن لا يعلم كانت هناك لمبة نمرة 5 للأسر الفقيرة التى لا تحتاج إضاءة ليلًا أو التى ليس لديها أولاد فى مراحل التعليم لأن التيار الكهربائى فى قرى غرب طهطا لم يصل قريتى الصفيحة إلا فى عام 1975، وكنا نعيش فى ظلام بعد غروب الشمس، كل فرد يلزم بيته، وفى فصل الشتاء كنا نبقى فى الشارع نشعل الحطب ونلتف حوله طلبًا للدفء ونتبادل الحكايات أو نستمع للإذاعة من خلال راديو أحدنا. وفى نجع مغيزل التابع لقرية الصفيحة كنت أذهب إلى المدرسة الابتدائية الوحيدة بجوار مجلس قروى الصفيحة مشيًا على الأقدام لمسافة كيلومترين مع زملائى الأطفال فى مثل سنى وكانت المدرسة تضم تلاميذ 7 نجوع أخرى تابعة لمجلس قروى الصفيحة. وبمناسبة المذاكرة على لمبة الجاز وقانون التعليم الجديد أقول كنا نتلقى التعليم الصحيح من مدرسين من أهل القرى أو مدينة طهطا بشكل صحى وصحيح، فأتذكر حصة الإملاء وهى كانت مقدسة، يأتى المعلم ليملى علينا درسًا أو أحد النصوص فى الكراسة ويتم التصحيح بعدها وأذكر أنى كنت أحصل على 9 درجات من 10 كل مرة وكذلك واجب الخط العربى عندما كنا نكتب الدرس 5 أو 10 مرات فى الكراسة ومثلها حصة الحساب ولعل الآن بعد دخول الكمبيوتر واللابتوب والموبايل لا نكتب ولا نحسب فى الكراسة ونسينا اللغة العربية والخط والتعليم أصلًا.. وكان التلاميذ يهابون المدرس وعندما نشاهده فى الشارع نبتعد عنه، لكن البعض منهم كان يشجعنا ويزور العائلة فى البيوت ولم يكن هناك ما يسمى بالدروس الخصوصية أو المجموعات ومن كان يطلب درسًا خصوصيًا نسميه «بليد» ونتنمر عليه لأن المدرس كان متاحًا لتوصيل المعلومة فى أى وقت حتى بعد انتهاء اليوم الدراسى. أعود إلى الكراسات التى كنا نشتريها مع بداية كل عام، وكان ثمن الواحدة قرشين تجد مكتوبًا على الغلاف الخلفى تعليمات ونصائح عن النظافة والإيمان وأهمية التعليم والتعاون وحب الوطن والأهل. التعليم الآن أصبح التعليم الآن يشمل أكثر من 5 أنواع من المدارس، منها العام والتجريبى واللغات والتجريبى المتميز والدولى بأنواعه الأمريكى والألمانى واليابانى وغيرها ومعظم الخريجين لا يعرفون لغتهم الصحيحة ولا يجيدون كتابتها والاعتماد على الكمبيوتر والنت يكاد يلغى العقل فى التفكير، حيث تضغط على زر الموبايل لتحسب حاصل جمع أو ضرب أى أرقام وتضع أى جملة أو قطعة لتحصل على ترجمة فورية باللغة التى تريدها وأصبحت السمة الأساسية هى الغش فى الامتحانات لبلوغ درجة النجاح أو تكون بين الأوائل حسب موقع اللجنة ومستوى الطلاب الاجتماعى فيها وغابت التربية والتعليم. وهناك قانون جديد أقره البرلمان مؤخرًا بتطوير منظومة التعليم وإعادة البكالوريا من جديد لكن ما يعيبه إلغاء المجانية تدريجيًا كما يحدث فى باقى المراحل التعليمية وأعيب على احتساب مادة الدين ضمن المواد الأساسية وشرط أن يكون المجموع بها لا يقل عن 70% لأن ذلك يتطلب توفير مدرسين متخصصين تحت إشراف الأزهر والأوقاف بالنسبة للطلاب المسلمين وليس مدرسى اللغة العربية لأن بعضًا منهم قد يدس أفكار تطرف تضر بالدولة نفسها كما يحتاج مدرسين للدين المسيحى متوافقًا عليهم من الطوائف الثلاث وليس مدرسًا من الشارع، أى تخصص كما يحدث حاليًا فى المدارس حتى لا يتم تلقين معلومات تتعارض مع عقائد الكنائس وأيضا فصول لتدريس مادة الدين المسيحى وليس فى الحوش كما يحدث فى بعض المدارس أو يتم البحث على أى ركن مهجور بما يكرس الطائفية، كان يجب دراسة مشروع القانون وعرضه على الحوار المجتمعى وليس تمريره خلال أسبوع واحد، الأيام القادمة ستكون على المحك وليس عيبًا أن يتم تعديل أى مادة بها أخطاء فى التنفيذ. تحفر فى الذاكرة وأذكر من أساتذتى فى المدرسة الابتدائية محمد مكى ومحمد عبد العليم ومحمد عبد اللطيف وعلام فراج ومحمد سيد إدريس والأستاذ عيد وهم جميعًا كانوا إخوة كبارًا لنا. وكان الأكثر تأثيرًا وتشكيلًا فى شخصيتى الأستاذ مكى مدرس اللغة العربية الذى كان يقوم بتدريسى مادة الدين المسيحى لعدم وجود مدرسين للمادة وكان رجلًا معتدلًا متسامحًا قارءًا للإنجيل يوصل المعلومة بدون عنصرية أو تحيز.. ودربنى على التمثيل حيث كان يخرج مسرحيات جميلة قمت فيها بأدوار مختلفة منها شخصية طبيب أثناء حرب الاستنزاف ومنها شخصية عثمان بن عفان. وكنا نقدم المسرحية على مسرح المجلس القروى بالصفيحة على ضوء الكلوبات حيث كان العمدة الراحل أحمد إسماعيل يمتلك كلوب وغيره من أعيان الصفيحة.. حصلت على الابتدائية بمجموع 280 درجة من 300 درجة وقتها وعندما حاولت الالتحاق بالمرحلة الإعدادية فى قرية نزلة القاضى التى تبعد 8 كيلومترات عن الصفيحة عبر دروب غير ممهدة والوسيلة الوحيدة للوصول إليها عن طريق الدواب لم يجد أبناء الصفيحة مكانًا فيها لأنها كانت تقبل جميع تلاميذ غرب طهطا إلى أن تنتهى مدرسة قرية بنى حرب الإعدادية وهى أبعد بالنسبة لى. لم يكن أمامى سوى تحويلى إلى المدرسة الإسلامية بمدينة طهطا والتى تبعد حوالى 20 كيلو عن الصفيحة، ولم تكن هناك مواصلات لها سوى تاكسى 7 راكب الوحيد فى القرية يأخذ حمولة 12 راكبًا. كنت طفلًا صغيرًا عمره 11 سنة يخرج من حضن أمه وعائلته ليذهب يعيش فى المدينة فى أوضة ضمن شقة مع ابن عمى وابن خالى طالبين فى مدرسة التجارة الثانوية، أى أكبر منى بثلاث وأربع سنوات. وكان علىّ أن أعتمد على نفسى فى الأكل والشرب والمذاكرة بمصروف 75 قرشًا فى الأسبوع كانت تكفى وتزيد. أقول إن التعليم زمان كان يتمتع بالمجانية الكاملة وفيه احترام وتربية قبل التعليم كان هناك هيبة للمعلم وكان هناك اهتمام باللغة والخط والإملاء والحساب، والأهم لم يكن ما يعرف بالدروس الخصوصية والمدرس متاح طوال الوقت والعيب الوحيد فى النظام القديم كان تدريس اللغة الانجليزية بعد الابتدائية. مبادرة الأسعار! مبادرة خفض الأسعار التى أطلقتها الحكومة مؤخرًا مع أنها نقطة فى بحر لكنها جيدة فى محاولة لدعم الأسر الأكثر احتياجًا والأسر متوسطة الدخل فى ظل الارتفاع الكبير الذى شهدته كافة السلع والخدمات فى السنوات الأخيرة ولم تفلح معها زيادة الأجور فى امتصاص موجة الغلاء، ومع ذلك أراها خطوة مهمة ومطلوب استمرارها خاصة فى ظل ثبات وتراجع سعر الدولار وهو الحجة الأساسية لدى التجار يرفعون أسعارهم عندما يزيد الدولار ولا يخفضونها عندما يتراجع وكأنه حق مكتسب لديهم دون مراعاة للطبقات الفقيرة!. وهنا أشير إلى المنظومة الطبية التى تشمل ارتفاع أسعار الأدوية بصورة كبيرة وكذلك ارتفاع تكلفة العلاج فى المستشفيات وفى مقدمتها المستشفيات الخاصة بصورة جنونية وعلى رأسها غرف الرعاية المركزة. أضف إلى ذلك ارتفاع فيزيتا الكشف عند كبار الأطباء وعدد كبير منهم قارب سعر الكشف إلى الألف جنيه ومنهم من تجاوز هذا المبلغ دون مراعاة للفقير أو المحتاج وزاد من الطين بلة تحديد فيزيتا أخرى عند الاستشارة مع أنها مهمة للطبيب قبل المريض وأحيانًا تجد المريض أنفق كل ما معه من أجل الكشف وصرف العلاج الزائد عن الحد خدمة لعيون الأطباء. وأقول هنا من يراقب شركات الأدوية التى ترفع أسعار الأدوية فى حين تصرف ملايين الجنيهات على رحلات خارجية وداخلية للأطباء مقابل تسويق منتجاتهم لدى المرضى حتى لو كانت إضافية وفوق طاقتهم فى صورة رشاوى مبالغ فيها!. هل تصل مبادرة خفض الأسعار إلى شركات الأدوية مراعاة لمحدودى الدخل؟ وهل تصل إلى ضمائر بعض الأطباء بتخفيض أسعار الكشف وتخصيص حالات مجانية للمريض الأكثر فقرًا؟ وهل تقوم المستشفيات بتخفيض أسعار الكشوفات والعمليات الجراحية والإقامة بها؟. وإذا لم تلتزم هذه الأطراف بذلك على الحكومة أن تفعل أسلوب الدفع الإليكترونى فى العيادات الخاصة والمستشفيات وشركات الأدوية وعدم تحصيل مبالغ نقدية لمراقبة الدخول وفرض الضرائب المستحقة عليهم وتخصيصها فى دعم المرضى الفقراء.. أتمنى أن يحدث ذلك. تأملات ومناجاة ليس كل ما هو موجود على «وش القفص» الأفضل دائمًا، ولكن قد يكون أسفل القاع ما هو أفضل منه.