أخيرًا يُسدل الستار على واحدة من أعقد روايات الجاسوسية فى التاريخ الحديث، لتتضح الحقيقة: «أشرف مروان» لم يكن خائنًا، بل كان فارسًا فى معركة الخداع الاستراتيجى المصرية التى مهدت لانتصار حرب أكتوبر المجيدة 1973، وجنديًا مجهولًا فى صفوف الوطن. الاعتراف الإسرائيلى المتأخر عقب مرور عشرات السنين من الجدل والتضليل، ليس مجرد تصحيح لمسار تاريخي، بل هو شهادة من الخصم على عبقرية رجل آمن بمصر، وخطط لانتصارها، وساهم فى صناعة لحظة فارقة من لحظات العزة الوطنية. لقد آن الأوان أن يكتب اسم أشرف مروان فى سجل الأبطال، لا فى صفحات الجدل، وأن يُروى للأجيال القادمة باعتباره رمزًا للذكاء والولاء والانتماء الحقيقى لوطن لا ينسى رجاله مهما طال الزمن. جاء الاعتراف ليضع النقاط فوق الحروف: أشرف مروان لم يكن «الملاك» الذى أنقذ إسرائيل، بل كان رأس الحربة فى خطة الخداع الاستراتيجى المصرية التى سبقت انتصار أكتوبر، كما وصفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» فى تحقيق موسع نشرته مؤخرًا.. لطالما روجت إسرائيل لرواية أن أشرف مروان كان عميلًا مزدوجًا يعمل لصالح الموساد، بل وصفته بأنه «أفضل جاسوس فى تاريخها»، لكن التحقيق الجديد الذى أعده الصحفى الإسرائيلى رونين بيرجمان كشف أن المعلومات التى نقلها «مروان» كانت جزءًا من خطة مصرية محكمة لتضليل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، مما أدى إلى مفاجأة العبور العظيم فى السادس من أكتوبر. أشرف مروان، صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسكرتير الرئيس أنور السادات لشئون المعلومات، لم يكن يومًا خائنًا لوطنه كما حاولت إسرائيل تصويره، بل كان من أكثر العقول التى ساهمت فى تنفيذ الخطة المصرية، حيث زود الموساد بمعلومات دقيقة فى ظاهرها، لكنها كانت تخدم أهداف القاهرة فى إخفاء توقيت الحرب الحقيقي. التحقيق الإسرائيلى أشار إلى أشرف مروان كان يتحكم فى كل خطوة من خطوات جهاز الموساد، وأن المعلومات التى قدمها ساهمت فى اتخاذ قرارات خاطئة داخل القيادة العسكرية الإسرائيلية، هذا الاعتراف يمثل تحولًا جذريًا فى النظرة الإسرائيلية لدور «مروان»، ويكذب الروايات السابقة التى حاولت تشويه صورته أمام الرأى العام العالمي. الاعتراف الإسرائيلى ليس مجرد تصحيح تاريخي، بل هو رد اعتبار لرجلٍ خدم وطنه بإخلاص، ودفع حياته ثمنًا لولائه، فقد ظل «مروان» حتى وفاته فى ظروف غامضة بلندن عام 2017، محاطًا بشبهات إسرائيلية، بينما كانت مصر تكرمه كبطل قومي. وأخيرًا، لم يكن أشرف مروان استثناءً، بل كان تجسيدًا لعبقرية مصرية عصية على الاختراق، فإسرائيل، رغم كل محاولاتها، لم تستطع يومًا أن تنفذ إلى قلب الدولة المصرية، لا فى زمن الحرب ولا فى زمن السلام. لقد ظلت مصر برجالها ومؤسساتها، حصنًا منيعًا أمام أجهزة استخبارات لطالما تباهت بقدراتها، لكنها فشلت أمام ذكاء مصرى خالص، يعرف كيف يحمى وطنه، ويخدع عدوه، ويصنع النصر فى صمت. و«مروان»، الذى حاولوا تشويهه خرج من بين ركام الأكاذيب ليُثبت أن الولاء لا يُشترى، وأن مصر لا تخترق، وأن من يعمل لأجلها يخلده التاريخ مهما حاول الآخرون طمس الحقيقة.