بين أنقاض غزة المحترقة وخطاب التهجير الإسرائيلى، تنتصر مصر للقضية الفلسطينية، وإنقاذها من أنياب اللصوص، بعد أن حوّل جيش الاحتلال القطاع إلى جحيم غير قابل للحياة، ترفع القاهرة مشروعاً لإعادة البناء فى معركة مصيرية يتحدى فيها العقل العربى والدولى مشاريع التطهير العرقى بخطة إنقاذ شاملة تكرس حق الفلسطينيين فى أرضهم وتاريخهم ومستقبلهم.. فى مواجهة المخطط الصهيونى المدعوم أمريكياً، لم تكتفِ مصر بخطاب الرفض، بل حوّلت معبر رفح إلى شريان حياة ينبض بالكرامة الإنسانية، وقدمت 70% من إجمالى المساعدات فى تحدٍّ واضح لحصار الموت، واليوم، تتحول هذه الإرادة إلى خطة دولية محكمة لإعادة الإعمار بقيمة 53 مليار دولار، تكرسها دبلوماسية مصرية لا تعرف الكلل فى كبرى عواصم العالم، مؤكدة أن دماء الغزيين لن تذهب سدى، وأن مستقبل المنطقة لن يُسرق بسهولة. اقرأ أيضًا | «أوتشا»: الهجوم الإسرائيلي على مدينة غزة يفاقم الأزمة الإنسانية جهود القاهرة |خطة التعافى المبكر.. السبيل الوحيد لمستقبل آمن للقطاع منذ طرح مصر خطة التعافى المبكر وإعادة الإعمار فى قطاع غزة ما بعد الحرب، التف المجتمع الدولى حول ما يرون أنه السبيل الوحيد لمستقبل القطاع بما يتفق مع القانون الدولى وحق الشعب الفلسطينى، بعيداً عن المخطط الإسرائيلى، المدعوم أمريكياً، لتهجير الشعب الفلسطينى. فى مارس الماضى طرحت مصر خطة «التعافى المبكر وإعادة إعمار غزة»، التى تبنتها غالبية الدول باعتبارها رؤية عملية وشاملة لإدارة القطاع ومعالجة الدمار الهائل الذى خلّفته حرب الإبادة الإسرائيلية، مع التشديد على بقاء الفلسطينيين فى أرضهم، بحيث تضمنت خطواتٍ تفصيلية تبدأ بإزالة الركام والأنقاض وبناء مساكن مؤقتة لإيواء السكان، وصولاً إلى إنشاء مشاريع تنموية وبنية تحتية تشمل ميناءً للصيد، بما يفتح الطريق أمام تنمية مُستدامة لقطاع عانى من حروب متكررة لسنوات طويلة. كما تنص على تشكيل لجنة غير فصائلية لإدارة القطاع، مع الحفاظ على دور السلطة الفلسطينية فى إدارة الأراضى المحتلة كافة، على أن تتولى مصر تدريب آلاف العناصر من الشرطة الفلسطينية لضمان الأمن. وقد وُلدت الخطة قوية منذ اللحظة الأولى، إذ أُقرت فى القمة العربية بالقاهرة فى مارس الماضى، ثم حظيت بدعم متسارع من الاتحادين الإفريقى والأوروبى، أعقبته تأييدات من منظمة التعاون الإسلامى ودول كبرى كروسيا والصين واليابان، فى رسالة واضحة برفض المجتمع الدولى لمشاريع التهجير التى روج لها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب. وفى الأشهر الأخيرة، قاد وزير الخارجية المصرى الدكتور بدر عبد العاطى حملة دبلوماسية نشطة لإبقاء الخطة حاضرة على أجندة المجتمع الدولى باعتبارها الحل الواقعى الوحيد لمستقبل غزة. وتستعد القاهرة، بالشراكة مع السلطة الفلسطينيةوالأممالمتحدة، لعقد مؤتمر دولى فور التوصل إلى وقف إطلاق النار، لحشد التمويل والدعم لتنفيذ الخطة، التى قُدرت تكلفتها بنحو 53 مليار دولار. كان آخر تلك الجهود اجتماع استضافه الوزير على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، بمشاركة وزراء وكبار المسئولين من فلسطين وألمانيا والاتحاد الأوروبى واليابان والنرويج والسعودية والإماراتوقطروالكويت وعُمان والبحرين وفرنسا والمملكة المتحدة والأردن وكندا وإسبانيا والدنمارك وسلوفينيا وتركيا، وذلك بهدف تنسيق المواقف والبناء على الزخم فى مؤتمر حل الدولتين، بالإضافة لتأكيد الالتزام بخطة التعافى المبكر وإعادة الإعمار فى غزة التى أقرتها الدول العربية والإسلامية، وبحث سبل التعاون لضمان نجاح المؤتمر الدولى الذى تعتزم مصر استضافته فى القاهرة حول التعافى المبكر وإعادة الإعمار فور التوصل إلى وقف لإطلاق النار. كما تعمل مصر على تحويل الخطة من مشروع وطنى إلى مبادرة دولية شاملة، حيث واصلت بعثاتها الدبلوماسية فى مختلف العواصم عرض تفاصيل الخطة وشرحها، بما يعزز من حالة الزخم الدولى ويدفع باتجاه جمع التمويل اللازم. وفى المقابل، يواصل بعض المسئولين فى الإدارة الأمريكية الحديث عن مشاريع بديلة مثل: «تحويل غزة إلى ريفييرا» مقرونة بتهجير سكانها، وهو ما دفع السفارة المصرية فى واشنطن إلى تكثيف اتصالاتها مع دوائر صنع القرار. وقد أرسلت بالفعل ملخصاً للخطة إلى جميع أعضاء الكونجرس، بجانب تواصلها مع مراكز البحوث والرأى لتشكيل رأى عام مضاد لأفكار التهجير. وخلال مختلف جولات التفاوض، أبدت القاهرة استعدادها لتعديل بعض جوانب الخطة بما يتماشى مع أى رؤى دولية مرتبطة، شريطة أن تحقق الهدف الأساسى المتمثل فى بقاء الفلسطينيين على أرضهم. كما تدرك مصر أن إعادة إعمار غزة مشروع ضخم يتطلب مساهمة العديد من الدول وجهوداً استثنائية. وبالتوازى مع جهودها الدبلوماسية، تنسق القاهرة مع كل من قطر والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث تؤكد أن إنهاء الحرب شرط أساسى للشروع فى أى خطوات عملية لإعادة الإعمار. فالاتفاق السياسى هو الضمانة الأساسية لتنفيذ مرحلة «التعافى المبكر» التى تستغرق نحو ستة أشهر، قبل الانتقال إلى المرحلتين التاليتين من إعادة الإعمار. غير أن التحدى الأكبر الذى يواجه هذه التحركات يبقى فى التصعيد الإسرائيلى المستمر وتوسيع العمليات العسكرية فى مدينة غزة. خط أحمر |من مجلس الأمن إلى الكونجرس الدبلوماسية المصرية تواجه التهجير رسمت مصر خطها الأحمر برفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم منذ اللحظات الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة، حيث تواصل القاهرة موقفها الثابت فى رفض أى محاولات لتهجير الفلسطينيين قسراً أو دفعهم إلى ما يُسمى بالتهجير الطوعى عبر جعل الحياة مستحيلة فى القطاع، ويعبر عن ذلك الموقف الخطاب المتكرر من الرئيس عبدالفتاح السيسى ووزير الخارجية د. بدر عبد العاطى. وتعتبر مصر التهجير «ظلماً تاريخياً» لن تشارك فيه، بحسب تعبير الرئيس السيسى، بجانب كونه انتهاكاً للقانون الدولى وافتئاتاً على حقوق الشعب الفلسطينى وتصفية لقضيته. كانت الدبلوماسية المصرية بالمرصاد لكافة التصريحات والتحركات من جانب دولة الاحتلال لاستغلال أحداث السابع من أكتوبر فى تنفيذ مخططاتٍ قديمة لتهجير الشعب الفلسطينى أو جعل القطاع غير قابل للحياة لدفع أهالى غزة لمغادرته. وبعد شهر على اندلاع الحرب، خرج وزير المالية الإسرائيلى بتسلئيل سموتريتش زاعماً أن حل الأزمة فى غزة تكون عبر التهجير الطوعى للشعب الفلسطينى، ليرد وزير الخارجية حينذاك سامح شكرى بالتأكيد على مخالفة التصريحات الإسرائيلية للقانون الدولى، وأن سياسة دفع الشعب الفلسطينى نحو الهجرة عبر التدمير المُمنهج لقطاع غزة هو أمر مرفوض مصرياً وعربياً. وفنّد شكرى ادعاءات إسرائيل أمام أكبر محفل دولى، مجلس الأمن فى ديسمبر 2023، مؤكداً أن سياسة التهجير القسرى والنقل الجماعى التى رفضها العالم ويعتبرها انتهاكاتٍ للقانون الدولى، ما زالت هدفاً لإسرائيل، ليس فقط من خلال التصريحات والدعوات التى صدرت عن مسئولين إسرائيليين، وإنما من خلال خلق واقع مرير على الأرض يستهدف طرد سكان غزةالفلسطينيين من أرضهم وتصفية قضيتهم من خلال عزل الشعب عن أرضه والاستحواذ عليها، كما أشار إلى عدم تحرك المجتمع الدولى للحيلولة دون تلك الممارسات. وبعد تولى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب السلطة وطرحه مقترحات تهجير أهالى غزة، جددت وزارة الخارجية تمسك مصر بثوابت سياستها الرافضة لتهجير الشعب الفلسطينى سواء فى الدول المجاورة أو فى أى مكان آخر، وقام وزير الخارجية د. بدر عبد العاطى بزيارتين إلى واشنطن التقى خلالها نظيره الأمريكى ماركو روبيو والعديد من أعضاء الكونجرس ومراكز الفكر لاطلاع مراكز صنع القرار فى واشنطن على محددات الموقف المصرى الرافض للتهجير باعتباره يمثل انتهاكًا لحقوق الشعب الفلسطينى ويقوّض آماله فى إقامة دولته المستقلة. ويحرص د. بدر عبد العاطى فى تواصله مع المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط ستيف ويتكوف على التحذير من الخطورة البالغة للمخططات الإسرائيلية الداعية للتهجير، مشددًا على أن هذه المخططات تشكل عنصرًا أساسيًا من عناصر عدم الاستقرار بالمنطقة وتقوّض بشكل مباشر الأمن الإقليمى، مؤكدًا أنه لا يمكن على الإطلاق قبول تهجير الفلسطينيين من أرضهم، منوهًا بأن التهجير يؤدى إلى المساس بالقضية الفلسطينية وتصفيتها، وأن مصر ترفض ذلك بشكل قاطع تحت أى ذريعة أو مسمى ولا يوجد أى مبرر له. وأمام ترويج إسرائيل لما يُسمى بالتهجير الطوعى، قال عبد العاطى: إن وصف دفع الفلسطينيين خارج أراضيهم بالطوعى هو هراء، مشدداً على رفض مصر كافة أشكال التهجير التى تقوم بها إسرائيل وأنه لا يمكن قبول ما يُسمى بالتهجير الطوعى فى ظل استمرار أعمال القتل اليومى وقطع المساعدات ومنع دخولها، مؤكداً أن هذا يجعل الحياة مستحيلة على أرض القطاع وأن إجبار الفلسطينيين على الخروج من أراضيهم هو انتهاك صارخ للقانون الدولى الإنسانى والقانون الدولى وهو أمر غير مقبول. كما شددت وزارة الخارجية فى بياناتها المتعاقبة على أهمية احترام حق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة إلى ديارهم، وفقًا لقرارات الأممالمتحدة، وأكدت أن هذا الحق غير قابل للتصرف، وأن أى حل للقضية الفلسطينية يجب أن يأخذ فى الاعتبار حقوق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة والتعويض. كما دعت مصر إلى تحرك دولى لضمان تنفيذ هذه القرارات، ورفضت أى محاولات لتهميش هذا الحق أو إلغائه. وركز خطاب الدبلوماسية المصرية على مدار عامين من الحرب على التمسك بثوابت ومحددات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، مشددة على أنها تظل القضية المحورية فى الشرق الأوسط، وأن التأخر فى تسوية القضية وإنهاء الاحتلال وعودة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطينى هو أساس عدم الاستقرار فى المنطقة. كما شدد وزير الخارجية وسفراء مصر فى العالم على رفض القاهرة لأى مساس بحقوق الشعب الفلسطينى غير القابلة للتصرف، سواءً من خلال الاستيطان أو ضم الأراضى أو التهجير القسرى. ودعت المجتمع الدولى إلى العمل على تنفيذ حل الدولتين، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية على كامل ترابها الوطنى، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية وخطوط الرابع من يونيو 1967. وفى ظل إصرار إسرائيل على تنفيذ سياسة الإبادة الجماعية وجعل الحياة مستحيلة داخل قطاع غزة، كان الموقف المصرى واضحاً خلال التواصل مع الشركاء الدوليين، بضرورة حماية المدنيين الفلسطينيين، وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بصورة منتظمة. كما عملت مصر على التنسيق الدبلوماسى مع الدول العربية والإسلامية للتحرك جماعياً فى الأممالمتحدة، مما أثمر عدة قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة دعت إلى الوقف الفورى لإطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية. فى إطار جهودها لمواجهة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التى قد تدفع إلى التهجير، قدمت مصر دعمًا سياسياً ومادياً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، التى توفر خدمات أساسية للاجئين الفلسطينيين فى مناطق عملها. وأكدت مصر على أهمية استمرار عمل الوكالة، التى تعد شريان حياة لملايين الفلسطينيين، ودعت المجتمع الدولى إلى زيادة دعمه المالى والسياسى للأونروا لتمكينها من مواصلة أداء دورها الإنسانى. «زاد العزة 42» |4711 شاحنة مساعدات إنسانية للقطاع دفع الهلال الأحمر المصري، صباح أمس، بالقافلة رقم 42 من قوافل «زاد العزة.. من مصر إلى غزة»، محمّلة ب3400 طن من المساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة. وتضمنت القافلة 2500 طن من المواد الغذائية والدقيق، وأكثر من 700 طن من المستلزمات الطبية والإغاثية والخيام، إلى جانب أكثر من 160 طنًا من السولار. وتأتى هذه القافلة فى إطار الجهود المصرية المتواصلة لتقديم الدعم الغذائى والإنسانى لأهالى قطاع غزة، والتخفيف من معاناتهم فى ظل الظروف الإنسانية الصعبة التى يعيشونها حيث بلغ إجمالى الشاحنات التى دخلت عبر معبر رفح منذ 27 يوليو الماضى وحتى أمس4711 شاحنة، حملت نحو 38 ألف طن من المساعدات الإنسانية والإغاثية، وبلغ إجمالى شاحنات الوقود التى تم إدخالها إلى قطاع غزة منذ ذات التاريخ 20 شاحنة حملت أكثر من 920 طنا من السولار اللازم لتشغيل المستشفيات والمرافق الحيوبة.. كما تم إدخال دورات مياه متنقلة لأول مرة إلى قطاع غزة. ويؤدى الهلال الأحمر المصري، بصفته الآلية الوطنية لتنسيق وتفويج المساعدات إلى قطاع غزة، دورًا محوريًا منذ بداية الأزمة، حيث يتواجد على الحدود بشكل دائم، ولم يُغلق معبر رفح من الجانب المصرى بشكل كامل فى أى وقت.. كما واصل الهلال الأحمر استعداداته فى جميع مراكزه اللوجستية، ونجح فى إدخال أكثر من نصف مليون طن من المساعدات الإنسانية والإغاثية، بجهود متواصلة شارك فيها أكثر من 35 ألف متطوع من الجمعية. واستقبل مطار العريش الدولى طائرتى مساعدات إنسانية من السعودية «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، ودولة الكويت، محملتين بأطنان من المواد الغذائية والطبية ضمن المساعدات العربية للأشقاء الفلسطينيين فى غزة، تمهيدا لنقلهم إلى معبر رفح البري. وتسلمت أطقم الهلال الأحمر المصرى بشمال سيناء، المساعدات الغذائية والطبية لنقلها عبر الشاحنات من مطار العريش الدولى إلى المخازن اللوجستية تمهيدا لإعادة فحصها وتكويدها لنقلها إلى معبر رفح البري.. وتضمنت المساعدات سلال غذائية تضم الأرز والزيت والسكر والمعلبات المختلفة وحليب الرضع وكميات من المستلزمات الطبية لمواجهة النقص الحاد فى المنظومة الصحية بمستشفيات القطاع . ودعمت وكالة الإمارات للمساعدات الدولية قطاع المياه فى قطاع غزة، بإدخال عدد من صهاريج المياه و5 سيارات إسعاف عن طريق معبر رفح البري، فى إطار استمرار الدعم الإنسانى المقدم للأشقاء الفلسطينيين. وقالت مصادر بالمعبر إن عملية إدخال الشاحنات وصهاريج المياه جرت بالتنسيق مع السلطات المصرية والجهات المعنية، وذلك لتلبية الاحتياجات العاجلة داخل القطاع خاصة النازحين لمناطق الجنوب.