يُعد سوق السيارات المصري من القطاعات الأكثر حساسية التى تتسبب فيها التحولات الاقتصادية، حيث ضربته على مدار السنوات الماضية عوامل عدة، من ندرة العملة الصعبة وتقلبات سعر الصرف إلى اختلالات فى توازن العرض والطلب، لكن مع بداية 2025، بدأ السوق يشهد مرحلة تصحيح سعرى تدريجي، وربما ركود بعض الشيء ، لكن الأمر يفتح الباب لتحليل يرتكز على أرقام حقيقية لتقييم الوضع الراهن واتجاهاته المستقبلية. ومن أبرز المعطيات التى تستحق تسليط الضوء عليها، السيارات المستعملة، وقد شهدت أسعارها انخفاضًا ملحوظًا بنسبة 10 - 15 % خلال أبريل 2025، وفقًا لتصريحات رئيس رابطة تجار السيارات ، فمثلاً ، هيونداى إلنترا (موديلات 2016-2019)، التى كانت تُسعّر بين 850 - 900 ألف جنيه، أصبحت معروضة الآن بسعر يتراوح بين 750 و790 ألف جنيه، أى بانخفاض يتراوح بين 11٫7 - 12٫2 % . أما اتجاهات السوق العام، ففى مطلع عام 2025، سُجل اتجاه نحو الركود فى سوق المستعمل خاصة للفئات الأعلى تكلفة (أكثر من مليون جنيه)، بينما شهدت السيارات تحت المليون جنيه رواجًا نسبيًا مع تحسن العرض واستقرار الدولار ، ومؤخرًا، بدأ النشاط يعود تدريجيًا، خاصة فى فئة السيارات الاقتصادية (مثل تويوتا، هيونداي، شيري) بفضل تحسن المعروض ودخول موديلات جديدة للسوق ، هذه البيانات يؤكد على التحولات فى السوق. وهناك عوامل محركة للهبوط، منها: تحسن السيولة الدولارية والذى أدّى إلى الإفراج عن شحنات السيارات المحتجزة، مما زاد المعروض وخفف الضغوط السعرية، وانحسار المضاربات بعد فترات الفقاعة السعرية، مع تراجع دور الوسطاء، وتراجع القوة الشرائية دفع المستهلك إلى التريث، منتظرًا مزيدًا من الهبوط، وكذلك الدعم الحكومى لبرامج التصنيع المحلى والمبادرات المتجهة نحو السيارات الكهربائية، رفع من الثقة فى بدائل أكثر اعتمادية. ومن المرجح استمرار التراجع التدريجى فى أسعار السيارات، مدعومًا باستمرار الإفراجات الجمركية فى ظل استقرار نسبى للدولار، مع زيادة فى المعروض من السيارات الجديدة والمستعملة، والتوسع فى التجميع المحلى الذى يقلل الاعتماد على الاستيراد، لكن التكاليف العالمية المرتفعة تمنع عودة الأسعار إلى مستويات ما قبل 2019. ويحتاج السوق الى أدوات لضبطه، كضرورة إقرار شفافية التسعير وإلزام الوكلاء بنشر الأسعار الرسمية، مع وتشديد الرقابة على ظاهرة «الأوفر برايس»، ودعم برامج إحلال السيارات القديمة وتشجيع الطرازات الاقتصادية والبديلة (غاز/كهرباء)، وتحفيز التصنيع المحلى عبر حوافز ضريبية وجمركية لجذب استثمارات جادة. الهبوط الحاصل في أسعار السيارات ليس مجرد تصحيح مرحلي، بل بداية لتحوّل هيكلى فى سوق طالما عانى من التشوهات. واستدامة هذا المسار تعتمد على قدرة الدولة فى فرض قواعد واضحة ويقظة، ووعى المستهلك بعدم الوقوع فى فخ المضاربات، وبالتالى يمكن أن نترقب سوقًا أكثر استقرار لخدمة المستهلك والاقتصاد معاً .