فى عام 2005، سرّب لى أحدهم خبر سرقة ثلاث قطع أثرية من المتحف المصرى. اتصلتُ بالدكتور زاهى حواس، أمين عام المجلس الأعلى للآثار وقتها، ولم يقُم بنفى الخبر لكنه طلب منى تأجيل النشر مؤقتا، صارحتُه بعدم قدرتى على الاستجابة لطلبه، وبعد نشر الخبر بيومين قدّم بلاغا للنائب العام، وكانت المفاجأة أن عامل نظافة قام بسرقة 4 قطع، خرج بها دون أن ينتبه له أحد! لم يتهمنى د. حواس بأننى عطّلت سير التحقيقات، ولا حتى بعبارة «الله يسامحك»، خاصة أن التسريب والنشر أسهما فى سرعة الكشف عن الجريمة. تذكرتُ تلك الواقعة، خلال متابعتى لمداخلة وزير السياحة والآثار مع برنامج تليفزيونى، تضمنت المداخلة العديد من النقاط المرتبطة بسرقة إسوارة الملك أمنمؤوبي، وكشفت عن خلل مزمن فى المتحف العريق، يتمثل فى عدم وجود كاميرات بمعمل الترميم، وتحوّل إجراءات التأمين إلى مجرد حبرٍ على ورق، لأن هناك من قرروا اعتماد «العشم» كإجراء بديل! القطعة المسروقة كانت تُمنى نفسها بالسفر إلى إيطاليا، دون أن تعلم أن هناك مصيرا مأساويا ينتظرها. ربما شعرتْ بالسعادة مع لمسات يدٍ تختلسها وتخفيها، ففى كل الأحوال ستنتقل إلى مكان آخر، وتظل لفترة محور اهتمام من سيقتنيها. أمنيات المعاملة الاستثنائية تحوّلت إلى شهادة وفاة، بعد أن وجدت النيران تصهرها، تمهيدا لعملية تناسخٍ تبعث روحها فى قلب إسورة حديثة، ربما ترتديها عروس شابة بعد حين، دون أن تدرك أنها دفعت ثمنا بخسا، فى ذهبٍ أثريٍ يساوى ملايين الجنيهات! رغم سرعة الكشف عن ملابسات الواقعة، إلا أن الوقائع المُعلنة لم توقف المتنمرين بكل ما هو رسمي، فواصلوا طرح السيناريوهات الخيالية، خاصة أن البساطة العجيبة التى جرت بها السرقة، تستفز المنطق ولا تليق بواحد من أقدم متاحف العالم. تاريخ المتحف مع السرقات منذ القرن الماضي، يمكن أن يحتل مجلدا ضخما، لكن الحادث الأخير يؤكد حاجتنا إلى ضبط إيقاع منظومات أتلفها «العشم»، والتعامل مع التسريبات الصحيحة بحُسن نية.. فالتسريب ليس شرا دائما!