فلسطين.. اندلاع اشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم بلاطة    بكام الفراخ البيضاء؟ أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الجمعة 24 مايو 2024    أستاذ اقتصاد: التعويم قضى على الطبقة المتوسطة واتمنى ان لا أراه مرة أخرى    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    الشرطة: نحو 50 محتجا يواصلون الاختباء بجامعة ألمانية    ألمانيا تعلن اعتقالها نتنياهو في هذه الحالة    عائشة بن أحمد تعلن اعتزالها التمثيل مؤقتا: شغل دلوقتي لأ.. عايزة استمتع بحياتي شوية    أوقاف الفيوم تنظم أمسية دينية فى حب رسول الله    شخص يحلف بالله كذبًا للنجاة من مصيبة.. فما حكم الشرع؟    انتهاء الموجة الحارة.. الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس اليوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    عائشة بن أحمد تكشف سر العزوبية: أنا ست جبانة بهرب من الحب.. خايفة اتوجع    هشام ماجد: «اللعبة 5» في مرحلة الكتابة.. وهذه قصة صداقتي مع شيكو    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    خالد جلال: جوميز ركز على الكونفدرالية فقط.. وهذه نصيحتي لفتوح    بوتين يصل إلى بيلاروس في زيارة رسمية تستغرق يومين    وفد قطرى والشيخ إبراهيم العرجانى يبحثون التعاون بين شركات اتحاد القبائل ومجموعة الشيخ جاسم    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 24 مايو 2024    الزمالك ضد فيوتشر.. أول قرار لجوزيه جوميز بعد المباراة    منتخب مصر يخسر من المغرب فى ربع نهائى بطولة أفريقيا للساق الواحدة    سيد معوض يكشف عن روشتة فوز الأهلي على الترجي    أحمد عيد: كولر ناجح في السيطرة على لاعبي الأهلي    متحدث الوزراء: المجلس الوطني للتعليم والابتكار سيضم رجال أعمال    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    «حبيبة» و«جنات» ناجيتان من حادث معدية أبو غالب: «2 سواقين زقوا الميكروباص في الميه»    تمنحهم رعاية شبه أسرية| حضن كبير للأيتام في «البيوت الصغيرة»    كسر محبس مياه فى منطقة كعابيش بفيصل وانقطاع الخدمة عن بعض المناطق    وفاة إيراني بعد سماعه نبأ تحطم مروحية رئيسي، والسر حب آل هاشم    تشييع جثمان شقيق مدحت صالح من مسجد الحصرى بعد صلاة الجمعة    أصداء «رسالة الغفران» في لوحات عصر النهضة| «النعيم والجحيم».. رؤية المبدع المسلم وصلت أوروبا    الهندية كانى كسروتى تدعم غزة فى مهرجان كان ب شق بطيخة على هيئة حقيبة    بايدن: لن نرسل قوات أمريكية إلى هايتى    السفير رياض منصور: الموقف المصري مشرف وشجاع.. ويقف مع فلسطين ظالمة ومظلومة    سورة الكهف مكتوبة كاملة بالتشكيل |يمكنك الكتابة والقراءة    يوم الجمعة، تعرف على أهمية وفضل الجمعة في حياة المسلمين    شعبة الأدوية: التسعيرة الجبرية في مصر تعوق التصدير.. المستورد يلتزم بسعر بلد المنشأ    الصحة العالمية تحذر من حيل شركات التبغ لاستهداف الشباب.. ما القصة؟    وفد قطري يزور اتحاد القبائل العربية لبحث التعاون المشترك    المعمل الجنائي يفحص آثار حريق داخل محطة تجارب بكلية الزراعة جامعة القاهرة    مقتل مدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية: "مش عايزها تاخد دروس"    سعر الدولار مقابل الجنيه بعد قرار البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة    بعد تثبيت الفائدة.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 24 مايو 2024    إخفاء وإتلاف أدلة، مفاجأة في تحقيقات تسمم العشرات بمطعم برجر شهير بالسعودية    استقالة عمرو أنور من تدريب طنطا    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    "قمة اليد والدوري المصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    خبطة في مقتل.. تفاصيل ضبط ترسانة من الأسلحة والمخدرات بمطروح    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    انعقاد الجلسة الخامسة لمجلس جامعة الدلتا التكنولوجية    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال    رئيس الوزراء يناقش سبل دعم وتطوير خدمات الصحفيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار أشرف العشماوى فى شهادة تاريخية: براءة الإخوان من تدمير الآثار!
نشر في الأهرام العربي يوم 04 - 11 - 2013


حوار – دينا توفيق
بادرنى قبل أن أسأله ونبدأ حوارنا: عندما تتجولين بالجناح المصرى بمتحف المتروبوليتان بنيويورك أو تدخلين متحف اللوفر بباريس سوف تتملكك الدهشة من كم الآثار المصرية المعروضة، والتى يفوق عددها بالمتحف البريطانى بلندن ما هو موجود لدينا ببعض متاحفنا .. فإذا ما اتجهت جنوباً إلى تورينو بإيطاليا فسوف تتأملين فى دهشة مماثلة أجنحة المتحف المصرى هناك بطوابقه الثلاثة، أو إذا ما قررت أن تتجهى غرباً إلى برشلونة فسوف تشاهدى نموذجاً مصغراً للمتحف المصرى مرة أخرى وكأنه إصرار على استفزازك من خلال تذكيرك باسم أشهر وأكبر متاحفك . وإذا ما قررت أن تقومى بجولة ببعض دول أوروبا دون تحديد فستجدى آثاراً متناثرة بمتحف صغير بالقرب من المدينة القديمة فى جنيف وأخرى مماثلة بالعاصمة السويدية ستكهولم ومتحفا كاملا بفيينا عاصمة النمسا ومعبداً بمدريد العاصمة الإسبانية الشهيرة أنقذته اليونسكو من الغرق فحملوه إلى بلادهم ..! وقد تسنح لك الفرصة لأن تتجول بشوارع روما وتطوف بميادينها فتشعر بالألم يغزو رقبتك بعد فترة وجيزة من جراء إدارة رأسك أعلى ويميناً ويساراً لتأمل المسلات الفرعونية التى تكاد تزيد عن مثيلاتها فى موطنها الأصلى مصر فعددها يربو على ست وثلاثين مسلة.
مع كل ذلك أو بعده مباشرة لابد وأن يدور فى رأسك سؤال مُلح: كيف خرجت كل هذه الآثار من مصر حتى أستقرت هنا وهناك؟! وعندما تقف على الإجابة .. ستقفز إلى رأسك عشرات الأسئلة بكل أدوات الاستفهام أشهرها لماذا؟ لن تجد إجابة منطقية أو إن شئت الدقة لن تجد ما يشفى غليلكِ بمقاييس الوقت الحالى على الأقل .. إنها السياسة التى تتغير من عصر إلى عصر وتتحكم فى مجريات كل عصر وما كان يستخدم من أساليب ويُقنن كتشريعات عمل بها فى عصور مضت كانت سبباً رئيسياً فى خروج أغلب ما شاهدته بالخارج من مصر حتى استقراره هناك ..
وفى حزن صارحنى: نحن يا سيدتى نعيش فى زمن ردىء بكل المقاييس ولن يتحرك أحد حتى بعد قراءة هذه السطور وعلى أكثر تقدير سيطمئن كل مسئول أن وزارته لا علاقة لها بهذا التقصير وينام بعدها غير عابئ بتاريخه وحضارته اللذين يدمران يوما من بعد يوم.
وإليكم تفاصيل الحوار مع المستشار أشرف العشماوى، القاضى بمحكمة إستئناف القاهرة، والذى يكشف لنا فى شهادته عن أسرار وتفاصيل فى التوقيت الذى تم انتدابه فيه كمستشار لهيئة الآثار.
أنت شاهد عيان على ماحدث بالمتحف المصرى فى أول أيام الثورة .. أريد شهادتك؟
أنا كنت مع الدكتور حواس صباح يوم 29 وهو اعتمد على العين المجردة بأن هناك عبثا بمحتويات المتحف ولم يقطع بأنها سرقة، فقد كانت هناك قطع كثيرة مبعثرة على الأرض بعد أن سقط أحد اللصوص على فاترينة عرض زجاجية فهشمها، وشكل زاهى ثلاث لجان جرد من آثاريين يثق برأيهم وعاد لمكتبه بعدها صحيح أنه نفى السرقة ولكنه قال لى إنه فعل ذلك ليطمئن الناس خصوصا فى الخارج، فهو اعتقد أن صورة مصر وأمنها سوف يهتزان كثيرا إذا ما أعلن أن المتحف المصرى سرق مع أنه غير مسئول عن السرقة وكلها بسبب إهمال مرؤوسيه وعدم تنفيذهم أمرا إداريا أصدره بإزالة سلم حديدى على الواجهة ناحية ميدان عبدالمنعم رياض، وهو الذى تسلقه اللصوص مساء يوم 28 يناير وحطموا القبة الزجاجية أعلى المتحف وقفزوا منها إلى الداخل، ومع فصل الكهرباء عن منطقة المتحف لم تعمل أجهزة الإنذار وحتى لو عملت فلم تكن هناك شرطة على الإطلاق..وصباح اليوم التالى أبلغ حواس النائب العام بالسرقة عندما علم بفقد القطع تباعا، وكان يعلن فى بيان صحفى عن نتائج الجرد أولا بأول، فظن البعض أنه يخفى حقيقة عدد المسروقات، ولكن كما قلت الفترة كانت عصيبة قبل تنحى مبارك بأيام قليلة ولم يكن سهلا على الجميع قراءة المشهد بوضوح.. هذه كانت وجهة نظره ورؤيته، وكما قلت لك من البداية الأمر مرده تعامل كل منهما مع المشهد السياسى ورؤية كل منهما التى رآها بصورة وتعامل على أساسها، لكن بالتأكيد زاهى حواس كان حسن النية لا شك عندى فى ذلك على الإطلاق.
بعد كل ما قلته .. الآثار التى تم إهداؤها أو تسفيرها للعرض كيف نضمن عودتها ؟
كانت هناك بصمة لكل أثر فى فترة تولى د.زاهى حواس أمانة المجلس الأعلى للآثار حتى لا يتم تقليده، وكان هناك أثريون مرافقون للقطع طوال العرض والتغليف والفض، بالإضافة إلى ممثلى لشرطة السياحة والآثار، وأيضا كان التعامل مع هيئات دولية محترمة ذات سمعة عالمية جيدة، وكانت الاتفاقات المبرمة بيننا وبين هذه الهيئات الدولة والشركات العالمية التى تتولى تنظيم المعارض تضمن حقوقنا بالكامل منذ تغليف الأثر بالمتحف المصرى حتى عودته، ولم يحدث أن تم فقد أثر أو تلفه أو استبداله، وهذا أمر لم يحدث منذ عام 2003 وحتى نهاية عام 2011، ولم تخرج قطع أثرية متفردة – أى لا يوجد لها مثيل – وإنما خرجت قطع عادية وبعض القطع المتميزة، ولكن لها مثيل فى مصر مثل العجلة الحربية لتوت عنخ آمون فهناك أربع قطع مماثلة فى مصر، والقانون كان ينظم ذلك ولم يحدث أى خرق لاتفاقيات المعارض وأدرت دخلا بملايين الدولارات استفاد منها الآثاريون وصُرف بعضها على ترميم الآثار باعتبار أن هيئة الآثار من الهيئات التى تمول نفسها ذاتيا ولا تحصل على إعانة من الدولة.. أما حاليا فأنا قد تركت العمل بالوزارة ولا أعرف ما إذا كانت هناك معارض دولية أم لا، وإن كنت قد قرأت أخيرا أن وزارة الآثار أوقفت المعارض، وأرجو ألا يكون خبرا صحيحا لأن الوقت الحالى مع ضعف عدد السياح نحتاج لدخل المعارض الخارجية أكثر من أى وقت مضى .
وماذا عن فكرة تأجير الآثار؟!
هذا الأمر أثير منذ عام ونصف العام تقريبا عندما طرحت إحدى الدول العربية عرضا لوزارة المالية بتأجير الآثار مقابل أربعين مليار جنيه سنويا، فأحالت المالية العرض لوزارة الآثار ورفضه المستشار القانونى للهيئة بالطبع، لأنه مخالف للقانون المصرى وغير مقبول شعبيا، فلا أظن أن مصريا واحدا سيقبل بتأجير آثاره ومتاحفه لدولة أجنبية ومن يرض بتأجير الآثار اليوم سيوافق على بيعها غدا. وبصفة عامة فالقانون المصرى يسمح فقط بتأجير الخدمات الملحقة بالمناطق الأثرية والمتاحف كالبازارات والمكتبات والمطاعم الصغيرة والكافتيريات، وفيما عدا ذلك غير مسموح بتأجير الأثر نفسه بالطبع أو استغلاله فى غير الغرض المخصص له إلا بمعرفة الدولة ممثلة فى وزارة الآثار حاليا، وهى ما تقوم به فى عرضها بمعارض دولية تدر دخلا للحكومة المصرية ينفق معظمه على الترميم.
أريد معرفة تفاصيل، طبقا لموقعك السابق حول المسئولين فى الآثار الذين ارتكبوا أخطاء (جرائم ومن تمت معاقبتهم بالأسماء ) أم أنه رغم كل تلك الأخطاء لم يتم تحديد مسئولين ولم يتم عقاب أحد؟
لا تحضرنى الذاكرة للأسف الشديد الآن، ولكن هناك مسئولين كثيرين عوقبوا قبل الثورة فى هيئة الآثار، وهناك أخطاء كارثية ربما لا ترقى لمرتبة العمد، ولكنها تسببت فى الإطاحة بآخرين من مناصبهم وقتها، ولكن هيئة الآثار قبل الثورة حالها كان مثل كل مؤسسات الدولة .. المسئولون من الصف الثانى وما يليه فقط هم الذين كانوا يعاقبون !
قلت لى إن لديك مفاجأة بأن هناك آثارا سافرت ولا نستطيع استعادتها، فما الآثار التى سافرت ولم تعد أو عادت مستنسخات منها؟ فما الاتفاقات التى فعلت ذلك، وكيف حدث ذلك، وما تلك الآثار بالتحديد؟ وما الوضع القانونى الآن؟
نعم هناك آلاف القطع التى ذهبت للخارج بلا عودة ولن نستطيع إعادتها والأمر ليس متعلقا فقط بالاتفاقات، فمن قبلها هناك الإهداءات الرسمية من الحكومات المصرية منذ عهد محمد على باشا، ورغم أنه أحب مصر أكثر من بعض أهلها فإنه أسهم بدوره فى نزيف الآثار المصرية بإهداء عشرات المسلات لملوك أوروبا التى استقرت فى فيينا وروما وباريس حتى يومنا هذا، ومن بعده سار أحفاده على دربه .
وعلى هامش القوانين والاتفاقيات الدولية أعتقد أننا قد خدعنا وظلمنا مرتين، الأولى عندما أخرج عالم الآثار الألمانى لودفيج بروخارت تمثال نفرتيتى بالتدليس والخداع والغش، ولقد أثبت ذلك بتقرير قانونى وآخر فنى أعدته أثرية أمريكية تدعى جانيس كاميرون، كانت تعمل مساعدة للدكتور زاهى حواس، والمرة الثانية عندما خرج حجر رشيد من مصر، واستقر فى إنجلترا رغم أحقيتنا فى عودته، حيث إنه ثمار اتفاقية دولتين احتلتا مصر ولم نكن نحن طرفا فى هذه الاتفاقية، ووفقا للقانون الدولى وأحكام اتفاقية اليونسكو 1970 فهى لا تلزمنا فى أى شىء، ولقد ذكرت كل ذلك بالوثائق والتفاصيل فى كتاب بعنوان «سرقات مشروعة» صدر العام الماضى عن الدار المصرية اللبنانية.
كان مجلس الشورى (الإخوانى) يريد تعديل قانون الآثار، وكانت هناك مقترحات لتداول الآثار وبيعها بين المواطنين؟( وقد فكر أحمد عز فى تلك الفكرة؟ فهل يكون هناك يوم استنساخ للنظام الأسبق؟) كيف نضمن ألا يتم ذلك؟
نعم هذا صحيح كانت هناك نية لدى بعض أعضاء مجلس الشورى المنحل لتعديل قانون الآثار وبدأوا بالفعل فى مناقشة بعض المواد فى إحدى اللجان النوعية، وكان هناك مقترح مشابه لفكرة المهندس أحمد عز بتداول الآثار، وبالطبع كانت كارثة، ولكنها لم تحظ بصخب إعلامى، لأن الشارع كله كان مهموما بأمور أخرى مهمة تتعلق بمستقبل الوطن وماتت الفكرة فى مهدها، وأظن أن كثيرا من الآثاريين تصدوا لهذا المشروع الذى يعد استنساخا رديئا للنظام السابق، وهو أمر أقرب إلى الصناعة الصينية الرديئة إن شئت الدقة .. ولا أحسب أن ما حدث سوف يتكرر مرة أخرى .
وما الضامن؟
الدستور هو الضمان الوحيد الآن لعدم العبث بقوانين الآثار وموادها الأساسية التى تمنع البيع والتصدير أو السماح لبعثات التنقيب بتملك الآثار، هذا أمر لابد منه فى الوقت الحالى، ومعلوماتى من بعض الآثاريين بالوزارة أنهم تقدموا للجنة الخمسين بمقترحات بهذا المعنى، وأحسب أن اللجنة ستأخذ بها .
كيف نضمن فى الوقت الراهن وجود تهديدات إخوانية ألا يتم تدمير آثارنا ؟ وكيف رأيت علاقة الحكم الدينى بالآثار؟ أو وجود مسئولين فى أى زمن أو حكم يرون الآثار أصناما؟
لا توجد ضمانات لمنع التدمير لأن هذا فعل إجرامى بربرى.. هناك متطرفون من الجهاديين يرونها أصناما حتى يومنا هذا فى القرن 21 للأسف، وكأننا نتعبد فيها مثلا، أنا ضد الحلول الأمنية أو تشديد القوانين أكثر، فهذا لن يردع فى بلد مثل مصر تنتج قوانين كل يوم مثلها مثل المواليد ولا نطبقها .. نحن نتشدق بالقوانين وتغليظ العقوبات ونكتفى بهذا القدر، أنا أرى ضرورة العمل على التوعية الحضارية والثقافية، كيف نغرس فى نفوس أطفالنا أن يقرأ عن الهرم قبل أن يزوره؟ كيف تم بناؤه؟ وما قيمته لنا وللعالم؟ وإن لم يفعل سيظل الطفل الذاهب لرؤية الهرم لأول مرة لا يفكر إلا فى مباراة الكرة التى سيلعبها مع زملائه هناك، وسيعود ولا شىء فى ذاكرته سوى الجمل الذى ركبه وقضى على مصروفه اليومى كله من جشع أصحاب الدواب هناك.
أما عن علاقة التيار الدينى بالآثار فهناك فرق، الإخوان لم تكن لديهم أى نية لتدمير الآثار أو المساس بها، بل كانوا حريصين عليها لأنها تدر دخلا للدولة، أما محاولات بعض شيوخ السلفية لتغطية التماثيل أو وصفها بأنها أوثان متبوعة بعبارة والعياذ بالله، فهذا فى تقديرى خطاب سياسى لمناصريهم وأتباعهم لكسب أصواتهم لضمان مقاعد فى البرلمان، الأمر لا يخرج عن كونه دغدغة لمشاعر المؤيدين ولا يقلقنى حديثهم على الإطلاق.
زاهى حواس ما له وما عليه ؟
أنا انتدبت للآثار وقت تولى الدكتور زاهى حواس أمانة المجلس الأعلى للآثار، وهذا الرجل أفاد مصر كثيرا فى الترويج والجذب السياحى للسائحين والآثار المصرية، واستطاع تسويق عشرات المعارض الدولية لعرض الآثار فى الخارج بصورة مشرفة وتنظيم محترم.
ما الفارق بين إدارته وبين إدارة فاروق حسنى وأنت عملت فى عهد الاثنين ؟
فى تقديرى أن الفارق بين فاروق حسنى وزاهى حواس أن الأول سياسى من طراز رفيع، والثانى تلقائى لا يحب السياسة ولا يجيدها فتخذله صراحته وتلقائيته بل واندفاعه فى أحيان كثيرة، وأنا عملت مع الاثنين، ولكن لم أكن قريبا منهما وقت العمل لدرجة أن أقيم عملهما، فقد كنت مشغولا بعملى أيضا وبصفة عامة أنا لست عالم آثار لكى أقيم الدكتور زاهى فى مجاله، ولست خبيرا محنكا بدولاب العمل الإدارى فى دواوين الوزارت كى أقول إنه نجح إداريا أم لا، ولكن فى حدود عملى معه فى ملف استرداد الآثار من الخارج وهو الملف الأكبر الذى اختصصت به واقتربت فيه من زاهى حواس، أقول إن دوره كان عظيما فى الجذب السياحى والترويج للآثار، وجهوده فى استعادتها أيا كانت تحفظات البعض عليه، حيث كان يرفض بذل جهود فى الآثار غير ذات القيمة المتحفية حتى لا تتكدس فى مخازننا، وإنما يركز على القطع المهمة، فأنا أرى أنه كان ناجحا بمقاييس كثيرة وله أياد بيضاء لا يمكن أن ينكرها غالبية العاملين بهية الآثار ومعظم الإعلاميين ورجال السياحة الذين تعاملوا معه ..بالطبع لا أحد يخلو من العيوب، ولكن مثلما يقول خبراء البيئة هى أخطاء فى حدود المسموح به! أى مما يمكن التجاوز عنها وتقويمها، وربما من كثرة انتشاره إعلاميا أو إفراطه فى ذلك هوجم بشدة ،ولأن لكل فعل رد فعل مضادا له فى الاتجاه فمن الطبيعى أن يكون هدفا لكثيرين ممن رأوا أن أخطاءه فادحة أو تصوروها كذلك وفقا لتقديرهم أو لأنهم أضيروا منه لسبب أو لآخر.. ربما .. فهذا أمر لا علاقة لى به ولا أعلم تفاصيله، وبصفة عامة هو عانى كثيرا لإثبات براءته من تهم كثيرة كيدية ونجح فى ذلك، وأظن أن النيابة العامة قد حفظت كل الاتهامات الموجهة إليه بعد الثورة لعدم صحتها، وهو أمر يحسب له دون شك.. وعلى المستوى الشخصى فأنا أعلم أن منصبه كوزير للآثار أضره كثيرا ولم يفده بأى شىء وشهرته فى مجاله كانت أكبر من منصبه دائما ..ولا يزال.
أريد معرفة ما يخص الاتهامات التى وجهها الأثرى نور عبد الصمد لزاهى حواس ؟
فى حدود علمى لم تثبت صحة أيا منها وإلا لحوكم زاهى حواس عنها، ولكن هذا الموضوع فى تقديرى أخذ أكبر من حجمه، ومع الوقت تحول إلى خلاف شخصى على صفحات الجرائد أكثر من أى شئ آخر، وبالتالى لا يصح لمن هو فى مثل منصبى سواء عندما كنت منتدبا بهيئة الآثار أم الآن أن يتحدث عنه ولكى تقفى على الحقيقة فى هذا الموضوع لابد وأن تعودى لجذوره، لملفات قديمة بهيئة الآثار وهى ليست سرا لمعرفة بداية هذا الموضوع من سنوات مضت، ثم تستمعى إلى طرفيه د. زاهى ومفتش الآثار نور عبد الصمد، فكل منهما لديه ما يقوله بالتأكيد .. وأنا شخصيا حتى على المستوى المهنى لم أكن طرفا فى هذا الموضوع وإنما كان يتولاه مستشار قانونى آخر منتدب بالوزارة من مجلس الدولة ولا يزال .
يقال إن السيدة سوزان مبارك كانت وراء عبث ما بالآثار ؟
أنا لم ألتق بها على الإطلاق، ولكن النيابة العامة حققت فى بلاغات عديدة ضد السيدة سوزان مبارك فى موضوعات الآثار، وثبت عدم صحة هذه البلاغات وأن جميعها وهمية، وربما أشهرها بلاغ من أحد أساتذة الجامعة بالإسكندرية بأنها استولت على قطعة من متحف مجوهرات الإسكندرية وقت افتتاحه تخص الأميرة سميحة توفيق، لأنها تحمل حرف S وبالطبع تبين بالجرد أن القطعة موجودة وأنها الأصلية ولم تستبدل ولم تحدث تلك الواقعة من الأساس، ومقدم البلاغ نفسه نشر اعتذارا .. المشكلة أننا بعد الثورة حدث نوع من الانفلات فى كل شىء ومن بينه الإعلام الذى كان ينشر معلومات على لسان عامل مراحيض مسبوقة بعبارة "وصرح مصدر مسئول وثيق الصلة بالتحقيقات "! لكى يضفى مصداقية على ما ينشره من عبث فاختلط الحابل بالنابل .. كان هناك فساد نعم .. ولكن ليس معنى ذلك أن أحمل كل شخص جميع الجرائم لمجرد أننى اتهمته فى أمر وتبين صحته، ولكن للأسف هذا ما كان يحدث وربما لا يزال حتى الآن.
يوم 29 يناير أعلن زاهى حواس أنه تمت سرقة فى المتحف المصرى ثم عاد يوم 4 فبراير وقال 8 قطع ... والحقيقة أن ما تمت سرقته 56 قطعة! لماذا نفى ولماذا عاد واعترف ولماذا لم يقل الحقيقة من البداية؟ هل تعتقد أنه لعبها سياسة؟
دعينى أعود إلى إجاباتى السابقة بأن الأمر يتعلق بفن السياسة على سبيل المثال فارق حسنى كان صباح يوم 29 يناير لايزال وزيرا للثقافة ومسئولا عن الآثار، ولكنه قرأ المشهد مبكرا جدا، فعندما كان الصحفيون يسألونه عن سرقة المتحف المصرى لم يجب، مقررا أنه شكل لجنة برئاسة زاهى حواس لعرض تقريرها عليه، وانتهى عمر الوزارة مساء نفس اليوم عندما أقالها الرئيس الأسبق مبارك، بينما الأمر كان بالنسبة لزاهى حواس وزير الآثار الجديد فى حكومة شفيق بعدها بيومين مجرد بداية ..هناك فرق بالتأكيد لرؤية كل منهما للمشهد وتعامله مع معطياته.
ما علاقة الثورات بسرقات الآثار ؟
فى يوليو من عام 1952 تحرك الجيش وقام بانقلاب عسكرى أطاح بالملك فاروق الأول، وسرق بعدها موظفو الدولة المدنيون الآثار والمقتنيات الخاصة بأسرة محمد على أثناء جردها بقرار من محكمة الثورة على مدار سنوات طويلة بدأت عام 1953 حتى اكتملت السرقة فى هدوء تام عام 1979!
وفى 25 يناير 2011 ثار الشعب وخرج فى جموع حاشدة إلى ميدان التحرير أطاحت بالرئيس حسنى مبارك فى ثورة بيضاء سلمية، وبعدها بساعات قليلة أيضا سرق البلطجية واللصوص آثار مصر من متاحفها ومخازنها ولكن تلك المرة بطريقة السطو المسلح ليلا بطريق الكسر من الخارج!
ردود أفعال متباينة لتصرف السارقين تجاه الآثار عقب كل ثورة من الثورتين.. الأولى لم يتبعها انفلات أمنى، بل بالعكس كان هناك حزم وردع تحولا بعد وقت قليل إلى قمع.. فلم يكن هناك بالتالى ما يقلق راحة السارقين أو يشغل بالهم وبالتالى ظلوا يجردون ويسرقون فى مجوهرات ومقتنيات عائلة محمد على على مدار سنوات طويلة، أما بعد يناير 2011 فكان الانفلات الأمنى قد وصل للذروة، وبالتالى حدثت سرقات عديدة بدات بالمتحف المصرى مرورا بالعديد من المناطق الأثرية بعدها، وربما آخرها منذ فترة بسيطة فى المنيا، وأظن أن ما تعرضت له الآثار المصرية من سرقة ونهب وتخريب فى العامين الماضيين يفوق بكثير ما حدث لها على مدار ألف عام.
وأخيراً يا سيادة المستشار .. دعنا نتذكر جرائم تم فيها الاعتداء على الآثار من أنشاص إلى المجمع العلمى؟
ربما لن تسمح المساحة أو الوقت لكى أحكى لك، وإن كنت قد خصصت بابا كاملا فى كتاب «سرقات مشروعة» عن هذا الموضوع بالمستندات والصور، ولكن على مر التاريخ تقرئين عجبا عن سرقات الآثار .. وفى المائة عام الأخيرة قد تبدو ظاهرة السرقة وكأنها قد اشتدت مرة أخرى، وإن كان ذلك ربما يعود لتوافر الوثائق على وقوعها لا أكثر ولا أقل وإنما الأمر المؤكد أن السرقة لاتزال مستمرة، فقد اختلفت الطرق ولكن الغاية واحدة.
وطوال فترة الأربعينيات والخمسينيات كانت حوادث سرقة الآثار تتركز فى المتحف المصرى بالتحرير، فأضفت عليه شهرة أكثر مما هو فيه بما يحويه من كنوز رائعة ولاتقدر بثمن .
أما موضوع «أنشاص» فهو استمرار لسياسة الإهمال الحكومى المدمر، فقصر فاروق بأنشاص عُقدت به اجتماعات ميثاق الجامعة العربية عام 1945 وتمت استضافة الملوك والروؤساء العرب فيه وبعد الثورة استولت عليه وزارة الزراعة وبعدها وزارة المالية ثم التربية والتعليم وكانت كل وزارة تتناوب اغتصابه، إن صح التعبير حتى صار أطلالا إلى أن انتهت به الحال مدرسة إعدادية، ثم نقلت المدرسة بعد أن كسبت وزارة من الوزارتين الأخيرتين دعوى قضائية طردت بموجبها التربية والتعليم من القصر، ومن قبلهما الضمير والذوق والحس الحضارى والفنى! حتى صار القصر الآن خرابة .. تتناثر فى فنائه جثث لحيوانات نافقة وتضرب المجارى جوانبه.. شىء لا يصدقه عقل وكارثة حضارية وبيئية بكل المقاييس، ولم يتحرك ساكن فى أى وزارة بمصر، ومن بينها وزارة الآثار واكتفى المسئولون عام 2002 بخطاب من جملة واحدة " المبنى لم يسجل أثرا ولا علاقة لنا به ".
كيف ننقذ آثارنا ونحكم قبضتنا عليها؟
أتمنى أن يأتى اليوم الذى تتحول فيه وزارة الآثار إلى هيئة قومية مثلها مثل قناة السويس تتبع رئاسة الجمهورية وتستقل بميزانيتها، أما كونها وزارة دولة فهذا لن يجدى ولن يفيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.