فى منتصف ليل مظلم، بينما يخيم السواد على سماء غزة، فى اللحظة نفسها، كانت قاعة مجلس الأمن فى نيويورك بالولايات المتحدة غارقة فى الهدوء الرسمى، قبل أن تُرفع يد واحدة عاليًا للمندوبة الأمريكية ببرود شديد، لتقول كلمة واحدة: «فيتو» لتُفشل مشروع قرار لوقف إطلاق النار فى غزة، أطفأت معه أملًا فى إنهاء المذابح، وأبقت على آلة الحرب مشرعة على القطاع وأهله. أربعة أحرف فقط كانت كفيلة بنسف آمال 2 مليون فلسطينى يعيشون تحت القصف والدمار والمجاعة والرعب، «فيتو» تلك الكلمة اللاتينية التى تعنى «أنا أمنع»، تسمح للدول الخمس دائمة العضوية «أمريكا، روسيا، الصين، فرنسا، وبريطانيا» بمنع صدور أى قرار فى المجلس يتعارض مع مصالحها أو توجهاتها، لتعكس أسمى معانى الديكتاتورية بعيدًا عن نغمة الديمقراطية التى تتشدق بها الدول الغربية. عند العودة بالزمن 30 عامًا، لم يختلف موقف مجلس الأمن تجاه غزة عن مذبحة «سربيرينيتشا» تلك البلدة الواقعة شمال شرق البوسنة، رغم أن الأممالمتحدة أعلنتها عام 1993 منطقة آمنة بقرار مجلس الأمن رقم 824 تحت الفصل السابع «وهو ما يعنى استخدام القوة لحمايتها من أى اعتداء» لكن ما جرى على الأرض كان عكس ذلك تمامًا. وفى يوليو 1995، تحولت المدينة التى وُعدت بالأمان إلى مسرح لمجزرة مروعة استمرت 11 يومًا، قُتل خلالها أكثر من 8 آلاف شخص أعزل، ودُفن كثير منهم فى مقابر جماعية، وحتى بعد الفاجعة، لم يتجاوز رد فعل الأممالمتحدة بمؤسساتها ودولها الكبرى كلمات العتاب والإدانة. ما بين إبادة غزة وسربيرينيتشا وقف مجلس الأمن عاجزًا عن حماية المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ، واتجهت دوله الخمس دائمة العضوية إلى استخدام حقها «غير المشروع» فى إفساد كل ما تراه يتعارض مع مصالحها حتى لو أجمعت باقى الدول على موقف مخالف، وهنا تأتى الأسئلة الأبرز، ما فائدة مجلس الأمن الذى أنشئ عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية بمهمة رئيسية متمثلة فى حفظ السلام والأمن الدوليين؟ هل بالفعل يقوم بواجبه ونحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة إذا لم تهدأ الاضطرابات الإقليمية والدولية؟ ألم يحن الوقت لتغيير قواعد التصويت المنصوص عليها بالمادة 27 فى الميثاق لإنهاء حكم الديكتاتور «فيتو» وتخليص المجلس من قيوده ليقوم بمهامه؟ نعيش الآن مرحلة بالغة الخطورة، تتداخل فيها التوترات السياسية مع الانفجارات الميدانية، بما يجعل الحاجة ملحة إلى دور حقيقى وفاعل للأمم المتحدة ومؤسساتها، وعلى رأسها مجلس الأمن.