كان فصل ثانية خامس يضم الطلبة (الفاقدة) من كبار السن الذين يرسبون كل عام، وهذا الفصل كان يقع في نهاية المدرسة بعيدا عن حجرة الناظر، وله سطح يطل على أحد شوارع جاردن سيتي، يقطن فيه (قهوجي) يقيم كشكا صغيرا يقدم فيه القهوة والشاي، والشيشة. اقرأ أيضا| نور الشريف.. وليلة لن ينساها في حجرة الفئران! بهذه الكلمات بدأ الفنان الراحل نور الشريف حديثه لمجلة آخر ساعة عام 1978. ويستكمل.. كان هؤلاء الطلبة وبحسب وصفه (فاقدة) وكما كان يطلق عليهم، اتفقوا مع صاحب المقهى أن يضع لهم سلما على حائط الفصل من ناحية الشارع، وكانوا يقفزون من الفصل على هذا السلم فيصبحون في الشارع، وفي المقهى يمضون اليوم الدراسي في شرب الشاي والشيشة، والاستهتار كان هو طابع طلبة هذه المدرسة التي تضم أولاد الذوات، والبلطجية ايضا، حيث كانوا يلقون بالأوراق المهملة وزجاجات المياة الغازية الفارغة في نافورة المدرسة. وجاء ناظر جديد للمدرسة يدعى الاستاذ محمود الخفيف، والذي كان مثلا أعلى لهم في السلوك الانساني، وقام بتكليف العاملين بالمدرسة بوضع صناديق قمامة في الفناء أملا في أن يلقي الطلبة بهذه المهملات فيها، لكن ظلت الصناديق فارغة، فبدأ الناظر المثالي ينزل بنفسه إلى فناء المدرسة ليجمع أمام أعينهم الورق المهمل من على الأرض ويضعه في صناديق المهملات. اقرأ أيضا| إسلام مبارك تكشف تحديات دورها في فيلم «ضي» وتروي تجربتها مع الأمومة ويستطرد نور الشريف قائلا: شعرنا بالخجل من أنفسنا، ثم بدأنا نجمع الورق من الأرض، ونلقي به داخل الصناديق. ويضيف.. إن هذا الناظر المثالي نمى فينا الاحساس بالنظافة، وتخلصنا من أحد عيوبنا، لكنه لم يستطع أن يزيل من داخلنا شقاوة الشباب. وذات يوم تأخر الاستاذ عن الدرس، وكانت فرصة للتنفس عن شقاوة وتمرد الطلبة.. حيث لمحنا (برصا) يزحف في سقف الفصل فاتخذناه تسليتنا.. نقذفه بالحقائب، والكراريس، والكتب إلى أعلى السقف فيتحرك (البرص) من مكانه فنصرخ ونصدر أصواتا كأصوات الهنود الحمر حين يلتفون حول وليمة اصطادوها. وماإن سمع الناظر هذه الأصوات بالرغم من بعد المسافة بين الفصل وحجرته، غير أنه كان مريضا بالقلب وممنوع من صعود السلالم، حيث كان الفصل في الطابق الثاني الا انه هرول مسرعا وفي يده عصا، وصعد الطابقين وأخذ يضربنا ثم قال لنا: لم يحضر منكم أحد غدا الا ومعه ولي أمره، وماإن عاد إلى حجرته تردد على سمعنا صفارات سيارة الإسعاف التي جاءت إلى المدرسة حيث أصيب الناظر بحالة إغماء، وبعدها تبين بأنه قد فارق الحياة. وبصوت يشوبه حزن وأسى ينهي حديثه قائلا: لقد غمرنا جميعا احساس بالذنب يملأ نفوسنا، ورحم الله الناظر المثالي. مركز معلومات أخبار اليوم