كشفت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب يتحرك بخطوات متسارعة لفرض قيود جديدة على عمليات تهريب الرقاقات المتطورة من جنوب شرق آسيا إلى الصين، وهي رقاقات تُستخدم في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء. وأفاد التقرير أن التهريب وصل إلى مستوى غير مسبوق خلال العامين الماضيين، حيث بلغت قيمته مئات الملايين من الدولارات، رغم القيود المشددة التي فرضتها إدارتا ترامب ثم بايدن. وبحسب مصادر أمنية واقتصادية، فإن هذه القضية أصبحت ساحة صراع تكنولوجي مفتوح بين واشنطن وبكين، وسط مساعٍ أمريكية لإقناع حكومات جنوب شرق آسيا بالتصدي لهذه الشبكات غير المشروعة من خلال مزيج من الضغوط الجمركية وصفقات التعاون الاقتصادي. اقرأ أيضًا| الهند ترد عمليًا على ترامب باستراتيجية تصدير مبتكرة تشمل 50 سوقًا عالميًا تهريب عبر «السوق الرمادية» أفاد التقرير، بأن الجهات الصينية استخدمت خلال العامين الماضيين شبكة معقدة من الوسطاء والمشترين والبائعين في جنوب شرق آسيا للالتفاف على القيود الأمريكية الخاصة بالرقاقات عالية التقنية. ورغم أن دونالد ترامب كان أول من فرض ضوابط على رقاقات الذكاء الاصطناعي عام 2020 لمنع استخدامها عسكريًا في الصين، إلا أن هذه القيود لم توقف التهريب، حيث تم ضبط شحنات ضخمة تجاوزت قيمتها مئات الملايين من الدولارات. ترامب وصفقة «التعريفات الجمركية» أوضحت المجلة، أن ترامب يسعى لاستغلال ملف الرقاقات كورقة تفاوضية مع حكومات المنطقة، ووفقًا للتقرير، فإنه يطرح أدوات مثل التعريفات الجمركية لإجبار دول جنوب شرق آسيا على تطبيق ضوابط أقوى، واعتبر السماح مؤخرًا لشركتي Nvidia وAMD بتصدير شرائح محدودة إلى الصين مقابل ضريبة 15% إشارة إلى استعداد ترامب لعقد ترتيبات "غير تقليدية" تجمع بين التجارة وضوابط التصدير. أكد النائب الجمهوري جون مولينار أن الرقاقات المتطورة تمثل "خط الدفاع الأول" لحماية الأمن القومي الأمريكي، ولفت إلى أن الولاياتالمتحدة تسعى لإقناع حكومات جنوب شرق آسيا بأن وقف التهريب يجب أن يكون أولوية، عبر التلويح بفرض رسوم جمركية أعلى، وأيضًا عبر حوافز مثل شراكات رقمية وتسهيلات استيراد. رقاقات الذكاء الاصطناعي.. ساحة صراع جديدة أشار التقرير إلى أن الرقاقات مثل Nvidia H100 وB200 أصبحت عنصرًا محوريًا في سباق التكنولوجيا بين واشنطن وبكين، وتُعد هذه الشرائح أساسية لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، والتي تُستخدم في المجالات الاقتصادية والعسكرية وحتى في الهجمات السيبرانية، وتُصنع أفضل هذه الشرائح حصريًا في تايوان بتصميمات أمريكية. قضايا تهريب بالملايين كشف التقرير، عن وقائع تهريب مثيرة، بينها طالب صيني هرب ست شرائح فقط على متن رحلة من سنغافورة، في مقابل قضايا أكبر مثل وسيط ماليزي سهّل صفقة قيمتها 120 مليون دولار، وثلاثة متهمين في سنغافورة تورطوا بعملية قيمتها 390 مليون دولار. ووفق تقديرات مركز الأمن الأمريكي الجديد (CNAS)، فقد تجاوزت الشرائح المهربة إلى الصين عام 2024 إنتاجها المحلي. أساليب التهريب أفاد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن المهربين استخدموا طرقًا متطورة، بينها تأسيس شركات وهمية، ورشوة موظفي الجمارك، وإخفاء الشرائح وسط شحنات أخرى، وتم الكشف عن هذه المخططات خصوصًا في ماليزياوسنغافورة، مع توسعها لاحقًا إلى دول مثل إندونيسيا والفلبين وتايلاند وفيتنام. وأوضح التقرير، أن إنفاذ القانون في جنوب شرق آسيا ما زال محدودًا، فعلى سبيل المثال، لدى مكتب الصناعة والأمن الأمريكي (BIS) ضابط واحد فقط مسؤول عن التفتيش في المنطقة بأكملها، مما يخلق ثغرات كبيرة يستغلها المهربون، وأوصى التقرير بزيادة التمويل وتعزيز التعاون مع سلطات إنفاذ القانون المحلية. كما أشار التقرير إلى أن واشنطن لا تستطيع وحدها مواجهة هذه الشبكات، وأن إشراك وكالات إنفاذ القانون المحلية في دول مثل ماليزيا يمكن أن يضيف خبرة عملية في أساليب التهريب، كما دعا إلى توفير أدوات برمجية متطورة للبائعين المحليين لفحص العملاء ومنع بيع الشرائح للمهربين. ضغوط جمركية ورسائل سياسية أكدت المجلة، أن الولاياتالمتحدة يمكنها إغراء دول جنوب شرق آسيا عبر تعزيز استثمارات في البنية التحتية الرقمية وصناعة مراكز البيانات، أو توجيه شركات مثل إنتل لنقل جزء من التصنيع إليها، وهذا "التوجه نحو الصناعات الصديقة" قد يقلل الاعتماد على الصين استراتيجيًا، ويمنع نقل التكنولوجيا الحساسة. أفاد التقرير، أن الرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضتها واشنطن على فيتناموماليزيا وتايلاند (بنسب وصلت إلى 46%) تمثل أداة ضغط قوية بيد دونالد ترامب، فمع صفقات بمليارات الدولارات، مثل اتفاق ماليزيا مع أوراكل، تملك الإدارة الأمريكية أوراقًا كبيرة لدفع هذه الدول إلى مكافحة التهريب. الصين في مأزق تكنولوجي أوضح التقرير، أن الصين لا تزال تعاني اختناقات في إنتاج الرقائق المتقدمة، إذ أن منتجات بعض الشركات التكنولوجية أقل جودة وبكميات محدودة، ومع ارتفاع الطلب العالمي، يُرجح أن تحتفظ الولاياتالمتحدة بصدارتها لسنوات، وهو ما يمنحها قوة إضافية في معركة النفوذ التكنولوجي. وخلص التقرير، إإلى أن دونالد ترامب يرى في هذا الملف فرصة مثالية لتطبيق "دبلوماسية الصفقات"، باستخدام العصا والجزرة مع دول جنوب شرق آسيا، والتي تتمثل في: «الرسوم الجمركية من جهة، والاستثمارات والشراكات من جهة أخرى، لتبقى الرقاقات المتطورة عنوانًا لصراع أوسع بين واشنطن وبكين، يحدد مستقبل الذكاء الاصطناعي والتوازنات الجيوسياسية عالميًا». اقرأ أيضًا| أزمة الرسوم تصل ذروتها.. هل تنقذ المحكمة العليا سياسات ترامب التجارية؟