تخيّل أن تستيقظ ذات صباح لتكتشف أن شريكك في مشروع مصيري قد انسحب فجأة، ليس أي مشروع بل سباق الوصول إلى أعلى منصب في البلاد. كان ذلك في يوليو 2024، حين أعلن الرئيس الأمريكي السابق «جو بايدن» بشكل مفاجيء انسحابه من الانتخابات الرئاسية. في تلك اللحظة، وجدت «كامالا هاريس» نائبة الرئيس نفسها تُدفع مباشرة إلى واجهة المشهد، وبقى أمامها فقط 107 أيام حتى يوم الاقتراع. ◄ من بايدن إلى ترامب.. كامالا تروي أسرار حملتها الانتخابية هذا هو التوتر الكبير الذي يغذّي كتابها «107 أيام»، الذي يضم مذكراتها عن تلك الأشهر العاصفة. ◄ اقرأ أيضًا | هل هي تصفية حسابات؟| البيت الأبيض يسحب التصاريح الأمنية من شخصيات بارزة ◄ الرواية والسياسة الكتاب أشبه برواية سياسية مكثّفة أكثر منه مذكرات تقليدية، إذ يتدفق السرد بإيقاع سريع يعكس طبيعة الأيام المئة والسبعة المحمومة. تنقل هاريس القارئ بين الاجتماعات المغلقة، والسفرات المتلاحقة، وصخب وسائل الإعلام، وبين لحظات التعب الشخصي والشكوك الداخلية، وتبدو أحيانًا كأنها تكتب يومياتها لا مجرد شهادة سياسية، إذ تحاول أن تلتقط مشاعرها كما كانت في لحظتها، لا كما تُروى بعد أعوام من المسافة والتبرير. ويرمز عنوان الكتاب إلى طول حملتها الانتخابية كمرشحة الحزب الديمقراطي؛ 107 أيام أقصر حملة رئاسية في التاريخ الحديث. ◄ قرار متهور من بين أكثر مقاطع الكتاب إثارة للجدل اعترافها بأنها اعتبرت ترك قرار الترشح في يد بايدن وحده وزوجته «تهورًا»، لأن مصير الحزب بل الولاياتالمتحدة كان أكبر من أن يُترك رهنًا بطموح شخصى أو حسابات ضيقة. ومع ذلك، حرصت على التأكيد أنها لم تشكك يومًا في قدرة بايدن على أداء مهامه، لكنها رأت آثار العمر والإرهاق واضحة في بعض اللحظات. في المقابل، لا تُخفى شعورها بالتهميش داخل البيت الأبيض، إذ تتحدث عن غياب الدعم من فريق بايدن، وعن روايات سلبية تُركت لتنتشر حولها بلا رد، وعن إحساسها بأن نجاحها أو صعودها الإعلامي كان يُستقبل أحيانًا كتهديد لا كإضافة. كما تصف كيف أن أداءها القوى في مناظرة الرئاسة أمام ترامب في سبتمبر 2024 أعاد الأمل للجمهور الديمقراطي، لكن أيضًا كيف أن الدعم الإعلامي من داخل البيت الأبيض لم يكن على مستوى التحدى فى التصدى للهجمات السياسية اليائسة. ◄ الصورة والهوية تسجل هاريس تفاصيل الضغوط الخارجية: من الهجمات الإعلامية المتكررة إلى الجدل حول «لكنة فرنسية» في خطابها، وصولًا إلى الألقاب التي التصقت بها مثل «قيصر الحدود». وهى ترى أن هذه الرموز المختزلة لم تكن مجرد نكات عابرة، بل جزءًا من عملية تشكيل صورة عامة مثقلة بالتحامل. وإلى جانب ذلك، يطفو على السرد شعور بأنها تخوض معركة أوسع؛ معركة امرأة وامرأة ملوّنة تسعى لأن تكون مرشحة في نظام سياسى ما زال يقاوم الرموز الخارجة عن قوالبه التقليدية. ورغم أن الكتاب يعكس قدرًا كبيرًا من الصراحة، خصوصًا حين تصف بعض القرارات بأنها متهورة أو حين تكشف مرارة شعورها بالإهمال، إلا أنه لا يخلو من لحظات دفاعية. ◄ قيمة المذكرات تظل قيمة الكتاب كبيرة لسببين رئيسيين أولهما أنه يقدم إيقاع اللحظة من الداخل، أي تجربة قيادة حملة انتخابية رئاسية قصيرة ومزدحمة تحت ضغط تاريخي، والثاني أنه يطرح أسئلة أبعد من مجرد تفاصيل انتخابات خاسرة، أسئلة عن معنى القيادة، عن حدود الولاء، وعما يتطلبه الأمر حين يفرض عليك التاريخ أدوارًا لم تكن مستعدًا لها. ف«هاريس» لا تكتب فقط عن نفسها، بل عن المؤسسات التي عملت معها، وعن المجتمع الذي حكم عليها أحيانًا بعيون متحيزة، وعن الثمن الذي يدفعه كل من يكسر الحواجز التقليدية في السياسة.