كان يستجدي الصدقات في شوارع مدينة السويس، وروع المدينة بثلاث جرائم لم تشهدها على طول تاريخها، وبعد القبض عليه واعترافه هما المفاجأة الكبرى والمذهلة للناس، إنه محمد سعيد جمعة، الملقب بالعملاق الأسود، والذي هتف بعد النطق بإحالة أوراقه إلى المفتي.. يحيا العدل! ثمانية شهور وتسعة أيام قضاها داخل الزنزانة، وبحسب مانشرت جريدة أخبار الحوادث عام 1993، حيث كان يقضي الليل كله يرقص ويغني داخل زنزانه حتى يطلع النهار، ولايستيقظ إلا عندما يقدمون له الطعام، وكثيرا ماكانت وصلات الرقص والغناء تتخللها نوبات من البكاء والصراخ، والاستغاثة بالشيخ برهان، ولا أحد يعرف من هو الشيخ برهان الذي يستغيث به ويناديه لنجدته. اقرأ أيضًا | رئيس مجلس إدارة المستشفيات الجامعية بجامعة قناةالسويس يُصدر بياناً حول استقالة طبيب وكانت صحته جيدة، ووزنه يزداد، وفي الليلة الأخيرة أطال الغناء، والبكاء والرقص، ونادى طويلا على الشيخ برهان، وماإن سمعه الحارس محاولا الاستفسار عن الشيخ برهان الذي يستغيث به أن ينجيه ويعيده إلى بلدته الصغيرة بإحدى القرى البعيدة بمحافظة قنا. وبصوت متهدج وبلاهة يقول: أنه الرجل المجذوب الذي قابله منذ عشرين عاما قي سوق البلدة بالسويس، حيث كان صبيا صغيرا، وناداه باسمه ولم يكن يعرفه، وانه اقترب منه في خوف، بينما الشيخ كان يضع قيدوق رأسه عمامة طويلة مكسوة بالقماش الأخضر، وحول عنقه عدد من المسابح وفي يده عصا طويلة، مكسوة بالقماش الأخضر أيضا، والذي قال له بأنه سوف يواجه المتاعب، وسوف يدعوه شيطانه إلى ارتكاب المعاصي، وسيعيش وحيدا في الظلام، وتركه وابتعد. سار وراءه يبكي، لكن الشيخ لم يلتفت اليه، ومرت ستين ابى أن اشتد عوده ونسي هذه الواقعة لكنها تذكرها يوم أن دخل الزنزانة، وبدأ يراه في منامه، ويطلب منه أن ينقذه ويخرجه من السجن. وجاءت ساعة الصفر لتنفيذ حكم الاعدام، حيث كان واقفا خلف باب الزنزانة يتطلع إلى الممر من وراء القضبان، واقترب منه الضابط والحراس كل واحد منهم ممسكا بيديه، ودخلا به إلى الردهة الطويلة الممتدة التي تنتهي بغرفة الاعدام، واجه العملاق الأسود الموقف بذهول، وأدرك أن نهايته قد اقتربت، وانتابته حالة من الانهيار، ويبكي وينتحب لكن بغير دموع، وعيناه الواسعتان في لون الدم يتطلع إلى وجوه هيئة التنفيذ في رعب، وبعد أن فرغ مأمور السجن من تلاوة الحكم تقدم الواعظ من العملاق يطلب منه النطق بالشهادتين، لكن العملاق ينتحب مثل الاطفال، ويرد قائلا: لا أعرف الشهادتين، بينما يسأله المأمور.. عايز حاجة ياجماعة. ويرد قائلا: "عايز ارجع البلد، وهاتولي الشيخ برهان، وتم تنفيذ حكم الاعدام، واستمر نبض العملاق الأسود دقيقتين وربع دقيقة، وبقي معلقا في حبل المشرقة مدة نصف ساعة بعد أن فارق الحياة كما تقضي لوائح الاعدام". وكانت تلك هي نهاية السفاح، العملاق الأسود الذي كان يبدو في بلاهة وسذاجة وهو يطوف شوارع مدينة السويس يتردد على مقاهيها يتسول الصدقات، وكان موضع عطف وشفقة كل النساء، والذي اكتشف الناس في صبيحة يوم التاسع من يوليو عام 1953، أن العملاق الأسود الذي يستجدي الصدقات هو نفسه السفاح الذي أثار الرعب في المدينة وجعل الامهات يمنعن بناتهن الصغيرات من الخروج، بعد اكتشاف جثث ثلاثة طفلات في سن السابعة قتلهن خنقا بعد الاعتداء عليهن.