يواصل صديقي لواء الشرطة السابق فى مذكراته التى توليت اعادة صياغتها الحديث عما دار فى غرفة مأمور سجن الاستئناف بعد اعدام مغتصب فتاة المعادى وكان بين الحضور ضابط مباحث كبير ومتقاعد وباقى الهيئة التى اشرفت على تنفيذ حكم الاعدام !! قال رئيس النيابة انه في مرة سابقة وأثناء تنفيذ حكم الاعدام في قاتل وبعد أن سألته إن كان يريد شيئا فوجئت به يطلب صلاة ركعتين لله!.. وبعد تفكير عميق وسريع رفضت طلبه لشعوري بأنه لا يريد الصلاة للصلاة وإنما لكسب وقت وتوقعت أنه سوف يطيل الصلاة ولن يخرج منها وربما وضعنا في موقف شرعي غير سليم لو أجبرناه على الخروج من الصلاة!!.. وقال مأمور السجن أنه يتذكر يوم اعدام قاتل التاجر اليوناني طلب المتهم قبل ذهابه الى حبل المشنقة أن نمنحه برشام لعلاج الصداع وحدده بالاسبرين.. ورغم غرابة الطلب من إنسان سيموت بعد دقائق وافق رئيس الهيئة لأنه شخصيا كان يحتفظ بشريط اسبرين في جيبه.. أحضرنا كوب ماء وتعاطى المتهم برشامتين ثم توجه لحبل المشنقة!! قبل أن ينته حوارنا في مكتب المأمور كان عشماوي قد انتهى من اعدام مغتصب فتاة المعادي!.. وتصادف وصول أحد كبار لواءات المباحث المتقاعدين بعد سن الستين وكان صديقا لمأمور السجن وشاركنا الحوار.. وحكى لنا عن لحظات اعدام أول سفاح في مصر.. اسمه سعد اسكندر.. واشتهر بلقب سفاح كرموز.. واسمحوا هنا أن أسجل ما رصدته من القصة التي رواها لنا اللواء الشهير عن تلك اللحظات والطلب الغريب الذي فوجئت به هيئة التنفيذ من سعد اسكندر! في تمام الساعة الثامنة صباح يوم الأحد 25 فبراير 1953.. دخل المتهم سعد اسكندر إلى حجرة الإعدام بسجن الحضرة بالإسكندرية.. انه أول محكوم عليه بالإعدام يواجه حبل المشنقة مبتسما بعد رحلة مثيرة لم تتجاوز عشرين دقيقة تم خلالها إنزاله من زنزانته، ومثوله أمام لجنة تنفيذ حكم الإعدام!. في السابعة والنصف صباح هذا اليوم.. فتح الحراس باب زنزانة "سعد" الملقب بسفاح كرموز بعد أن أدانته محكمة جنايات الإسكندرية بقتل السيدة "بمبة" العجوز في التسعين من عمرها.. وقتل وزيري فام تاجر الأقمشة، والشروع في قتل السيدة "قطقوطة" في أول سبتمبر من العام نفسه ! ودار شريط الذكريات بسرعة أمام عيني سفاح كرموز أثناء مغادرته زنزانته.. أن حكم الإعدام سينفذ فيه بعد دقائق.. تذكر المتهم قضيته الأولي التي قتل فيها العجوز "بمبة" عندما تصادف وجود جارتها "قطقوطة" التي حاول أن يقتلها أيضا لكنها نجت من الموت باعجوبة.. وحينما افرجت عنه المحكمة بكفالة مالية، عاد يقتل تاجر الأقمشة وزيري فام، وأخفي جثته داخل شونة بأحد أحياء الاسكندرية.. الم يكن نجاح سعد في التخفي والهروب من عيون المباحث بعض الوقت يعني ضياع الجريمة.. فقد ألقي الملازم فخري عبدالملاك القبض عليه بعد معلومة وصلته من كاتب حسابات بمحكمة أسيوط اسمه زكي سليمان أبلغ عن أن السفاح يتأهب لركوب إحدي سيارات السفر بين المحافظات.. وحصل هذا المواطن علي مكافأة خمسمائة جنيه.. خصصتها وزارة الداخلية لمن يرشد عن السفاح! مر شريط الذكريات في لمح البصر.. واقتربت خطوات سعد اسكندر من حجرة الإعدام.. شاردا.. واجما.. يبدو أنه غارق في التفكير.. أو ربما الندم.. أو ربما يتخيل حبل المشنقة حول عنقه، وهو الشاب الوسيم المشهور بأناقته وغرام النساء به.. لقد حكي بنفسه فى اعترافاته أنه ضحية ثلاث نساء دخلن حياته من أوسع الأبواب، بالإضافة إلى "دلع" أهله والتصاقه بأصدقاء السوء! لحظات أخرى واكتمل حضور اللجنة المشرفة علي تنفيذ حكم الإعدام: البكباشي حسن عبدالمقصود، مأمور سجن الحضرة ووكيله اللذان أشرفا علي إجراء تجربة علي حبل المشنقة في تمام السابعة صباح هذا اليوم.. وانضم للجنة - أيضا - الأميرلاي أحمد علي الوكيل العام لمصلحة السجن والقائمقام عبدالمنعم فريد كبير مفتشي السجون.. والدكتور صالح شكري والدكتور فيكتور عبدالسيد طبيب السجن.. والأساتذة: إسماعيل حسن وكيل أول نيابة الاستئناف ومصطفى عثمان ومحمد الجندي وفريد فهمي وسامي علي وكلاء النيابة.. وقسيس السجن الأب الناسيوس بطرس. الثامنة إلا عشر دقائق.. همس السفاح لحارسه قائلا: ".. هو خلاص مش هارجع الزنزانة تاني؟!".. ولم يرد الحارس علي سؤال سعد الذي يريد أن يتعلق في قشة قد تنقذه من حكم الإعدام، فقد وضح عليه تأثره الشديد منذ غادر زنزانته رقم 64 بالدور الثاني عنبر "ب"! وبدأت الإجراءات تتلاحق.. ولأن المتهم كان مسيحيا فقد انضم لهيئة تنفيذ حكم الاعدام احد القساوسة .. نادي القس علي "سعد" واصطحبه إلى ساحة التنفيذ.. تلا مأمور السجن الحكم الصادر بالإعدام، وحكم النقض بتأييد الإعدام.. والغريب أن "سعد" بدأ يعود لابتسامته العريضة، وكأن ما يحدث لا يعنيه!.. القس يقرأ في كتابه الديني بصوت مسموع، ويحاول تهدئة روع "سعد". وسأل مأمور السجن سعد اسكندر: هل تريد شيئا قبل تنفيذ الإعدام؟!.. وبهدوء شديد وبنفس الابتسامة قال سعد: ** عاوز أشرب.. وعاوز سيجارة.. أو حتي نفسين!!. يوافق مأمور السجن بعد إذن ممثل النيابة العامة، ويمنح السفاح سيجارة، ويأمر بإحضار كوب ماء له.. سعد مقيد اليدين.. أشعل حارسه السيجارة ثم وضعها في فم "سعد" ليجذب منها نفسا، ثم يجذب النفس الثاني.. ويصيح ممثل النيابة العامة: (خلاص كفاية دخان!). يشرب "سعد" كوب الماء عن آخره.. وبإشارة من ممثل النيابة يتم اقتياد السفاح إلى حجرة الإعدام، ويلتف حبل المشنقة حول عنقه، ويغطي القناع الأسود رأسه، ويفتح عشماوي الأرض تحت قدميه.. "سعد" يسقط علي الفور! استمر نبض السفاح دقيقتين وخمس ثوان.. وزنه 64 كيلوجراما ووزنه يوم دخوله السجن 58 كيلوجراما.. وبعد الصلاة علي جثمان سعد يسلم القس الجثة إلى سيارة الاسعاف.. شقيقه طلب نقل الجثة إلى سيارة نقل الموتي.. ولكن طلبه قوبل بالرفض تطبيقا للقانون الذي يلزم لجنة تنفيذ حكم الإعدام وإدارة السجن بعدم الاحتفال بجنازة المحكوم عليه بالإعدام. وفي أحد مكاتب السجن.. تسلم شقيق "سعد" الأحراز الموجودة علي ذمة القضية، وتخص السفاح ومن بينها ملابسه وساعة يده التي ربما مازالت عقاربها تتحرك رغم أن دقات قلب صاحبها قد توقفت!