مع دخول شهر سبتمبر تبدأ البيوت الاستعداد لبداية العام الدراسي الجديد، الذى يعتبر طقسًا اجتماعيًا وإنسانيًا، تمارسه الأسرة بكل مشاعرها، فرح، قلق، ضغط، أمل، ودعاء لا ينقطع.. فلم يعد العام الدراسي بالنسبة للأسرة حدثًا عاديًا، بل أصبح اختبارًا قاسيًا للقدرة على الاحتمال، وتحديًا مستمرًا بين الضرورات والقدرات.. فبينما تعلن المدارس بدء الدراسة، تعلن البيوت حالة الطوارئ، ويفتح ملف ثقيل اسمه المصاريف والدروس والمناهج. المصاريف المدرسية لم تعد مجرد مبلغ يسدد فى بداية العام، بل سلسلة من النفقات تمتد إلى نهاية العام.. زى مدرسى، أدوات مكتبية، أنشطة، ودروس خصوصية أصبحت أمرًا مفروضًا لا خيارًا. لقد أصبح التعليم يحتاج إلى الأموال، بل حتى من يدفع يجد نفسه حائرًا أمام مناهج تصيب الطفل بالارتباك والأسرة بالقلق، والمعلم بالحيرة، مناهج ثقيلة مضغوطة، تفتقر إلى روح الفهم، وتعتمد على الحفظ لا التفكير. أما الدروس الخصوصية، فباتت المؤسسة التعليمية البديلة، حيث يتجمع الطلاب فى السناتر، ويدفع أولياء الأمور أرقامًا تفوق طاقتهم، لأنهم يخشون أن يكون ابنهم هو الضحية فى نظام تعليمى لا ينصف أحدًا. ومع بداية العام الدارسى تعود الأسئلة الأزلية، هل التعليم اليوم يضيف لأطفالنا؟ هل المناهج تناسب العصر؟ هل المعلم ما زال قدوة؟ هل المدارس تحمى الأطفال نفسيًا واجتماعيًا؟ وتبقى الأسئلة دون أجابة. التعليم لم يعد كما كان، لم يعد وسيلة للترقى الاجتماعى، بل أصبح عبئًا يثقل كاهل الأسرة، هذه الأسرة التى لا تملك الكثير، لكنها تصنع المستحيل، وتراهن على العلم، وتربى أملًا لا يخبو.. نحتاج اليوم إعادة النظر فى المناهج التى لا يفهمها الطالب، فى المعلم الذى أُنهك، وفى الأسرة التى أصبحت تقايض الطعام بالتعليم.. فما قيمة تعليم يرهق الجميع ولا يمنح أحدًا يقينًا بالمستقبل. لعل العام الدراسى لا يكون مجرد بداية للكبت والواجبات، بل بداية لرحلة نعيد فيها الثقة لأطفالنا، والاحترام للمدرسين، والكرامة لأولياء الأمور.