أيام قليلة تفصلنا عن بداية العام الدراسى المنتظر أن يبدأ يوم 1 أكتوبر القادم، وفقاً لما أعلنه الدكتور رضا حجازى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، ولكن كالعادة فقد سبقت الدروس المدارس وبدأ العام الدراسى فعلياً فى المنازل ومراكز الدروس الخصوصية فى كل محافظات مصر، وسبق قرار الوزير إعلانات حجز الدروس على الحوائط وفى مواقع «السوشيال ميديا»، وبدأ الطلاب الانتظام فى الدروس منذ بداية شهر أغسطس أى قبل بداية العام الدراسى فعلياً بشهرين كاملين. ورغم قيام الوزارة بشن حملات بمساعدة وزارة الداخلية، لغلق مراكز الدروس الخصوصية غير المرخصة، خاصة أن هناك بدائل وفرتها الوزارة للطلاب مثل متابعة قناة «مدرستنا» والمنصات التعليمية التابعة للوزارة ومجموعات التقوية التى يتم تنظيمها فى المدارس، إلا أن كل هذا لم يمنع الدروس الخصوصية التى أصبحت شراً لا بد منه كل عام. قانون تجريم الدروس الخصوصية وكانت وزارة التربية والتعليم قد أعدت مشروع قانون لتجريم الدروس الخصوصية، ويتضمن مشروع القانون غرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تتجاوز 50 ألفاً لكل من أعطى درساً خصوصياً فى مركز أو سنتر تعليمى أو فى مكان مفتوح للجمهور بصفة عامة. وطبقاً لبنود مشروع القانون فإنه فى حالة العودة لتكرار ذات الجرم يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات. ويتضمن المشروع أيضاً: أن يعاقب بالغرامة التى لا تقل عن 5 آلاف ولا تزيد على 50 ألفاً والحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 3 سنوات، كل من ساهم أو اشترك بأية وسيلة فى ارتكاب تلك الجريمة، وفى جميع الأحوال يحكم بمصادرة الأشياء المضبوطة محل الجريمة. جدير بالذكر أن الضبطية القضائية بوزارة التربية والتعليم تقوم برصد أى سناتر أو مراكز للدروس الخصوصية، وإغلاقها بالتعاون مع المحافظات المعنية، ومع ذلك فما زالت الدروس الخصوصية تتحدى الجميع والمراكز تعمل على مرأى ومسمع من المسئولين فى كل محافظات مصر. إعلانات منذ فترة بدأت تنتشر إعلانات الدروس الخصوصية على صفحات «السوشيال ميديا» حيث بدأ المعلمون وأصحاب السناتر الإعلان عن تقديم بضاعتهم من دروس ومذكرات وملخصات يقدمها وحش الكيمياء وخبير الفيزياء وجبرتى الرياضيات وغيرهم، هذا بالإضافة إلى الشكل التقليدى وهو الإعلانات التى تتشر على الحوائط فى الشوارع والميادين العامة. كما نشطت الدروس الخصوصية داخل المنازل، التى بدورها حولت عقول أطفالنا من إنسان يعتمد على نفسه ويبحث عن مصادر المعرفة وينمى تفكيره ومهاراته، إلى طالب يهمل جميع مهاراته ويعتمد على تلقين المعلم، ورغم ارتفاع أسعار الحصة عن الأعوام الماضية، فإن أولياء الأمور لا يجدون بداً من حجز الدروس لأبنائهم مبكراً والبدء مع المجموعة، خشية أن يفوت ابنهم أحد الدروس التى لن يستطيع تعويضها. مؤيد ومعارض وعن انتشار الإعلانات قبل بدء العام الدراسى الجديد، قالت دعاء الهوارى، إن الإعلانات المنتشرة تثير استياء الأهالى بسبب الحالة المادية المتدهورة فى ظل غلاء الأسعار، فكيف سنستطيع إدخال أطفالنا فى الوقت الحالى للدروس الخصوصية، التى بدأت بالفعل فى شهر أغسطس وتم الإعلان عنها منذ يوليو الماضى. فيما طالب محمود ممدوح، ولى أمر، المعلمين بتأجيل موعد بدء الدروس الخصوصية لشهر أكتوبر مع بداية العام الدراسى الجديد، وذلك لأن الدروس تحتاج إلى تكلفة ومصاريف إضافية، ولا نعلم كيف سنعمل على توفيرها فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية التى نعيشها. فيما تؤكد سلوى راضى أنها تسلمت رسالة على هاتفها من مدرس اللغة العربية، يعلن فيها عن بدء حجز الدروس الخصوصية لطلاب المرحلة الابتدائية داخل أحد المراكز فى بداية شهر أغسطس، وعند ذهابها للمركز رأت عشرات الطلاب يتزاحمون أمامه، حيث لا تظهر معالم المكان بسبب اللافتات المعلقة على جدرانه، بالإضافة إلى انتشار غيرها فى الشوارع الرئيسية والجانبية بأسماء المعلمين لجذب أكبر عدد ممكن من الطلاب، بدءاً من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية. ويقول شوقى غريب إن أولياء الأمور يبحثون عن مدرسين للدروس الخصوصية، للاعتقاد السائد أنه شىء لا مفر منه ومضطر إليه حتى يحصل ابنه على درجات التفوق، ليكون مقبولاً فى النظام التعليمى الجامعى. ووافقته فى الرأى حنان عياد، ولية أمر، تقول إن الدروس الخصوصية تعمل على تأسيس أطفالها وتدعم تفوقهم فى المستقبل، وفور علمها ببدء تسجيل أسماء الطلاب لحجز الدروس الخصوصية، تبدأ فورًا فى البحث عن أمهر المعلمين والحجز معهم قبل الزحام الذى يبدأ مع بداية العام الدراسى. فيما تقول داليا الحزاوى، مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر، إن الطلاب يبدأون مبكراً فى حجز مقاعدهم فى الدروس الخصوصية للعام المقبل، وذلك لأن هناك تخوفات دائمة من الطلاب وأولياء الأمور من عدم قدرتهم على التكيف مع النظام الجديد للتقييم إلا من خلال الدروس الخصوصية سواء فى السناتر او البيوت، وكذلك الحجز المبكر يضمن للطالب الحصول على مكان لدى المدرسين المشهورين. وأضافت «الحزاوى» ان الدروس الخصوصية أصبحت واقعاً فى ظل تراجع دور المدرسة وأيضاً مجموعات التقوية المدرسية، مقدمة عدة نصائح لأولياء الأمور فى كيفية اختيار المدرس المناسب للأبناء، وأولها: ضرورة الاستعانة بآراء الدفعة القديمة فى اختيار المدرس، وعدم الاكتفاء برأى طالب او اثنين بل يجب توسيع دائرة السؤال حتى تستطيع الوصول لرؤية صحيحة، كما يجب أن تهتم بمعرفة هل المعلم أثناء المراجعات والامتحان كان متاح ويتواصل سريعًا مع الطلاب، ام ان علاقته بالطالب مجرد علاقة مادية فقط وتنتهى بانتهاء الحصص. واختتمت كلامها قائلة: «يعتبر تفعيل مجموعات التقوية بالمدارس، إحدى طرق مكافحة الدروس الخصوصية، ولكن يجب أن تكون بسعر تنافسى مناسب لولى الأمر، وكذلك الاهتمام بجذب المعلمين الأكفاء، والرقابة على الأداء حتى يكون هناك استفادة كاملة من مجموعات التقوية. فيما كشفت نتائج بحث الدخل والإنفاق، التى أعلنها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء نهاية شهر يوليو من العام 2019، أن متوسط إجمالى ما تنفقه 26 مليون أسرة فى جميع محافظات الجمهورية على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية يصل إلى 47 مليار جنيه، بنسبة تمثل 37.7% من إجمالى الإنفاق على قطاع التعليم. طرق المواجهة بعد أن أصبحت الدروس الخصوصية إلزامية فى كل مراحل التعليم لا يستطيع الطالب ولا ولى الأمر الاستغناء عنها، أصبح السؤال الذى يبحث عن إجابة هو: هل يمكن وقف طوفان الدروس الخصوصية يوماً ما؟ يجيب على هذا السؤال الدكتور مصطفى كامل الخبير التربوى، قائلًا:«المشكلة ليست فى غلق المراكز إنما تكمن فى بُعد الطالب عن المدرسة، ولذلك يجب أن تعالج من جذورها وذلك بتغيير المناهج ووضع خطط لجذب الطلاب للمدرسة، بالإضافة إلى تعديل المرتبات وأجور المعلمين وتأهيل المعلم تأهيلاً جيداً، وتفعيل قانون تجريم الدروس الخصوصية، وقيام الأحياء بدورها فى غلق مراكز التعليم، لافتًا إلى وجود تواطؤ من الأحياء فى مع أصحاب المراكز لحصولهم على نسبة من الأموال التى يحصلون عليها. وتابع «كامل» أن الهدف الأساسى من العملية التعليمية هو بناء عقلية الطفل، وتطوير المجتمع ولكى يتحقق ذلك بنجاح يجب أن تحتوى المناهج الدراسية على عادات وتقاليد وأفكار وثقافة المجتمع، ثم يبدأ دور أساتذة المناهج فى تنقية هذه المفاهيم وتطويرها وتنظيمها حتى تأخذ شكل المنهج الدراسى المعروف والذى يشمل (الكتاب المدرسى والأنشطة الصفية والأنشطة اللاصفية)، ثم يأتى دور الأكاديمية المهنية للمعلمين فى تدريب وتأهيل المعلمين، على أن تقوم الإدارات التعليمية المتمثلة فى قسم التوجيه والمتابعة، وبذلك تكتمل الصورة. وأكد الخبير التربوى أنه للأسف الشديد، بعد أن تخلت وزارة التربية والتعليم عن هذا الفكر المنهجى المنظم، بدأت تظهر فجوات خطيرة متمثلة فى التسرب الدراسى وعزوف التلاميذ عن المدرسة، وتنصل ولى الأمر من دوره فى التربية والمتابعة، ومن هنا بدأت فكرة الدروس الخصوصية تنتشر بشكل كبير، وبالتأكيد دعمها فئات من المعلمين بسبب المرتبات الضعيفة التى يحصلون عليها.