كشف باحثون أن هرمونًا غير معروف على نطاق واسع، يلعب دورًا أساسيًا في التفاعل الاجتماعي، قد يكون مرتبطًا بزيادة حالات اضطراب طيف التوحد. تُعد الصعوبات الاجتماعية مثل تكوين الصداقات وفهم الإشارات الحوارية من أبرز علامات التوحد. ولتفسير هذه العلاقة، أجرى علماء في إسبانيا دراسة على الفئران عبر تعديل جيناتها وراثيًا، خصوصًا جين Shank3 المسؤول عن تنظيم ودعم بنية الوصلات العصبية (المشابك)، هذا الجين ارتبط في أبحاث سابقة بعدة اضطرابات معرفية وعصبية، من بينها مرض ألزهايمر والتوحد، لكن الآلية الدقيقة بقيت غير واضحة. خلل في إفراز هرمون الفازوبريسين أظهرت الدراسة أن الفئران الحاملة لطفرات في جين Shank3 لم تتمكن من إفراز مستويات كافية من هرمون الفازوبريسين، ورغم أن هذا الهرمون معروف بدوره في تنظيم توازن السوائل وضغط الدم، إلا أنه يرتبط أيضًا بمستقبلين مختلفين: الأول مسؤول عن تفسير الإشارات الاجتماعية، والثاني عن السلوك العدواني، وهما سمتان يعاني العديد من المصابين بالتوحد من اضطراب فيهما. ويرى الباحثون أن النتائج توفر أول دليل على كيفية تسبب الطفرات الجينية في مشكلات التفاعل والتنظيم الاجتماعي لدى الأفراد المصابين بالتوحد. كما أشاروا إلى أن الأدوية الجديدة قيد التطوير، والتي تعمل على تنشيط هذه المستقبلات بشكل منفصل، قد تحسن من القدرات الاجتماعية دون زيادة العدوانية. خطوة نحو علاجات جديدة للتوحد قال الدكتور فيليكس لوروا، الباحث في معهد علوم الأعصاب بجامعة ميغيل هيرنانديز في إلتشي بإسبانيا:"نجحنا في تحسين السلوك الاجتماعي دون رفع مستوى العدوانية، وهو أمر أساسي إذا كنا نفكر في علاج مستقبلي." وتأتي هذه النتائج في وقت تشهد فيه الولاياتالمتحدة ارتفاعًا كبيرًا في معدلات تشخيص التوحد، حيث يُصاب طفل واحد من بين كل 31 طفلًا مقارنة بطفل واحد من بين 150 في أوائل الألفية. ويعزو الخبراء هذه الزيادة إلى تحسن آليات التشخيص وزيادة الاهتمام بفئات كانت مُهملة سابقًا مثل الفتيات والبالغين. لكن بعض الدراسات التي أطلقها وزير الصحة روبرت ف. كينيدي جونيور تبحث في أسباب أخرى محتملة مثل المبيدات الحشرية والأطعمة فائقة المعالجة والمعادن السامة. دور العوامل الجينية تشير الأبحاث إلى أن 40 إلى 80% من خطر الإصابة بالتوحد يرجع إلى عوامل جينية، وأن حالة واحدة من كل خمس حالات قد تكون مرتبطة بطفرة في جين منفرد مثل Shank3. وأظهرت الدراسة أن الفئران المعدلة وراثيًا أظهرت انخفاضًا في السلوكيات الاجتماعية الطبيعية مثل استكشاف البيئة أو التفاعل مع فئران أخرى. كما تبين أن لديها عددًا أقل من الخلايا العصبية التي تفرز الفازوبريسين في منطقة الحاجز الجانبي بالدماغ، المسؤولة عن تنظيم السلوك الاجتماعي والقلق والخوف. اقرأ ايضا|تشخيص التوحد.. ما هي التحديات التي تواجه الأطباء؟ لكن عند التحكم في مستقبلات الفازوبريسين بشكل منفصل، تمكن الباحثون من تعزيز السلوك الاجتماعي وتعديل العدوانية دون الإفراط فيها. تطبيقات مستقبلية وعلاجات محتملة النتائج الجديدة محمية ببراءة اختراع تستهدف تطوير أدوية تعمل على تنشيط مستقبل AVPR1a المسؤول عن السلوك الاجتماعي، مما قد يساعد في معالجة العجز الاجتماعي لدى الأفراد المصابين بالتوحد دون زيادة العدوانية. وأشار الباحثون أيضًا إلى أن هذا المسار العصبي أكثر تطورًا لدى الذكور، ما قد يفسر انتشار التوحد بنسبة أكبر بينهم مقارنة بالإناث، فوفقًا لبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، تبلغ نسبة التشخيص بين الأولاد نحو 5% مقابل 1.4% لدى الفتيات، أي بزيادة بمعدل 3.4 مرة. وختم الدكتور لوروا بقوله: "تشير نتائجنا إلى أن العلاجات المستقبلية يمكن أن تكون شخصية، مع مراعاة الفروق بين الجنسين." الأدوية الحالية ودورها تشمل الأدوية المتوفرة حاليًا التي تستهدف إنتاج الفازوبريسين عقار تولفابتان (Samsca) وكونيفابتان (Vaprisol)، والتي تُستخدم لعلاج انخفاض الصوديوم ومشكلات الكلى، لكن لا تزال الأبحاث قائمة لتطوير علاجات موجهة خصيصًا لتحسين المهارات الاجتماعية لدى مرضى التوحد.