خرجت القمة العربية - الإسلامية الطارئة فى الدوحة بقرارات تعكس لحظة وعى جماعى بأن ما يجرى فى المنطقة لم يعد يحتمل المواقف الرمادية أو الحسابات الضيقة، فقد أكدت القمة أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على الدوحة وعواصم عربية أخرى لم تعد مجرد خرق أمنى عابر، بل تمثل اختبارًا صريحًا لإرادة العالمين العربى والإسلامى فى الدفاع عن سيادة دولهم وحقوق شعوبهم. لم يعد ممكنًا الصمت أو الاستسلام لتجاهل المجتمع الدولى للجرائم الإسرائيلية وخروقات حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة للقانون الدولى الإنسانى والدعم الأمريكى المطلق، ما أدى إلى المزيد من «الإفلات من العقاب» وفتح الأبواب لجرائم تمس السيادة العربية وتغلق أبواب السلام. وهنا جاء خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى ليتقاطع مع روح القمة، حين شدد أن الممارسات الإسرائيلية تكشف بوضوح غياب أى نية حقيقية لدى تل أبيب للسير فى طريق السلام، موجهًا رسالة مباشرة إلى الشعب الإسرائيلى بأن ما يحدث اليوم يقوّض مستقبلكم قبل أن يهدد غيركم. مخاطبة الرئيس السيسى للشعب الإسرائيلى تعنى أنه لم يعد هناك جدوى من الحوار مع حكومة نتنياهو، التى تتحمل وحدها مسئولية تفاقم أوضاعهم المعيشية وتزايد عزلتهم، فقد وجّه الرئيس خطابًا مفتوحًا إلى العقلاء من النخبة السياسية والعسكرية، مؤكدًا أن الوقت قد حان لاتخاذ موقف حاسم يوقف التصعيد العسكرى فورًا، لأنه لا يهدد شعوب المنطقة فقط، بل يقوّض كل فرص التعايش المستقبلى ويفتح الباب أمام سقوط المزيد من الضحايا، إضافة إلى خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة. وقد عكست كلمته حالة غضب وضجر إقليمى من مشروع نتنياهو للهيمنة على باقى الدول وتفكير حكومته الإجرامى، الذى يُمعن فى تقويض أسس الأمن المشترك، مؤكدًا أن الكف عن العنف والعودة إلى طريق الحل السياسى هو السبيل الوحيد لصون مستقبل السلام وضمان أمن شعوب المنطقة كافة. لقد أضافت مشاركة مصر فى القمة العربية - الإسلامية الطارئة ثقلًا كبيرًا وشكلت دعمًا قويًا لقطر فى مواجهة التهديدات الإسرائيلية، وأكدت على أن التنسيق المصرى القطرى مستمر فيما يخص الوساطة وإشارة بالغة الدلالة على أن التنسيق بين القاهرةوالدوحة فى أعلى مستوياتها، فقد خاضت مصر وقطر ماراثونًا دبلوماسيًا طويلًا لتثبيت التهدئة فى قطاع غزة، إلا أن حكومة نتنياهو تعمدت عرقلة هذه الجهود، فى محاولة للهروب من الضغوط الدولية واستمرار التصعيد الإقليمى لحماية حكومته من السقوط واستغلال الموقف لتحقيق أحلامه التوسعية. القمة بدورها تبنّت رؤية مشتركة ترفض الهيمنة الإقليمية أو فرض ترتيبات أمنية أحادية، وهو ما انسجم مع موقف القاهرة الحاسم بأن السيادة الوطنية «غير قابلة للمساومة». وفى السياق نفسه، كان التأكيد على أن الاعتراف الدولى بدولة فلسطين ليس مجرد مطلب سياسى، بل ضمانة أساسية لاستقرار المنطقة، وحائط صد أمام أى محاولات لفرض الأمر الواقع على حساب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى، فالقرارات النهائية شددت على أن الحل العادل يبدأ بإنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، مع دعوة الدول التى لم تعترف بعد إلى الإسراع فى اتخاذ هذه الخطوة. كما أبرزت القمة، ومعها خطاب الرئيس السيسى، أن الرهان على القوة العسكرية لن يجلب الأمن لأى طرف. فالتحرك الإسرائيلى الأخير الذى اختل به المشهد فى غزة لم يؤدِ سوى إلى توسيع رقعة الدمار وتعقيد جهود الوساطة. ومن هنا جاءت الدعوة إلى وقف الاعتماد على الحلول العسكرية والانتقال إلى مسار سياسى جاد يعيد التوازن للمنطقة. إن جوهر الموقف العربى المطلوب فى هذه المرحلة الدقيقة يتمثل فى التكاتف لمواجهة تداعيات حرب غزة، وهى الدعوة التى أكد عليها الرئيس السيسى منذ البداية، خاصة بعدما امتدت نيران الصراع لتطال العاصمة القطرية الدوحة فى مؤشر خطير على اتساع نطاق الأزمة، وهنا تبرز أهمية الدور المصرى بما تمتلكه القاهرة من ثقل إقليمى ودبلوماسى يؤهلها لحماية الأمن العربى وقيادة مشروع إعادة إعمار غزة دون تهجير، وهو المشروع الذى يحظى بقبول دولى متزايد فى ظل الاعتراف المتنامى بالدولة الفلسطينية. ويبقى الاصطفاف العربى خلف هذه الرؤية المصرية هو الرد الأقوى على محاولات تصفية القضية الفلسطينية، شرط أن تُستثمر أدوات الضغط السياسية والاقتصادية التى تملكها الدول العربية، ولاسيما الخليجية، للتأثير على الموقف الأمريكى وإجبار إسرائيل على وقف انتهاكاتها المستمرة.. فلا سلام بلا دولة فلسطينية مستقلة تلتف حولها الدول العربية والإسلامية.