تحول تفتيش روتيني للممتلكات في منطقة نائية في أستراليا إلى حدث صعب، أطلق العنان لأكبر عملية مطاردة بشرية شهدتها البلاد منذ عقود، وبات ديزموند فريمان المطلوب رقم واحد في البلاد، حيث يطارده الآن المئات من ضباط الشرطة عبر مساحات شاسعة وعرة من الأدغال الأسترالية. وأصبحت القصة العنوان الرئيسي في جميع وسائل الإعلام الوطنية الأسترالية، حيث بثت المحطات التلفزيونية ومنصات الشبكات الإخبارية، تقارير حية من منطقة الاحتواء التي يتم فيها البحث عن المجرم، مع عشرات التحليلات من خبراء في التكتيكات العسكرية وعلم النفس الجنائي، وكيفية بقاء الجاني في التضاريس الصعبة طوال هذا الوقت. بدأت تفاصيل القصة في صباح يوم 26 أغسطس 2025، عندما تم التخطيط من قبل الشرطة الإسبانية، وفقا لشبكة abc.net الاسترالية، للتفتيش فيما يتعلق بتحقيق منفصل في سرقة مخزون كبير، حيث وصل فريق مكون من 10 ضباط من شرطة كوينزلاند إلى شقة في عقار على طريق راينر للتفتيش. ووفقًا للبيان الرسمي للشرطة الإسبانية، سار التفتيش بشكل طبيعي في البداية، لكن الأمور اتخذت منعطفًا دراماتيكيًا عندما حاول الضباط دخول سقيفة في المنزل، حيث يُزعم أن ديزموند فريمان البالغ من العمر 56 عاما، فتح النار فجأة باستخدام بندقية عالية القوة، مما أسفر عن مقُتل كبير ضباط المباحث، نيل تومسون. كما قتل في الحادث كبير ضباط الشرطة، فاديم دي وارت-هوتارت، بشكل مأساوي أثناء تأدية واجبهما، بينما أصيب ضابط شرطة ثالث بجروح خطيرة بعد إطلاق النار عليه في الجزء السفلي من جسده، وتمكن الضباط المتبقون من الرد وإجبار فريمان على الفرار إلى الغطاء الكثيف للأدغال المجاورة، حاملاً معه سلاحه وإمدادات محدودة. إطلاق «عملية الأدغال» كان لطبيعة الحادث تأثيرًا صادمًا ومحفزًا لدى الشرطة، حيث أعلنت شرطة كوينزلاند على الفور حالة الطوارئ القصوى، وأطلقت «عملية الأدغال»، وبدأت عمليات البحث في التوسع بشكل كبير، واستدعاء تعزيزات عبر وحدات متخصصة من جميع أنحاء الولاية والولايات المجاورة. شملت القوات المتعاونة فرق مكافحة الإرهاب والعمليات التكتيكية الخاصة، وذلك للبحث والمطاردة في المناطق عالية الخطورة، بجانب الوحدة الجوية لشرطة كوينزلاند، التي تسهم بطائرات هليكوبتر ومروحيات مسلحة بأجهزة التصوير الحراري وأجهزة الرؤية الليلية للمراقبة الجوية. كما انتشرت فرق تتبع الأثر في الأدغال، وهم ضباط مدربون خصيصًا على قراءة علامات الطريق وتتبع الأشخاص في البيئات الطبيعية، بالإضافة إلى ذلك نشرت تقنيات متطورة مثل الطائرات بدون طيار للاستطلاع في المناطق الكثيفة، وأنظمة التعرف على الوجوه في نقاط التفتيش البعيدة. تجاوز عدد الضباط المشاركين في المطاردة 450 ضابطًا، وهو رقم غير مسبوق لمطاردة فرد واحد، مما عكس خطورة الجريمة والتصميم على القبض عليه، كما قدمت أكبر مكافأة في تاريخ ولاية فيكتوريا لتسهيل اعتقال المجرم بلغت 500 ألف دولار للإدلاء بمعلومات عنه، بجانب عرض مكافأة أخرى بقيمة مليون دولار في الولاية، ولكن فقط لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى الإدانة. وأكدت الشرطة أنها فتشت أكثر من 100 عقار في ظل استمرار البحث، وتلقت الشرطة أكثر من 450 معلومة عامة، ولكن الصعوبة الرئيسية تكمن في هذه المطاردة في طبيعة الأرض نفسها، حيث تمتد منطقة البحث على مساحة آلاف الكيلومترات المربعة من الأدغال الكثيفة والوعرة في شمال كوينزلاند. واحتجز المحققون زوجته، أماليا فريمان، وابنهما المراهق لفترة وجيزة قبل إطلاق سراحهما، وناشدته زوجة المشتبه به علنًا تسليم نفسه، معتقدين أنه هارب في الغابة الكثيفة مدجج بالسلاح، ولكن لا يوجد ما يشير إلى أن فريمان يتلقى مساعدة من شخص معين، ومع ذلك نظرًا لوعورة التضاريس والحاجة إلى الحصول على الإمدادات، يبقى الاحتمال قائمًا، دون استبعاد احتمال الوفاة. ووفقا للمواقع الأسترالية يعتبر الجاني بأنه منظر مؤامرة ومتطرف، يُعرب عن كرهه للشرطة، وأنه عضو في حركة مؤامرة «المواطن السيادي»، التي يرفض أعضاؤها سلطة الدولة ويخضعون للقانون، وهي الحركة التي نشأت في الولاياتالمتحدة في سبعينيات القرن العشرين. وتنتشر تلك الحركة عبر الإنترنت، وخاصة على موقع فيسبوك في مجموعات يختلط فيها الناشطون مع الانتهازيين الذين يبحثون، على سبيل المثال، عن طريقة لتجنب دفع فواتير، وفي فرنسا يعتقد أتباع هذه الحركة أن الدولة ليست كيانًا عامًا، بل هي في الواقع شركة خاصة أُسست عام 1947، ولا يُلزمون بالخضوع لها دون موافقة. طبيعة البيئة قاسية ومازاد من انتشار القصة وغموضها هو أن طبيعة البيئة قاسية حتى على أكثر الأشخاص خبرة وتجهيزاً، حيث درجات حرارة مرتفعة ورطوبة خانقة خلال النهار، ودرجات حرارة منخفضة بشكل خطير في الليل، كما أن المنطقة موطن لأعداد كبيرة من الثعابين السامة والعناكب، والتماسيح في مصادر المياه، والخنازير البرية العدوانية. أما عن التضاريس، فأكد خبراء الأمن أن الأرض الوعرة المليئة بالمنحدرات الصخرية والغابات الكثيفة التي يصعب اختراقها، ومجاري الأنهار التي يمكن أن تتحول إلى فيضانات مفاجئة، جعل من عملية القبض عليه صعبة، معتقدين أن مهارات فريمان في البقاء على قيد الحياة في الأدغال هي العامل الذي أطال أمد المطاردة. وبحسب الشرطة، قبل يوم 26 أغسطس، كان ديزموند فريمان شخصية غير معروفة، ووصفته التقارير بأنه رجل انطوائي، يعيش بمفرده في ملكية متواضعة على أطراف الأدغال، وكان معروفًا ببراعته في البقاء على قيد الحياة في الظروف الصعبة وبحبّه للعزلة، ولديه سجل جنائي قديم يتضمن اتهامات تتعلق بالعنف. في المناطق المجاورة لعمليات البحث، ساد الخوف والقلق في المجتمعات المحلية القريبة، وأصدرت تحذيرات من قبل الشرطة للسكان للإبلاغ عن أي نشاط مريب وعدم الاقتراب من الغرباء، وأغلقت المدارس مؤقتاً، وأُلغيت الفعاليات العامة حتى تنتهى عملية البحث. وحول كيفية نجاة قاتل ضباط الشرطة حتى الآن في تلك الأماكن الوعرة، يعتقد الخبراء أنه ربما بسبب خبرته يعرف كيفية العثور على الماء وإنشاء مأوى، وتجنب المناطق المكشوفة، مما يجعل التكتيكات التقليدية أقل فعالية ويدفع القوات المتعقبة إلى الاعتماد بشكل أكبر على الاستخبارات التكنولوجية والبشرية. السيناريوهات المحتملة ومع استمرار المطاردة لأيام، وضع الخبراء عدة سيناريوهات للنهاية المتوقعة والتي وصفوها بأنها معقدة، حيث يكمن السيناريو الأول في الاستسلام السلمي، وهو السيناريو المثالي للسلطات، حيث تبذل جهود من خلال وسيط محامٍ أو أحد أفراد الأسرة لإقناع فريمان بالاستسلام، ومع ذلك، تبدو احتمالاته ضعيفة نظرًا لعزلته وطبيعة الجريمة. أما السيناريو الثاني فيكمن في احتمالية المواجهة والقبض عليه، وهو بالنسبة للخبراء والمحللين الأمنيين هو السيناريو الأكثر احتمالاً، حيث بمجرد أن تحدد القوات موقعه بدقة، سيتم تطويقه ومطالبته بالاستسلام، وإذا رفض أو فتح النار، فقد تؤدي المواجهة إلى إصابته أو مقتله. ومن أبرز السيناريوهات قتامة، هو تعرضه لمصيره الطبيعي في الأدغال، حيث من المحتمل أن تقضي عليه البيئة القاسية نفسها بسبب الجوع، أو الجفاف، أو هجوم من حيوان، أو مرض، مما يجعل عملية العثور على جثته مهمة طويلة وشاقة لرجال الأمن والقوات والتي يمكن أن تمتد لأشهر. ومع طول فترة البحث عن الجاني، حدث نقاش عام تسبب في انقسام الرأي العام الأسترالي، فبينما أدان الغالبية العظمى فعل إطلاق النار المميت وطالبوا بالعدالة للضباط القتلى، بدأ البعض في التساؤل عن الظروف التي أدت إلى ذلك، متسائلين عن هل كان التفتيش مبرراً؟ وهل كان رد فعل فريمان دفاعًا عن النفس أم هجوما غير مبرر؟ وهل كان يعاني من مشكلات نفسية غير معالجة؟، وهي الأسئلة التي باتت محتدمة على منصات التواصل الاجتماعى. اقرأ أيضا: أستراليا: مقتل وإصابة 3 ضباط شرطة جراء تعرضهم لإطلاق نار في ولاية «فيكتوريا»