هذه الدعوة وقتها لم تكن رد فعل بل كانت قراءة عميقة ورؤية مستقبلية للواقع الجيوسياسى المتصاعد وهو ما تحقق خاصة فى أعقاب ما نعيشه اليوم من انتهاكات. فى لحظة تاريخية حرجة حيث تتكشف التحديات بمعدل ينذر باختبار حقيقى لإرادة الأمة ومقدراتها خرج الكثير من المصريين والعرب الأمس واليوم ليستعيدوا ما جاء فى دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى والتى أطلقها قبل 10 أعوام فى القمة العربية التى عقدت بشرم الشيخ عام 2015 ..الرئيس دعا خلالها إلى تشكيل قوة عربية مشتركة لتصبح الأداة الفاعلة والردع الحقيقى فى مواجهة العواصف التى تهز الأمن القومى العربى واستقرارنا الجماعي. هذه الدعوة وقتها لم تكن رد فعل عاطفياً بل كانت قراءة عميقة ورؤية مستقبلية للواقع الجيوسياسى المتصاعد وهو ما تحقق خاصة فى أعقاب ما نعيشه اليوم من انتهاكات إسرائيلية لسيادة الدول وسلوكياتها الإجرامية والتصريحات الاستفزازية التى تهدد فيها بالذهاب إلى أى مكان لتفعل ما تشاء دون رادع. هذه التصرفات المتطرفة ليست انتهاكاً للقانون الدولى فحسب بل هى اختبار قوى لعزة العرب وكرامتهم وإعلان صريح بأن حالة الضعف والانقسام هى التى تشجع على هذه الاستهانة بالمقدسات والسيادات. التصريحات والاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة تؤكد وجود فراغ ردعى فى المعادلة الإقليمية. هذا الفراغ هو ما يسمح لقادة الاحتلال بالتبجح والتصرف كدولة فوق القانون وفوق سيادة الدول. وجود قوة عربية مشتركة ذات عقيدة عسكرية واضحة وقدرات متكاملة، يملأ هذا الفراغ ويضع حدوداً حمراء لا يمكن تجاوزها. إنها إعادة تعريف لمعادلة القوة حيث يصبح الرد على أى اعتداء أمراً محتملاً وحتمياً مما يفرض كلفة على المعتدي. كذلك الأمن القومى العربى لم يعد مهدداً بالجيوش التقليدية وحدها بل بتنظيمات إرهابية عابرة للحدود وميليشيات مسلحة تديرها دول إقليمية وحروب الجيل الرابع. وجود قوة عربية مشتركة يمكنها أن تكون أكثر مرونة وفاعلية فى مواجهة هذه التحديات، من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنفيذ عمليات مشتركة. هذه القوة ليست «جيشاً موحداً» يذيب الخصوصية بل هى تحالف استراتيجى دائم وقائم على التكامل حيث تحتفظ كل دولة بسيادتها وقرارها السياسى ولكنها تلتزم بالدفاع المشترك والتعاون الأمنى وفق ميثاق واضح يحترم مصالح الجميع. وهو ما يزيل أى حساسيات ويجعل المبادرة قابلة للتطبيق عملياً. الواقع يقول إن الدول العربية مجتمعة تمتلك إمكانيات هائلة، من عدد السكان إلى الثروات الطبيعية والميزانيات الدفاعية. المأساة كانت دائماً فى تفتيت هذه القوة. واجتماع جزء من هذه الإمكانيات تحت مظلة واحدة ولو بشكل تدريجى سينشئ كتلة عسكرية لا يستهان بها قادرة على فرض الاحترام على الساحة الدولية وتحويل الإنفاق العسكرى من شراء أسلحة متنافرة إلى إنتاج وتعزيز صناعة عسكرية عربية مشتركة، مما يعزز الأمن والاقتصاد معاً. القوة العربية المشتركة خطوة من خطوات بناء الذات العربية القادرة على حماية نفسها بنفسها. إن الأمة التى تمتلك إرادة السياسة كما تجسدها هذه الدعوة وتمتلك أدوات القوة، كما ستمثلها هذه القوة العربية هى أمة قادرة على أن تقول «كفى» لأى معتدٍ أو متطاول وأن تحفظ لأبنائها كرامتهم ومستقبلهم. إنها ليست خياراً بين خيارات، بل هى ضرورة وجودية، وواجب قومي، ونداء للتاريخ. وهنا تنعقد الآمال على القمة العربية الإسلامية الطارئة التى ستعقد بالدوحة اليوم وغدا والتى تواجه اختبارًا مصيريًا لإرادة الأمة. لا يمكن لهذه القمة أن تخرج فقط بردود أفعال تقليدية، فبيانات الشجب والإدانة المجردة قد أثبتت إخفاقها الذريع فى ردع العدوان أو حماية المقدسات. العالم بأسره يراقب وآن الأوان لتحويل خطاب الغضب إلى إرادة فعل. يجب أن تتحول هذه القمة إلى منصة لإطلاق عملية تنفيذية حقيقية يكون مقترح القوة العربية المشتركة هو نواتها الصلبة وأولوية جدول أعمالها. يجب أن تخرج القمة بخطة زمنية واضحة وخرائط طريق محددة لوضع هذا المقترح الحيوى قيد التنفيذ الفعلي، وليس حبسَه فى أدراج المؤتمرات والتوصيات. ونؤكد أننا هنا لسنا فى إعلان مواجهة ضد الولاياتالمتحدة أو أى قوى دولية أخرى، ولكننا فى حالة دفاع شرعى عن وجودنا. إن تأكيد سيادة دولنا وحماية أمن مواطنينا هو واجب وضرورة حتمية لا تقبل المساومة أو التأجيل. إنها رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن الحقبة التى كانت فيها الأمة العربية ساحة لتصفية الحسابات أو تنفيذ الأجندات الخارجية قد ولى زمنها إلى غير رجعة. لقد حان الوقت لنتحد ليس فقط بالكلمات، بل بالفعل والسلاح والإرادة. حان الوقت لأن نخرج بكتابة فصل جديد من فصول عزتنا، فصل يُسطر بأحرف من نور وإصرار يعلن للجميع أن الأمة التى أعطت التاريخ والحضارة، قادرة اليوم على أن تأخذ مكانها اللائق بأمنها واستقرارها وسيادتها.