استدعت مخيلتى نظرية أثر الفراشة وأنا أتابع بشغف وحب وحماس ما فعلته الدكتورة رنا دجانى فى الأردن. فكرت فى مبادرة بسيطة جدا، بدأتها بنفسها فقط، وعندما شعرت ببزوغ الأمل فى إمكانية نجاحها وانتشارها، دعت الآخرين ليشاركوها فى تحدى المستحيل، ليصبح حقيقة وواقعا. بدأت الدكتورة الجامعية الحاصلة على أكثر من دكتوراة فى التنمية وإدارة الأعمال والكيمياء الحيوية فى القراءة بصوت عال لأطفال شارعها، اختارت وقت ما بعد صلاة الجمعة حيث تضمن تجمع عدد لا بأس به من أطفال الشارع الذى تقطن به، استأذنت إمام الجامع أن تجلس مع الأطفال فى إحدى باحات المسجد بعد الصلاة لمدة نصف ساعة فقط لتقرأ لهم قصصا لا علاقة لها بالدين، ولا بالدراسة. فقط قراءة للمتعة والفضول والمعرفة. لم يكن الأمر سهلا فى البداية، فى زمن طغت فيه السوشيال ميديا وتطبيقات التليفون المحمول على حياتنا، وبالأخص على أولادنا. لكن الفكرة كبرت بالتدريج، ساعد فى ذلك طريقة القراءة المشوقة، التى تدمج التعبير بالوجه وطبقات الصوت، وحركة الجسد واليدين، بالإضافة للرسوم التى يشاهدها الأطفال أثناء القراءة والموجودة داخل القصة. أطلقت على مبادرتها الصغيرة اسم «نحن نحب القراءة». تحمس لها الفتيات والشباب فى مؤسستها الأهلية، وأصبح كل منهم سفيرا للمبادرة فى عائلته، وشارعه، ومحيطه. انتشرت الفكرة فى الأردن انتشارا مشجعا، تأثر آخرون بما سمعوه وعرفوه عن المبادرة من بلدان شتى. طلبوا من الدكتورة رنا تدريبا يتضمن آليات وقواعد تنفيذ تلك المبادرة فى بلدانهم، وهذا ما حدث، وأصبحت «نحن نحب القراءة» الآن موجودة فى 68 دولة حول العالم، تدعمها أكبر المؤسسات الثقافية فى العالم كله، إيمانا بقيمة الرسالة العظيمة التى تحملها المبادرة. كنت أنا واحدة ممن تحمسوا لمبادرة «نحن نحب القراءة» فطلبت من الدكتورة رنا، ومؤسسة أشوكا للإبداع الاجتماعى أن نتشارك فى نقل المبادرة بآليات تنفيذها كاملة لمصر. رحبت الدكتورة إيمان بيبرس المدير الإقليمى لمؤسسة أشوكا بالفكرة، وبالفعل تم الاتفاق والخطوات التنفيذية لتدريب مجموعة من السفراء ل«نحن نحب القراءة» فى مصر. وكان الاتفاق هو أن تتبنى جمعية أطفال السجينات هذه المبادرة فى مصر. على مدى يومين كاملين التقى الفريقان الأردنى والمصرى: فريق المتطوعين والمتطوعات تحت إشراف سمر أحمد رئيسة وحدة الدعم المتكامل، وقيادة طارق عيسى مدير المشروعات والتخطيط بجمعية أطفال السجينات من مصر، وفريق دكتورة رنا فى الأردن بقيادة المدربة غفران، وأفنان وصبا من الأردن. كانت ورشة عمل رائعة «أون لاين». حرصت أنا والدكتورة رنا وجينى أيمن ومرام على من أشوكا على الحضور والاستمتاع بالتدريب. تحمس الجميع للبدء فورا فى إنشاء مكتبات متفرقة لا جدران لها ولا أثاث، بل مكتبات يتم تأسيسها فى أى مكان، البيت، قاعة فى نادٍ، مساحة متاحة فى مول تجارى، لنقرأ جميعا كل فى مكانه للأطفال مرة كل أسبوع لمدة نصف ساعة. أعشق الأحلام الصغيرة عندما تولد بحب، وتكبر شيئا فشيئا لتصبح واقعا رائعا مؤثرا يتجاوز الزمان والمكان.