تشهد القراءة عزوفا كبيرا، فوفقًا للإحصائيات، يقرأ المواطن العربي بمعدل 6 دقائق سنويًا، بينما الأوروبي 200 ساعة سنويًا، والأرقام تعكس كارثة كبيرة تضرب جلال الثقافة وعبقها، بعدما كانت المنطقة العربية منارة تشييع العلم في كل بقاع العالم، لا سيما آدابها ذات الطبائع المتنوعة التي تدرس في الجامعات العالمية حتى اليوم، يتدهور بها الحال إلى هذا الحد. خلل فكري وثقافي ينتظر الأجيال الصاعدة، التي لم تترب على حب القراءة والبحث عن العلوم المختلفة، لكن كل محبي القراءة والقائمين على الثقافة فى مختلف الدول العربية لم ييأسوا؛ فحملوا القضية على عاتقهم من خلال مبادرات جادة تحاول حث المواطنين على القراءة، عدد منها حقق نجاحًا ملحوظًا ومازال يواصل العمل على أرض الواقع عبر برامج ثقافية ومسابقات تشجيعية، لمواجهة هذا الخطر الداهم، من جانبها، ترصد «البديل» عدد من المبادرات. "نحن نحب القراءة"في الأردن دشنت الدكتورة رنا الدجاني، العالمة الأردنية المتخصصة في بيولوجيا الخلية والمهتمة بالمجال البحثي والتدريسي والمبادرات التطوعية، مبادرة "نحن نحب القراءة" التي تسعى إلى تعزيز ثقافة القراءة لدى الأطفال من سن 4 إلى 10، من خلال تدريب الآباء وعلى القراءة للأطفال بصوت عالِ. وقال الدكتورة رنا الدجاني، في تصريحات سابقة، إن الأطفال في العالم العربي خاصة الأردن ليسوا قارئين لأسباب عديدة، منها عدم تعليمهم حب القراءة منذ الصغر وكيفية الاستمتاع بها، لذا هدفها إيجاد جيل من الأطفال يحب ويستمتع ويحترم الكتاب، من خلال الفعاليات الموجهة للقطاعات المجتمعية المختلفة. ويسعى القائمون على المبادرة إلى تعميمها بين كل الأطفال من خلال ورش عمل تدرب الآباء والمهتمين بالطفل والمعلمين على أسلوب "الحكواتية" أي قراءة القصص بأسلوب جذاب وشيق لإثارة الأطفال وتحفيزهم على شغف القراءة والإطلاع. وتعمل "نحن نحب القراءة" حاليا على مشروع تحت عنوان "مكتبة في كل حي" بالتعاون مع مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط التابعة للخارجية الأمريكية، والذي يهدف إلى غرس حب القراءة الاستمتاعية لدى الأطفال، بالإضافة إلى إشراك الشباب بالعمل التطوعي الاجتماعي، من خلال تدريبهم على فن قراءة القصص للأطفال لينشئوا بدورهم مكتبات للأطفال في أحيائها، بحيث تصبح هذه المكتبات ملكية للشباب بما يضمن استدامتها. وأسهمت "نحن نحب القراءة" في تأسيس 350 مكتبة في الأردن، وتدريب ما يقرب من 800 شخص على أسلوب القراءة بصوت عالِ، ونالت المبادرة عدة جوائز منها "الرياديين الاجتماعيين العرب" من مؤسسة سينرجوس 2009، و"القمة العالمية للإبداع في التعليم" من مؤسسة قطر 2014، ووسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الثانية 2014. كما اختيرت من قبل مؤسسة (أوبن إي دي إي أو) لتكون واحدة من الفائزين السبعة من الشرق الأوسط من أصل 380 فكرة حول العالم، ومساعدتهم من أجل تعميم الفكرة على نطاق واسع، وبالفعل انتشرت الفكرة في 25 دولة منها الأرجنتين وأوغندا والولايات المتحدة. "كتاب ورغيف" في مصر في العام الماضي، انطلقت مبادرة مصرية من قبل وزارتي الثقافة والتموين والتجارة الداخلية تحت عنوان «كتاب ورغيف» بالتزامن مع فعاليات معرض الكتاب في دورته 46، وكان الاسم صادماً بعض الشيء لبعض المثقفين، خاصة أن الهدف من المبادرة كان ترشيد الاستهلاك من الخبز والتشجيع على القراءة وحب المعرفة، فكيف يتم الربط بين الثقافة والخبز، ولعل المبرر الوحيد أن الثقافة هي غذاء العقل أيضا. المبادرة كانت تسعى لتحفيظ الأسر على القراءة من خلال تقديم خصومات تصل إلى 90 % من قيمة الكتاب لحاملي بطاقات التموين بجناح خاص داخل المعرض يحمل اسم المبادرة، وبلغ عدد المشتركين والمستفيدين من المبادرة ألفي و700 شخص والمترددين على الجناح أكثر من 20 ألف مواطن. وسجلت القيمة الإجمالية لحجم مبيعات "كتاب ورغيف" نحو 80 ألف جنيه؛ تم تحصيل منها 8 آلاف جنيه بما يعادل 10%، وفقاً لبيان صادر عن وزارة التموين، وكانت المبادرة تهدف إلى تحفيز الجميع على القراءة وتشجيع الفقراء ومحدودي الدخل على الإقبال على الثقافة والاطلاع دون الخوف من أسعار الكتب المرتفعة، بالإضافة إلى منح ألف أسرة، من التي ستحقق أعلى فارق نقاط سلع كل شهر كتاب مجانا لمدة عام. "قطار المعرفة" في فلسطين لم تعد المكتبة التقليدية مغرية كذي، فقد مل الأطفال من الجلوس على المقاعد والطاولة، فخرجت هذه المبادرة التي تدعو إلى كسر الحواجز وابتكار كل ما هو جديد لتعزيز القراءة داخل المدارس وتعليم الطلاب شغف القراءة والمطالعة من خلال عربة تشبه القطار يجلس داخلها الطالب ويقرأ ما شاء من الكتب المتواجدة داخلها. وأطلق على المبادرة اسم "قطار المعرفة" تقوم عليها جمعية الثقافة والفكر الحر، من خلال تحسين أجواء القراءة التي تساعد الطلاب على الخيال والابتكار والتعلم في بيئة تعليمية سليمة، وشارك الطلاب في تصميم عربة المعرفة التي تعتبر انطلاقة جديدة. كما تعمل المبادرة على تنمية قدرات الطلاب التكنولوجية والأدبية والثقافية والجانب الإبداعي لديهم، ويجول القائمون عليها المدارس وحث الطلاب على القراءة ومناقشة القصص والكتب التي تتناسب مع مرحلته العمرية، بالإضافة إلى إقامة العديد من الأنشطة التربوية، منها الرسم على الجدران برسومات تبرز قيمة القراءة والثقافة. "اقرأ أكثر" في الإمارات تدعم مبادرة "اقرأ أكثر" فكرة القراءة في الأماكن العامة والاستفادة من أوقات الانتظار بالمواصلات في القراءة والتعلم، وتشمل طلاب المدارس والجامعات والعاملين والموظفين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتاأتي ضمن مشروع "تحدي القراءة العربي" الذي أطلقه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات. وتسعى المبادرة إلى ترسيخ ثقافة القراءة لدى جميع فئات المجتمع والمساهمة بشكل فعال في إعداد جيل مثقف في كل المجالات، بأن تكون القراءة ضمن النظام اليومي لكل شخص داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، كما تعمل على تشجيع الطلاب على قراءة أكثر من 50 كتاب على مدار العام. وتعمل "اقرأ أكثر" بشكل واسع على الأرض من خلال افتتاح مكتبات فى المستشفيات وعمل عربات متنقلة فى الشوارع، بالإضافة إلى إنشاء مكتبات في الأماكن العامة ومترو الأنفاق، وقصص صوتية بلغات مختلفة تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومسابقات على كتابة القصص القصيرة بين الطلاب في جميع المراحل العمرية.