أحمد أبوهارون - رضوى شاهبور - محمد نعيم - نوال سيد عبدالله - إبراهيم مصطفى - مروى حسن حسين تتوجه الأنظار نحو انعقاد القمة العربية الإسلامية الإثنين، والتى تنعقد بعد أيام من الهجوم الإسرائيلى على قطر ومحاولة استهداف قادة من حركة حماس المقيمين فيها، الخطوة التى تعد تهديدا مباشرا لدور الدوحة كوسيط رئيسى فى ملفات المنطقة، وعلى رأسها الحرب الدائرة فى غزة. كما تمثل القمة محطة مهمة لتوحيد الموقف العربى والإسلامى تجاه الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني. القمة تعقد على مدار يومين اليوم وغدا حيث تبدأ باجتماعات وزراء الخارجية للدول المشاركة فى القمة للتحضير للقمة، حيث يحاول الوزراء الوصول إلى موقف جماعى موحد داعم لدولة قطر وبالطبع يطالب بوقف الحرب على غزة السبب الرئيسى لكل ما يحدث فى المنطقة. التوقعات تشير إلى مشاركة عربية وإسلامية واسعة وعلى مستوى تمثيل مرتفع فى القمة من أجل صياغة رد موحد تجاه العدوان الإسرائيلى على قطر وإيصال رسالة قوية للتضامن مع قطر ورفض ما حدث. الخارجية القطرية أوضحت أن القمة ستناقش مشروع قرار بشأن الهجوم الإسرائيلى على قطر. رئيس الوزراء وزير الخارجية القطرى الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثانى أكد فى مقابلة تليفزيونية أن المشاركين فى القمة سيقررون مسار الرد، لافتا إلى أن قطر لن تطلب من الشركاء الإقليميين فى المنطقة الرد بطريقة معينة. وشدد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطرى على أن بلاده لا تقبل التهديدات الصادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، مشيرا إلى أن هناك ردا سيكون من المنطقة ويجرى بحثه مع الشركاء الإقليميين. وتمثل القمة محطة لاختبار مدى قدرة العواصم العربية والإسلامية على صياغة موقف موحد يتكامل بين المسارات القانونية والسياسية والدبلوماسية. ومن المتوقع أن تدعم القمة القرارات الصادرة عن القمتين العربية والإسلامية اللتين عقدتا العامين الماضيين فى المملكة العربية السعودية والتى أكدت على مركزية القضية الفلسطينية والدعم الراسخ للشعب الفلسطينى لنيل حقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، وفى مقدمتها حقه فى الحرية والدولة المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، وحق اللاجئين فى العودة والتعويض بموجب قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. يأتى ذلك فى الوقت الذى تصاعدت فيه التصريحات بين قطر وإسرائيل، حيث استنكرت دولة قطر التصريحات التى أدلى بها رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن استضافة دولة قطر لمكتب حركة حماس. وأكدت الخارجية القطرية أن استضافة المكتب تمت فى إطار جهود الوساطة التى طُلبت من دولة قطر من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن نتنياهو يدرك تمامًا أن لهذا المكتب دورًا محوريًا فى إنجاح العديد من عمليات التبادل والتهدئة التى حظيت بتقدير المجتمع الدولي، وأسهمت فى التخفيف من معاناة المدنيين الفلسطينيين والأسرى الإسرائيليين الذين يواجهون ظروفًا إنسانية مأساوية منذ السابع من أكتوبر. وشددت الوزارة على أن المفاوضات كانت تُعقد بشكل رسمى وعلني، وبدعم دولي، وبمشاركة وفود أمريكية وإسرائيلية، وأن محاولة نتنياهو الإيحاء بأن قطر كانت تؤوى وفد حماس سرًا لا تُفهم إلا كمسعى يائس لتبرير جريمة أدانها العالم أجمع. وخلال كلمته أمام جلسة مجلس الأمن أكد محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، أن إسرائيل تقوم بتصعيد بالغ الخطورة، يعد تهديدًا كما أن ما حدث يمثل انتهاكًا سافرًا لسيادة دولة ذات عضوية كاملة فى الأممالمتحدة، قامت به قيادة متطرفة، بعيدة كل البعد عن سلوك الدول المتحضرة المؤمنة بالسلام، وأن انتهاك سيادة دولة تبذل جهودًا حثيثة من أجل وقف إطلاق النار وإنقاذ الأرواح، يضع النظام الدولى برمته أمام اختبار حقيقي، مؤكدًا فى هذا الصدد أن إسرائيل، بقيادة المتطرفين المتعطشين للدماء، تجاوزت جميع الحدود التى تفرضها الأعراف والقوانين الدولية، بل حتى أبسط الأصول الأخلاقية فى التعامل ليس مع الدول، بل حتى بين البشر. ولم يعد ممكنا التنبؤ بما يمكن أن تفعله. وتساءل « فكيف يزورنا مسئولون إسرائيليون للتفاوض، ونستضيفهم على أرضنا، وقياداتهم تخطط لقصفها بعد أيام، ويقصفونها فعلا؟ هل سمعتم عن دولة تهاجم دولة الوساطة بالطائرات الحربية المقاتلة، وتعمل خلال العملية التفاوضية على تصفية أعضاء الوفود التى تفاوضها فى مقر اجتماعاتهم؟. ومن ثم يخرج رئيس وزرائها بتبريرات مشينة، ومقارنات مغلوطة، يحاول فيها شرعنة فعلته التى أدانها العالم أجمع». وأضاف: نحن نؤمن إيمانًا كاملا بالوساطة وحل الصراعات بالطرق السلمية، ويحظى دور قطر هذا بتقدير إقليمى وعالمي. وقد أكدت تجربتنا أن الوساطة القطرية بالشراكة مع جمهورية مصر العربية الشقيقة والولايات المتحدةالأمريكية وما حققته من نتائج ملموسة فى الإفراج عن 148 رهينة من الإسرائيليين والأجانب والمئات من الأسرى الفلسطينيين، وإيصال المساعدات الإنسانية لأهل غزة، حيث تستخدم إسرائيل التجويع سلاحًا. اقرأ أيضًا | الدوحة تستعد لاستضافة القمة العربية والإسلامية الطارئة وسط توترات متصاعدة «قصف الدوحة» يخلط الأوراق.. ويضع واشنطن فى «حرج» الهجوم الذى شنته إسرائيل فى وضح النهار على الدوحة لم يكن مجرد عملية عسكرية محدودة، بل تطور أنهى فعليا أى فرصة ضئيلة لمفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة بين إسرائيل وحماس وفتح الباب واسعا أمام استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية حتى الاحتلال الكامل للقطاع. وقال رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: إن بلاده تبحث مع الشركاء فى المنطقة رداً جماعياً وفاعلاً على الهجوم الإسرائيلي، مؤكداً أن دولة قطر «لن تتهاون بشأن المساس بسيادتها» وتحتفظ بحق الرد على «الهجوم السافر»، موضحاً أن الهجوم كان «إرهاب دولة» وخيانة لمباحثات السلام، مضيفاً أنه «قتل أى أمل» بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وهو ما جعل خطة السلام الأمريكية الجديدة التى تتضمن إطلاق حماس سراح رهائن مقابل وقف إطلاق النار تبدو وعداً أجوف. وأعلنت الدوحة استضافتها قمة عربية إسلامية طارئة اليوم وغداً لمناقشة الهجوم الإسرائيلى على قادة حماس فى العاصمة القطرية، بالإضافة إلى الإعلان عن تشكيل فريق قانونى للرد على الهجوم الإسرائيلي. وأبلغت قطر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أنها «لن تتسامح مع هذا السلوك الإسرائيلى المتهور والتهديد المستمر للأمن الإقليمي»، فى خطوة تشير إلى تصعيد دبلوماسى يفتح باب مواجهة سياسية فى المحافل الدولية. وبدت واشنطن مُرتبكة حيال الهجوم، فتضاربت تصريحاتها بين تأكيد علمها المُسبق بالعملية ونفيه، مما أظهر إدارة ترمب فى موقف دفاعى صعب أمام حلفائها ، حيث ذكرت تصريحات الإدارة الأمريكية علمها المُسبق بالضربة، فى حين أكدت تصريحات دونالد ترمب أنه أبُلغ بها متأخراً مما حال دون تدخله لوقفها، وأخرى أفادت بأنه علم بها من مصادر عسكرية أمريكية لا من نظرائه الإسرائيليين، ووصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت القصف بأنه «أحادى الجانب» ولا يخدم الأهداف الأمريكية أو الإسرائيلية، مع التأكيد على دور قطر «كحليف وثيق» فى جهود السلام. وكتب ستيفن كولينسون، كبير مراسلى «سى إن إن»، أن الضربة انتهكت بشكل صارخ سيادة حليف حيوى للولايات المتحدة، ونقل عن السفير الأمريكى السابق لدى إسرائيل إدوارد جيرجيان، الذى خدم فى ثمانى إدارات أمريكية، أن إسرائيل لا تولى اهتماماً كبيراً لمصالح الأمن القومى الأمريكي، محذراً من أن العملية جاءت فى لحظة حساسة من مفاوضات وقف إطلاق النار. وأثارت تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ردود فعل غاضبة فى العواصم العربية وقلقاً فى الأوساط الدبلوماسية الغربية خشية انزلاق الموقف إلى مواجهة إقليمية أوسع، حيث وجه نتنياهو بعد قصف الدوحة تحذيراً لقطر ولكل الدول التى تؤوى ما سماهم الإرهابيين: «إما أن تطردوهم أو تقدموهم للعدالة، وإذا لم تفعلوا ذلك، فسنقوم نحن بذلك»، وتضمنت التصريحات تهديداً واضحاً لقطر ودول أخرى لم يذكرها، مع تشديده على مواصلة جهود إسرائيل لمحاربة الإرهاب «أينما وُجد»، مستندا إلى مقارنة بين العملية الإسرائيلية وضربات أمريكا بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر، مؤكداً أن إسرائيل تتصرف بنفس النهج الذى اتخذته أمريكا فى ملاحقة الإرهابيين بعد تلك الهجمات. ورأت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الضربة تقوّض دور قطر كوسيط، مشيرة إلى أن الدوحة كانت تمثل القناة الأكثر موثوقية لنقل رسائل التهدئة إلى حماس، ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مصادر قطرية قولها: إن إسرائيل والولايات المتحدة «وعدتا» الشهر الماضى بعدم استهداف مسئولى «حماس» على أراضيها، إلا أن هذا الضمان ثبت أنه «فارغ». واعتبرت وكالة «أسوشيتد برس الأمريكية» أن الضربة لا تبشر بخير لطموحات إسرائيل فى توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، مؤكدة أن هجوم الثلاثاء الماضى يبدد آمال إسرائيل فى التقرب من دول عربية أخرى. وأضافت الوكالة الأمريكية: أن الضربة «ستشكك فى الموثوقية الأمريكية فى المنطقة»، ونقلت عن مسئولى قطر أنهم اعتقدوا أن تصنيف الدوحة حليفاً رئيسياً واستضافتها قاعدة العديد الجوية سيمنحها غطاءً أمنياً، غير أن «تجاهل الولايات المتحدة الواضح لأمن قطر» أثار قلقاً بالغاً فى الخليج، وخاصة وأن هذا الهجوم الثانى على قطر حيث سبق الهجوم الإيرانى السابق على قاعدة العديد الجوية الأمريكية فى قطر، فى رد مباشر على الضربات الأمريكية التى استهدفت منشآتها النووية فى يونيو الماضي، وتمكنت الدفاعات الجوية القطرية من اعتراض معظمها، من دون تسجيل إصاباتٍ أو خسائر بشرية. ولفت ويل تودمان، الزميل البارز فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن دول الخليج لا تريد الاعتماد كلياً على الولايات المتحدة لضمان أمنها، معتبراً أن الضربة ستسرع هذا المسار وتدفع المنطقة نحو بناء منظومات ردع مستقلة أو شراكاتٍ جديدة مع قوى عالمية أخرى. وتطرح الضربة أسئلة جوهرية عن فعالية المظلة الأمنية الأمريكية المتمثلة فى قاعدة العديد الجوية، والتى لم تمنع انتهاكاً مُهيناً لسيادة الدوحة، هذا الأمر زعزع ثقة حلفاء واشنطن بوعودها الأمنية وأعاد طرح تساؤلاتٍ حول قدرة ترامب على ردع نتنياهو. وتُعقد موقف ترامب فى الخليج، الذى تسلم طائرة «بوينج 747» من قطر لتكون طائرة رئاسية جديدة فى بداية العام، حيث يرى محللون أن مصداقية ترامب أمام قطر والخليج تحتاج إلى إصلاحاتٍ جادة إذا أراد استعادة الثقة واحتواء تداعيات الأزمة الحالية. ويبقى مستقبل الأزمة مفتوحاً على عدة سيناريوهات متناقضة إما تصعيد ميدانى يقود إلى مواجهة أشد دموية فى غزة، أو انطلاق مسار دبلوماسى واسع تقوده قطر وحلفاؤها عبر القمة العربية الإسلامية المُرتقبة فى الدوحة لإعادة ضبط قواعد اللعبة، وفى حال فشل هذا المسار، قد تواجه واشنطن ضغوطاً متزايدة لإعادة بناء الثقة مع شركائها الخليجيين وتحديد موقف أكثر صرامة من تل أبيب لمنع انهيار كامل لمسار السلام، وفى المقابل، يظل خيار التصعيد الإقليمى مطروحاً مع احتمال لجوء دول الخليج إلى إعادة تشكيل منظومات أمنها بعيداً عن المظلة الأمريكية. إسرائيل.. صراع أجهزة بعد إخفاق الشاباك ونجاحات الموساد وصلت نشوة إسرائيل المبكرة إلى أقصى مداها بعد تنفيذ عملية «قمة النار»، التى حاولت بها استهداف قادة حماس فى العاصمة القطريةالدوحة، بعد قرار تفعيل سياسة التصفية ضد قادة الحركة فى الخارج بأوامر شخصية من نتنياهو؛ لكن تباهى أجهزة تل أبيب بأداءات العملية، ودقة التخطيط لها، تحطم على صخرة الواقع، وأظهرت تحقيقات إسرائيلية، تلت العملية ب48 ساعة فى غرفة عمليات جهاز الأمن العام (الشاباك) فشل «قمة النار» فى تحقيق أهدافها. ورغم أن نتائج تحقيقات إسرائيل عزت الإخفاق إلى استخدام «ذخائر صغيرة»، بداعى الحرص على عدم امتداد آثار العملية لمبانٍ مجاورة للفيلا المستهدفة، إلا أن تلك السردية حول تواضع تسليح أدوات التنفيذ، والتى أطلقتها تل أبيب حتى قبل زوال غبار العملية من سماء الدوحة، غايرت تبريرات الفشل، وهو ما يؤكد أن الغرض من العملية لم يقتصر فقط على تصفية قادة حماس، وإنما شمل محاولة بائسة لترسيخ الردع الاستراتيجى الإسرائيلى على المستوى الإقليمي، لا سيما فى ظل تآكله مع إخفاقات الجيش الإسرائيلى فى تحقيق أهداف العدوان على قطاع غزة. وخلافًا لتقديرات نتائج لجنة التحقيقات، التى تناقضت وأساليب «استعراض جوفاء»، دأبت على تسويقها أجهزة الأمن الإسرائيلية بما يخالف الواقع، قالت صحيفة «معاريف» حتى قبل عودة مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلى أدراجها من مسافة 1.800 كيلو متر، إن الوحدة «نيلي» المكلفة بالعملية فى جهاز الأمن العام (الشاباك)، استعانت ب10 طائرات حربية، حملت كل واحدة منها طنًا من المواد المتفجرة، ما يعنى بعبارة أخرى إسقاط 10 أطنان من المتفجرات على الفيلا المستهدفة فى الدوحة، وهو ما يخالف تبرير فشل العملية باستخدام «ذخيرة صغيرة»! وفى محاولة لتعظيم دقة الإعداد التى استبقت العملية، وتضارب الآراء التى انطوت عليها، أشار تقرير الصحيفة العبرية إلى أن رئيس الموساد دافيد بارنيع، وافق على العملية، لكنه أبدى تحفظًا على التوقيت، وارتأى إمكانية إرجائها إلى ما بعد الانتهاء من مفاوضات إعادة الرهائن، ووقف إطلاق النار فى قطاع غزة، لا سيما وأن الشروع فى تنفيذ عملية الدوحة، تزامن مع مقترح جديد للمبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف، يحدد آليات جديدة للخروج من الأزمة، لكن نتنياهو ومعه وزير الدفاع يسرائيل كاتس، رفضا تحفظات بارنيع، وواصلا الاطلاع على معلومات جهاز الأمن العام، التى أكدت تجمُّع 6 من قادة حماس فى الفيلا المرصودة بالدوحة، وأبدت فى تقديراتها أن إصابة الهدف حاليًا يعد «فرصة عملياتية نادرة، يمكنها تصفية أقطاب حركة حماس المجتمعين فى منزل القيادى خليل الحية، الذى يشغل أيضًا منصب رئيس فريق التفاوض فى حماس». ربما يتناغم تقدير جهاز الأمن العام الإسرائيلي، وإصراره على تمرير العملية فى هذا التوقيت، خلافًا لرأى رئيس الموساد دافيد بارنيع، مع تأكيد مراقبين رغبة إسرائيل فى الاستمرار فى عدوانها على قطاع غزة عبر اصطياد رؤوس القيادات الحمساوية المعنية بالتفاوض مع الوسطاء، خاصة أن حضور غرفة عمليات جهاز الأمن العام بما فى ذلك نتنياهو وكاتس، قرروا «إرجاء ملف المقترح الأمريكى الخاص بوقف الحرب فى قطاع غزة لأجل غير مسمى، والتركيز فى عملية الدوحة، التى أصروا على تسميتها ب«قمة النار». وفق تعبير «معاريف»، لعدة ساعات، وقبل تلقى الأوامر، تأهب قادة المقاتلات الإسرائيلية العشرة للانطلاق، لا سيما وأنه كان من المفترض أن يتأكد جهاز الأمن العام (الشاباك) من انعقاد اجتماع قادة حماس فى المبنى المستهدف، فضلًا عن تأكيد معلومات مشاركة القيادات الحمساوية العليا فيه؛ وفى نهاية المطاف، تم الحصول على الموافقة للإقلاع قبل ساعات قليلة من بدء الاجتماع. وبعد إخفاق الوحدة «نيلي» التابعة لجهاز الأمن العام فى تحقيق نتائج عملية الدوحة، خيمت حالة من الامتعاض وربما «التشفي» على دوائر الموساد التى أبدت تحفظًا على تمرير العملية فى هذا التوقيت، وظهر الفارق واضحًا بين أداءات وحدة «نيلي»، ونظيرتها «قاطعى الرؤوس» فى الموساد، التى نفذت عمليات مناظرة فى إيران، وأطلقت عليها فى حينه «الزفاف الأحمر»، واستهدف بها الموساد اصطياد وتصفية نخبة القيادات الإيرانية خلال حرب يونيو الماضي، المعروفة إعلاميًا بحرب ال12 يومًا. وحينها، نقل موقع «نتسيف» العبرى عن دوائر استخباراتية فى تل أبيب أن «إسرائيل كانت تراقب كبار العلماء النوويين الإيرانيين منذ أواخر عام 2022، وكانت تدرس خططًا لتصفيتهم منذ أكتوبر الماضي، لكنها أرجأت العملية لتفادى الصدام مع إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن آنذاك». نهاية وَهْم الحماية الأمريكية! فى خطوة غير مسبوقة وخطيرة، نفذت دولة الاحتلال الإسرائيلى فى التاسع من سبتمبر الجارى غارة جوية على العاصمة القطريةالدوحة، استهدفت قيادات فى حركة حماس وأسفرت عن مقتل ستة أشخاص، بينهم عنصر من جهاز الأمن القطرى. ولم تقتصر تداعيات العملية على قطر وحدها، بل أعادت رسم خطوط الصراع فى المنطقة، وأثارت تساؤلات عميقة حول مستقبل التحالفات الإقليمية ومفهوم الأمن الجماعى فى الخليج. الأهم أن الضربة نسفت، فى نظر كثيرين، المقولة التى طالما روجت لها واشنطن بأن مظلتها الأمنية قادرة على حماية أراضى حلفائها الخليجيين من أى تهديد خارجي، بحسب ما جاء فى تقرير نشره مركز كارنيجى للشرق الأوسط. جاء الرد الخليجى سريعاً عبر إدانات رسمية وزيارات تضامنية للدوحة من قادة خليجيين، بينهم الشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات. لكن خلف هذه المظاهر البروتوكولية، يبرز مأزق عميق: ما الأدوات التى تملكها دول الخليج لردع إسرائيل أو فرض تكلفة على سلوكها العسكرى المتصاعد؟ دعا محللون خليجيون إلى استخدام «الأدوات المتاحة»، مثل الضغط الدبلوماسى والمالي، لكنهم يعترفون بأن قدرة مجلس التعاون على التأثير فى تل أبيب تكاد تكون منعدمة فى ظل الدعم الأمريكى غير المشروط لإسرائيل. وتبدو الخيارات محدودة: فالمواجهة المباشرة عسكرياً أو عبر مقاطعات اقتصادية ليست مطروحة، والاعتماد على واشنطن لم يعد مضموناً، خاصة أن إدارة ترامب لم تُظهر أى استعداد لفرض قيود على إسرائيل سواء عبر المساعدات أو صفقات السلاح. بل إن سياسات بنيامين نتنياهو الحالية تقوم على استثمار الصراع المفتوح للبقاء فى الحكم، لا على السعى للتقارب مع الخليج. ولم تقتصر تداعيات الغارة على الخليج. ففى المغرب، الذى وقَّع اتفاق تطبيع مع إسرائيل فى 2020 مقابل اعتراف أمريكى بسيادته على الصحراء الغربية، ارتفع مستوى الغضب الشعبى ضد استمرار العلاقات مع تل أبيب. وأصدرت وزارة الخارجية المغربية بياناً شديد اللهجة أدان «العدوان الإسرائيلى الغاشم» واعتبره انتهاكاً لسيادة قطر، لكن لغة البيان بقيت أقل حدة مقارنة بجيران المغرب، ما يعكس براجماتية رسمية تحاول الموازنة بين الضغوط الشعبية والمكاسب الاستراتيجية التى حققها المغرب من التطبيع. رغم أن الشارع المغربى بات أكثر رفضاً للتطبيع (حيث هبطت نسبة المؤيدين من 31% قبل حرب غزة إلى 13% فقط بعدها)، إلا أن القيادة المغربية تعتبر أن التراجع عن الاتفاق قد يهدد المكتسبات السياسية المرتبطة بالصحراء الغربية، إضافة إلى العلاقات الاقتصادية والعسكرية المتنامية مع إسرائيل. على الجانب الإيراني، وفرت الضربة فى قطر مادة إضافية لتعزيز السردية التقليدية لطهران بأن إسرائيل تشكل تهديداً شاملاً للمنطقة، لا يرتبط بالصراع مع إيران وحدها. لكن فى المقابل، أثارت العملية قلقاً عميقاً فى طهران: إذا كان هذا قد حدث على أرض قطر، الدولة الحليفة لواشنطن والمصنفة «حليفاً رئيسياً من خارج الناتو»، فما الذى يمنع استهداف إيران نفسها بشكل مباشر؟ ويتضاعف هذا الشعور بالتهديد إذا ما قورن بذكرى حرب يونيو 2025، حين شنت إسرائيل والولايات المتحدة حملة قصف واسعة استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية وأدت إلى مقتل نحو ألف شخص. ورغم وقف إطلاق النار الهش، فإن التوتر لا يزال قائماً، والضربة على قطر قد تفتح الباب أمام موجة جديدة من التصعيد. منذ السابع من أكتوبر 2023، لم تتورع إسرائيل عن انتهاك سيادة دول عدة: إيران، لبنان، سوريا، اليمن، والآن قطر. هذه الانتهاكات، مقرونة بتصريحات نتنياهو حول «إسرائيل الكبرى» وسياسات الضم فى الضفة الغربية، تؤكد أن الأولوية الحقيقية للحكومة الإسرائيلية الحالية ليست السلام بل التوسع والتهجير. ويضعف هذا النهج فرص أى تقدم فى مسار التطبيع فالمملكة العربية السعودية، التى كانت محور رهان أمريكى لتوسيع اتفاقيات أبراهام، تجد نفسها أمام معادلة مستحيلة: لا يمكنها المضى فى اتفاق تطبيع شامل دون حل واضح وعادل للقضية الفلسطينية. وجعلت الضربة على قطر، الحليف الأمريكى والخليجي، أى حديث عن «سلام إقليمي» من دون دولة فلسطينية أقرب إلى الوهم. وما تكشفه الأحداث الأخيرة هو أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تمارس سلوكاً وصفه خبراء بأنه «مارق إقليمياً». فبدلاً من السعى لإنهاء الحرب فى غزة عبر الوساطات، تلجأ إلى اغتيال المفاوضين المحتملين على أرض دولة وسيطة مثل قطر. ويقوض هذا السلوك أى محاولات تسوية سياسية، ويعزز المخاوف من أن إسرائيل اختارت خيار الحرب المفتوحة كأداة إدارة للأزمة الداخلية والإقليمية. فلم تحقق الضربة على الدوحة لإسرائيل مكاسب استراتيجية واضحة مثل اغتيال قيادات فى حماس، لكنها عمقت من عزلتها الإقليمية، وفتحت الباب أمام إعادة تموضع خليجى وربما دولى فى مواجهة سياسات إسرائيلية عدوانية وغير منضبطة فى الوقت نفسه، ساهمت فى إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، ليس فقط كقضية إنسانية بل كمدخل رئيسى لأى استقرار حقيقى فى المنطقة. لقد أثبتت هذه الضربة أن الاستقرار الإقليمى لم يعد ممكناً دون معالجة جذرية للقضية الفلسطينية، وأن التطبيع مع إسرائيل فى ظل سياسات التوسع والضم والعدوان لن يحقق سوى المزيد من الأزمات، سواء فى الخليج أو شمال إفريقيا أو المشرق العربى. رسالة أمل من القاهرة |انفراجة فى الملف النووى الإيرانى بفضل جهود مصر الدبلوماسية فى وقت كانت مؤشرات التصعيد تجاه إيران تتزايد، جاء اتفاق استئناف التعاون الفنى بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لتبعث «رسالة أمل» من القاهرة التى قامت بجهود مضنية للتوفيق بين الجانبين، واحتضنت الأسبوع الماضى أول لقاء بين وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى والمدير العام للوكالة رافائيل جروسى بعد نهاية الحرب الإيرانية الإسرائيلية فى يونيو الماضي. ومثّل اتفاق القاهرة قفزة هائلة فى علاقات إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، التى علقت رسمياً عقب حرب ال12 يوماً الإسرائيلية الإيرانية، حيث اعتبرت طهران أن تقرير الوكالة فى نهاية مايو كان تمهيداً عملياً لطريق الهجمات الإسرائيلية الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية. وخلال الأسابيع الأخيرة تصاعد التوتر فى الملف النووى الإيراني، بعد إعادة تفعيل الترويكا الأوروبية (بريطانياوفرنسا وألمانيا) ما يعرف ب»آلية الزناد» لفرض العقوبات على إيران لعدم امتثالها للاتفاق النووى وتجاوزها الحدود المقررة بشأن تخصيب اليورانيوم منذ سنوات. وسط هذا المشهد المعقد استأنفت الدبلوماسية المصرية تحركاتها المكثفة لنزع فتيل التصعيد فى المنطقة، ولتفويت الفرصة على الدول التى تريد توسيع دائرة الصراع، حيث كان حضور القاهرة لافتاً فى ملف معقد تتواصل فصوله منذ عقود، خاصة مع التصاعد الملحوظ فى الاتصالات بين مسئولى مصر وإيران فى العامين الماضيين. ولم تكن مصر من الأطراف الفاعلة فى الملف النووى الإيرانى إلا منذ عدة أشهر، حين بدأت الاتصالات المكثفة من وزير الخارجية د. بدر عبد العاطى مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران والقوى الفاعلة الأخرى فى الملف، وذلك بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسى بالعمل على لعب دور فى تهيئة الأجواء للاستقرار فى الشرق الأوسط. وبالفعل نجحت الدبلوماسية المصرية فى جمع جروسى وعراقجى فى القاهرة فى 2 يونيو الماضي، لكن آلة التصعيد الإسرائيلية أحبطت مساعى الحل بشن هجماتها على طهران بعد 10 أيام من اجتماع القاهرة. استأنفت مصر اتصالاتها النشطة عقب وقف إطلاق النار، فبين يونيو الماضى وسبتمبر الجارى التقى د. بدر عبد العاطى أو تحدث هاتفياً مع نظيره الإيرانى فى نحو سبع مناسبات مختلفة، وبالتوازى مع ذلك، التقى عبدالعاطى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أو تحدث معه هاتفياً فى خمس مرات جميعها تتعلق بإعادة تنشيط مسار التفاوض مع إيران وتعزيز المسار السياسى والدبلوماسى فى شأن ملفها النووي، بالإضافة إلى الاتصالات المكثفة التى يجريها عبد العاطى مع مسئولى الدول الفاعلة فى الملف النووى مثل فرنساوبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وروسيا. وجاء أحدث لقاء مباشر جمع الوزيرين عبد العاطى وعراقجى خلال منتدى بليد فى سلوفينيا فى الأول من سبتمبر الجاري، حيث بحثا الجهود الحثيثة التى تبذلها مصر بالتنسيق مع الأطراف المعنية لخفض التصعيد فى المنطقة وتهيئة الظروف لاستئناف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووى الإيراني، خاصة عقب بدء تفعيل آلية فرض العقوبات الأممية «سناب باك» من خلال مجلس الأمن. الدبلوماسية الهادئة التى اتبعتها مصر ترجمت فى النجاح بجمع جروسى وعراقجى لأول مرة بعد الحرب، وبعد مفاوضات مضنية استمرت ساعات، دفعت ثقة الجانبين فى الوساطة المصرية إلى التوصل لاتفاق استئناف التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وحظيت جهود مصر بترحيب كبير من عراقجى وجروسي، حيث أعربا فى كلمتهما عقب توقيع الاتفاق عن شكرهما لرعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى جهود التوصل إلى اتفاق، بالإضافة إلى الاتصالات الحثيثة التى أجراها د. بدر عبد العاطي، خاصة أن الرئيس السيسى حرص على استقبالهما قبيل توقيع الاتفاق. وفى اليوم التالى للاتفاق حرص الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان على الاتصال بالرئيس السيسى للإعراب عن تقديره للدور المصرى فى رعاية الاتفاق. ورغم الاتفاق المشجع إلا أن الوزير عبد العاطى أشار عقب توقيعه إلى أن الطريق مازال طويلاً لحل أزمة الملف النووى الإيراني، حيث من المتوقع أن تقدم طهران تقريراً عن مخزوناتها من اليورانيوم، وبعد ذلك ستواصل إيران والوكالة التفاوض بشأن كيفية دخول المفتشين بأمان إلى المواقع التى قصفتها إسرائيل والولايات المتحدة فى يونيو الماضي، إذ رجح دبلوماسيون أن تبدأ عمليات التفتيش الشهر المقبل، وفق ما نقلته وكالة بلومبرج الأمريكية، التى أشارت إلى أنه سيتقرر خلال الأسبوعين المقبلين ما إذا كان الاتفاق بين عراقجى وجروسى سيكون كافياً لتجنب إعادة فرض العقوبات الأممية التى لوّحت بها الترويكا الأوروبية. وتهدد احتمالية إعادة فرض العقوبات مسار التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ أشار عراقجى خلال كلمته بالقاهرة إلى أن بلاده إذا تعرضت إلى «إجراء عدائي» بما فى ذلك إعادة العقوبات فإن مسار التعاون سيعد منتهياً. وتملك إيران مهلة حتى 28 سبتمبر الجاري، لإقناع فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بأنها مستعدة لاستئناف التعاون مع الوكالة الأممية. لذلك، واصل وزير الخارجية اتصالاته مع القوى الكبرى بشأن الملف النووى الإيرانى حيث أجرى سلسلة اتصالات هاتفية مع كل من الممثلة العليا للشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبى، ووزراء خارجية فرنسا والسعودية وسلطنة عُمان، والمبعوث الأمريكى الخاص للشرق الأوسط، وأوضح لهم أن اتفاق القاهرة يحدد خطوات عملية للتحقق وزيادة إجراءات الشفافية، بما يمثل إطاراً عملياً جديداً لاستعادة الثقة المتبادلة بين إيران والوكالة، ونقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة فى العلاقة بين الطرفين تتسم بمزيد من الشفافية تسهم فى معالجة الشواغل الفنية. لبنان.. سلاح حزب الله يراوح مكانه فى ظل غياب القدرة على الحسم يعيش لبنان منذ سنوات طويلة فى ظل معادلة معقدة عنوانها الأبرز حزب الله. فالحزب، الذى نشأ فى ثمانينيات القرن الماضى فى ظروف الاحتلال الإسرائيلى للبنان، لم يعد مجرد تنظيم مقاوم يحمل السلاح بوجه العدو، بل تحوّل فى ذاته إلى «سلاح» ، كأداة نفوذ و قوة سياسية وعسكرية تشكّل ركناً أساسياً فى المشهد اللبنانى. هذا «السلاح» الذى مكّن الحزب من فرض نفسه لاعباً لا يمكن تجاوزه، يجد نفسه اليوم أمام مأزق داخلى عميق، فهو موجود بقوة لكنه غير قادر على الحسم، حاضر فى كل المعادلات لكنه فى الوقت نفسه مقيّد بجملة من التناقضات التى تمنعه من التقدم إلى الأمام أو التراجع إلى الوراء. فى المشهد اللبنانى الداخلى، يبدو حزب الله أشبه بجسم سياسى ضخم يضغط على بنية الدولة، لكنه لا يملك القدرة على أن يكون بديلاً لها. فالحزب يشارك فى الحكومات، وله حضور فى البرلمان، لكنه يحافظ على خصوصيته كقوة فوق الدولة، ما يجعل العلاقة بينه وبين مؤسساتها علاقة ملتبسة تقوم على التعايش القسرى أكثر من كونها شراكة طبيعية. هذا التعايش يطرح تساؤلات حول معنى السيادة، وحول قدرة النظام السياسى اللبنانى على استعادة زمام المبادرة فى ظل وجود «سلاح» يفرض إيقاعه الخاص على مجمل الحياة العامة. المعضلة الأساسية التى يعيشها لبنان مع حزب الله هى أن الحزب يمسك بخيوط دقيقة تمنع الدولة من اتخاذ قرارات سيادية مستقلة فى القضايا الكبرى، من الحرب والسلم إلى السياسة الخارجية، من دون أن يقدم حلولاً بديلة للأزمة. وهكذا يراوح الوضع بين دولة مشلولة عاجزة عن المبادرة، وحزب قادر على التعطيل لكنه غير قادر على بناء نموذج حكم شامل. وهذا ما يجعل الحزب ذاته معلقاً بين كونه أداة ردع وبين كونه سبباً للانسداد السياسى. الأزمة الاقتصادية التى ضربت لبنان منذ عام 2019 زادت من تعقيد الموقف. فشرائح واسعة من اللبنانيين بدأت تنظر إلى حزب الله ليس فقط باعتباره جزءاً من التركيبة السياسية التقليدية المسؤولة عن الفشل، بل أيضاً باعتباره عنصراً أساسياً فى ربط لبنان بالمحاور الإقليمية، ما فاقم العزلة العربية والدولية. وبقدر ما يرى الحزب نفسه حامياً للبنان فى وجه إسرائيل، ينظر إليه خصومه على أنه أحد أسباب انهيار الثقة مع العالم العربى والخليج تحديداً، الأمر الذى انعكس مباشرة على الدعم المالى والاستثمارى للبنان. بهذا المعنى، أصبح الحزب كسلاح داخلى يحقق نوعاً من التوازن الخارجي، لكنه يضعف قدرة البلد على استعادة عافيته الاقتصادية. المجتمع اللبنانى نفسه بات أكثر انقساماً حول موقع الحزب فبينما لا يزال قطاع من اللبنانيين، خصوصاً فى البيئة الشيعية، يعتبر الحزب الضمانة الأساسية لحماية لبنان من العدوان الإسرائيلى، ترى قوى سياسية ومدنية واسعة أن استمرار هيمنة الحزب على القرار الوطنى يحرم لبنان من إمكانية استعادة دوره الطبيعى كدولة مستقلة ذات سياسة متوازنة. هذا الانقسام يعكس حقيقة أن الحزب كسلاح بات عاجزاً عن إنتاج إجماع وطنى، وهو ما كان يشكّل أحد مصادر قوته فى الماضى، بل تحوّل إلى محور نزاع دائم داخل النسيج الاجتماعى والسياسي. يبدو حزب الله أيضاً عالقاً فى معادلة الردع مع إسرائيل. فهو يملك القدرة على إيلام العدو عبر صواريخه الدقيقة وقدراته العسكرية، لكنه يدرك فى الوقت ذاته أن أى مواجهة شاملة قد تؤدى إلى تدمير لبنان بشكل كامل، وهو ما لا يحتمله البلد المنهك اقتصادياً واجتماعياً. لذا يظل الحزب فى حالة «حرب باردة» على الحدود: مناوشات محسوبة، رسائل ردع متبادلة، من دون انزلاق إلى حسم. هذا الجمود يعكس بدقة حالة الحزب كسلاح: قوة هائلة لكنها محكومة بخطوط حمراء لا يستطيع تجاوزها. على الصعيد السياسى الداخلى، يواجه الحزب تحدياً إضافياً يتمثل فى علاقته بالطبقة السياسية اللبنانية. فهو يدعم حلفاءه، ويستخدم نفوذه لترجيح كفة هذا الطرف أو ذاك فى رئاسة الجمهورية أو تشكيل الحكومة، لكنه فى النهاية جزء من منظومة عاجزة عن الإصلاح. أى أن الحزب، بقدر ما هو قوة مستقلة، يبقى متشابكاً مع بنية فاسدة ومترهلة، ما يفقده القدرة على تقديم نفسه كبديل وطنى قادر على إنقاذ البلد. وهنا تتضح مفارقة كبرى: فالحزب كسلاح لا يستطيع حسم المعركة ضد الفساد أو الانهيار، بل يجد نفسه متورطاً فى حماية نظام عاجز من أجل استمرار نفوذه. السيناريوهات المستقبلية لحزب الله فى الداخل اللبنانى تبقى مفتوحة على عدة احتمالات. السيناريو الأول هو استمرار الوضع الراهن، أى بقاء الحزب كسلاح يراوح مكانه، قوة ردع خارجية وتعطيل داخلي، من دون حسم. هذا السيناريو يعنى استمرار الانهيار اللبنانى وتفاقم الأزمات. السيناريو الثانى هو أن يؤدى الضغط الاقتصادى والاجتماعى المتزايد إلى انفجار داخلى، ما قد يضع الحزب فى مواجهة مع بيئته أو مع قوى لبنانية أخرى، وهو احتمال لا يزال بعيداً لكنه غير مستبعد إذا ما استمرت الأزمة بلا حلول. السيناريو الثالث هو اندماج تدريجى للحزب فى مؤسسات الدولة عبر تفاهم داخلى أو خارجى يفرض عليه إعادة تعريف دوره، وهو احتمال يظل معلقاً على تحولات كبرى فى الإقليم وعلى قرار إيرانى قبل أن يكون لبنانياً. فى كل هذه السيناريوهات، يبقى حزب الله كسلاح فى معادلة مجمدة: لا هو قادر على حسم الصراع مع إسرائيل أو فرض نموذج حكم داخلى، ولا خصومه قادرين على نزع سلاحه أو تحجيمه بشكل فعلى. وبين هذين العجزين يظل لبنان رهينة توازن هش، يدفع ثمنه شعبه فى الاقتصاد والسياسة والهوية الوطنية. وفى المحصلة، يظهر الحزب كسلاح مجازى لا يزال قائماً بقوة، لكنه يراوح مكانه فى غياب القدرة على الحسم، منتظراً تحولات كبرى إقليمية ودولية قد تعيد رسم المشهد وتحدد مصيره ومصير لبنان معه.