في زمنٍ بات فيه الطفل أقرب إلى شاشة هاتفه من حضن أمه، وفي عصر صار اللعب الافتراضي بديلا عن اللهو في الشوارع والرياضة في النوادي يجلس ابنك داخل غرفته، يضحك ويصرخ من الفرحة، عيناه مثبتة في شاشته الصغيرة.. وانت مطمئن كونه يلعب لعبة أطفال اسمها «روبلوكس»، لكن الحقيقة أبشع مما تتخيل، فهي ليست مجرد لعبة ، بل هي مدينة كاملة مفتوحة.. لا يوجد بها شرطة، أو قانون، لا يوجد أي ضمان أن الذي يقف امام ابنك في العالم الافتراضي طفل مثله، قد يكون رجل في الخمسين يتحرش به.. أو نصاب يستدرجه ليسرق منه أموالا.. أو ربما مجموعة تستدرجه لطقوس غريبة، للاسف هوعالم يذوب فيه الخط الفاصل بين الواقع والافتراض. يجد ملايين الأطفال والمراهقين أنفسهم غارقين في لعبة تبدو بريئة ومسلية، لكنها تحمل بين طياتها ما قد يحطم براءتهم ويشوه عقولهم. تفاصيل أكثر إثارة سوف نسردها لكم داخل السطور التالية. السنوات الأخيرة تحولت لعبة روبلوكس من مجرد منصة ترفيهية للأطفال والمراهقين إلى عالم افتراضي كامل يجذب ملايين المستخدمين يوميًا، لعبة تبدو للوهلة الأولى بريئة، مليئة بالألوان والشخصيات الكرتونية، لكنها تحمل في طياتها عوالم مظلمة من الانحراف والإدمان والاستغلال، فهي قنبلة موقوتة، تحولت مع مرور السنوات إلى وحشٍ صامت يتسلل إلى العقول الصغيرة دون أن يطرق بابًا أو يستأذن ولي أمر، كما ظهرت كمساحة مفتوحة بلا رقابة يدخلها البريء والمجرم الصغير والكبير، الباحث عن المتعة والمستغل الباحث عن فريسته، ففي حقيقة الامر تبدو «روبلوكس» في ظاهرها مجرد لعبة رقمية لكنها في حقيقتها عالم موازي يعيش فيه أكثر من 70 مليون مستخدم يوميًا، بينهم أطفال لا يتجاوز عمرهم سبع سنوات، لكن للاسف وسط هذا الزحام الرقمي، تنتشر ظواهر التحرش.. الابتزاز.. والشذوذ، في ظل غياب رقابة صارمة من الشركة المطورة أو من الأهل، وهنا تكمن المأساة وتبدأ الكارثة. روبلوكس لعبة تأسست عام 2006، ليست مجرد لعبة واحدة، بل منصة ضخمة تحتوي على ملايين الألعاب التي يصنعها اللاعبون أنفسهم، وهذا في ظاهره يمنح الطفل مساحة من الإبداع والحرية، لكنه في جوهره فتح الباب واسعًا أمام محتويات لا تخضع لأي رقابة حقيقية، فبينما يدخل الطفل إلى لعبة لتصميم منزل أو قيادة سيارة، قد يجد نفسه في لعبة أخرى تروج للعنف أو الشذوذ الجنسي أو حتى طقوس غريبة أقرب إلى عبادة الشياطين، وللاسف مع غياب الرقابة يصبح كل شيء مباحًا، ويصبح الطفل فريسة سهلة لمطورين لا يعرف أحد نواياهم ولا حدود مخيلاتهم، الكارثة الأكبر أن «روبلوكس» صارت أرضًا خصبة لما يسمى ب «التجنيد الرقمي»، حيث يستغل البعض المنصة لاستقطاب الأطفال وإدخالهم في مجموعات مغلقة تمارس داخلها أفعالًا غير أخلاقية، بدءًا من الحوار عن الجنس والشذوذ، وصولًا إلى مشاركة صور وعبارات إباحية مبطنة، فبالرغم من أن الشركة المالكة ترفع شعارات عن الرقابة والحماية، إلا أن الواقع داخل غرف المحادثة وسيرفرات يكشف عن وجه آخر حيث يجد الأطفال أنفسهم في مواجهة ذئاب بشرية متخفية وراء شخصيات كرتونية بريئة، فتصميم «روبلوكس» قائم على إتاحة الحرية الكاملة للمستخدمين لصنع ألعابهم الخاصة داخل المنصة. وهو ما يبدو إيجابيًا للوهلة الأولى، إذ يمنح الأطفال فرصة لاكتشاف الخيال والبرمجة والتفاعل، لكن هذه الحرية بلا ضوابط تحولت إلى ثغرة خطيرة، فداخل اللعبة يمكن لأي طفل أن يدخل غرف لا تحمل أي إشراف حقيقي، وبلمح البصر يجد نفسه أمام محتوى صادم، والأدهى أن بعض هذه الغرف يروج لها. اقرأ أيضا: منصة ألعاب أم فخ إلكتروني؟.. «روبلوكس» في مرمى الحظر بتهمة «تهديد الأطفال» عملة رقمية كما أن اللعبة تعتمد على عملة رقمية تسمى Robux، يمكن شراؤها بأموال حقيقية وهنا يبدأ باب جديد من الخطر، فالمتحرشون أو المستغلون يعرضون على الأطفال هدايا وأموال افتراضية مقابل تنفيذ طلبات غير لائقة، وهو ما يفتح الباب أمام الابتزاز، فمن الممكن لطفل في عمر العاشرة قد يرى أن مئات الRobuxفرصة كبيرة، دون أن يدرك أنه يبيع شيئًا من براءته، الخطير أيضًا أن بعض الأطفال يشاركون بيانات شخصية أو صورًا حقيقية بدافع الثقة، قبل أن يتحول الأمر إلى تهديد وابتزاز عبر وسائل التواصل، برغم أن اللعبة موجهة للأطفال بالأساس، إلا أن المحتوى الداعم للشذوذ منتشر بوضوح، فشخصيات بألوان أعلام المثليين، ملابس وإكسسوارات رقمية تروج للفكرة، فهذه الثقافة يتم تسويقها داخل اللعبة تحت شعار حرية التعبير بينما هي في الحقيقة عملية تطبيع ممنهج للأطفال، تجعلهم يتعاملون مع الأمر وكأنه طبيعيا، بل ومطلوب اجتماعيًا، فبعيدًا عن الجانب الجنسي، فإن «روبلوكس» خلقت أزمة جديدة وهي إدمان العوالم الافتراضية، أطفال يقضون أكثر من 6 ساعات يوميًا داخل اللعبة، يفضلون الحديث مع شخصيات غريبة على الجلوس مع عائلاتهم، ولا يمكن إغفال أن خلف كل هذه الأزمات، تقف شركات ضخمة تجني مليارات الدولارات من عرق الأطفال وأوقات فراغهم، فشركة «Roblox Corporation» أعلنت أن لديها أكثر من 70 مليون مستخدم نشط يوميًا، معظمهم من الأطفال والمراهقين، وأن إيراداتها تجاوزت المليارات سنويًا، ورغم معرفتها بما يحدث داخل منصتها، فإنها تكتفي ببيانات عامة عن جهودها لحماية الأطفال. فالمشهد إذن ليس مجرد أطفال يلعبون، بل قضية كبرى تمس حاضر المجتمعات ومستقبلها، فالطفل الذي ينشأ داخل عوالم مشوهة يفقد جزءًا من براءته، ويخرج إلى الواقع محملا بأفكار وسلوكيات لا تناسب عمره ولا بيئته، والخطورة أن هذه اللعبة ليست استثناء، بل نموذجًا لما قد يأتينا من تطبيقات ومنصات جديدة أشد خطورة في المستقبل، لذلك فإن المواجهة لم تعد خيارًا، بل ضرورة ملحة، فالخلاصة أن روبلوكس ليست مجرد لعبة افتراضية، بل مرآة تعكس مدى هشاشة الرقابة الرقمية وضعف الاستعداد المجتمعي لمواجهة الغزو التكنولوجي، فهي جرس إنذار يذكرنا بأن الطفولة التي نتركها بين يدي الهواتف الذكية قد تضيع إلى الأبد إن لم نتحرك اليوم قبل الغد، وربما تكون الكارثة الكبرى أن الطفل الذي نعتقد أنه مستمتع بلعبته قد يكون في الحقيقة أسيرًا داخل عالم لا يعرف البراءة، عالم يسرق طفولته يومًا بعد يوم بينما الآباء غافلون. جرائم الإنترنت بالتواصل مع أحمد محمد المحامى بدأ حديثه قائلا: إن القانون المصرى لا يتضمن موادا صريحة لمعاقبة الجرائم التى قد تحدث داخل الألعاب الإلكترونية، كما أن القضايا المرتبطة بالتحرش والاستغلال عبر هذه الألعاب تندرج عادة تحت مظلة قانون مكافحة جرائم الإنترنت، فقانون مكافحة جرائم الحاسب الآلى رقم 175 لسنة 2018 يعالج بشكل عام بعض الجرائم ذات الصلة، مثل التعدى على مبادئ المجتمع المصرى، والتعدى على حرمة الحياة الخاصة، وإنشاء موقع إلكترونى بقصد ارتكاب جريمة، ويعاقب عليها بالحبس لمدة تصل إلى سنتين، وغرامة مالية قدرها 100 ألف جنيه، كما ان تأثير الألعاب الإلكترونية السلبى على الأخلاقيات والسلوكيات، بالإضافة إلى الأثر النفسى السيئ على الأطفال والشباب، فهذا قد يكون جزءًا من تحديات أو حرب نفسية ثقافية تستهدف النشء، ما يجعل حماية الأطفال من هذا النوع من المخاطر أمرًا حيويًا وملحًا. خبير أمن معلومات يعلق المهندس عبدالرحمن شاهين، خبير تكنولوجيا المعلومات قائلا: إن لعبة Roblox التي باتت تنتشر بقوة بين الأطفال في مصر والعالم العربي، تمثل بيئة خصبة للتأثير السلبي على الصغار؛ إذ تتيح إنشاء غرف محادثة خاصة وتفاعلات بعيدة عن أي رقابة، ما يجعلها وسيلة محتملة لاستدراج الأطفال والتغرير بهم، كما أن خطورة Roblox تكمن أيضًا في أنها تسمح بتبادل الرسائل والمكالمات الصوتية بين اللاعبين، الأمر الذي يفتح الباب أمام تواصل مباشر مع غرباء، قد يعرض الطفل لمحتوى غير لائق أو تصرفات لا تتناسب مع قيم المجتمع وعاداته، كما ان اللعبة تستعمل آليات جذب نفسية مدروسة تجعل الطفل يقضي ساعات طويلة أمامها، ما يزيد من احتمالية الإدمان الرقمي. ومع كثرة التحديثات التي يحصل عليها التطبيق، قد تُمنح صلاحيات وصول واسعة لهواتف الأطفال دون إدراك الأهل لذلك، كما ان الحل لا يكمن فقط في منع أو حجب مثل هذه التطبيقات، وإنما في تعزيز وعي الأهل، ومتابعة ما يستخدمه أبناؤهم من ألعاب، مع توجيههم لاستخدام التكنولوجيا بطريقة إيجابية وآمنة.