للمرة الثانية تجد قطر نفسها مباشرة في أتون توابع الأزمة الأخطر التي تواجه منطقة الشرق الأوسط والتي بدأت منذ العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 رغم أنها ليست جزءًا مباشرًا فيها، بل العكس هي عامل مسهل وطرف يتمتع بمصداقية من الجميع ووسيطا مقبولا في العديد من الملفات العالقة والصراعات التي تموج بها المنطقة وبدا الامر كما لو كانت الدوحة «صندوق بريد» يستخدمها البعض لإرسال وتلقي إجابات عنها الأولي: عندما تعرضت قاعدة العيديد الي هجوم من القوات الايرانية في استهداف للمصالح الامريكية في المنطقة ردا علي هجمات امريكا علي ثلاث مواقع نووية في 22 يونيو الماضي وكان اختيارها بسبب القرب الجغرافي الذي لا يتجاوز 200 كيلو علي عكس قواعد عسكرية في دول خليجية أخري ولكنها بعيدة جغرافيا وقد تمثل تحديا للقدرات العسكرية الإيرانية وتم اجهاضه من خلال اجهزة الانذار المبكر والمعلومات الاستخباراتية وصواريخ باترويوت القطرية، كما ساعد في تمرير تبعات تلك الضربة عدم وجود ضحايا وظلت الخسائر المادية محددة ومسارعة طهران بتقديم اعتذارات للدوحة عما حدث خاصة في العلاقات التاريخية بينهما. اقرأ أيضاً| توابع الهجوم على قطر| فتح الباب أمام الخيار العسكرى مع تراجع فرص استئناف المفاوضات والثانية: من اسرائيل اول امس التي شكلت تحولا كبيرا في معادلة الصراع في المنطقة واستهدفت الغارة اغتيال عدد من قيادات حركة حماس وهم خليل الحية وزاهر جبارين ومحمد اسماعيل درويش وخالد مشعل اثناء اجتماعهم في احد مقراتهم المعرفة في العاصمة الدوحة ردا على عمليات نوعية للمقاومة في غزة وعملية استشهادية في القدس سقط فيها عدد كبير من الاسرائيليين وكانا لهما تأثيرات وتداعيات سلبية علي نتنياهو واركان حكومته لدرجة انه وجه ومعهم وزير الامن القومي الاسرائيلي بن غفير رسائل تهديد ووعيد قادة الحركة، حيث اصدر بعدها اوامر بالتخطيط السريع للعملية ورغم دقة المعلومات الاستخبارية التي اعتمدت عليها اسرائيل وخلقت لديها ثقة كبيرة في نجاحها ظهرت في تصريحات نتنياهو ومكتبه ورئيس الكنيست التي اعتبرها رسالة لدول الاقليم الا ان المفاجأة كانت في الفشل الذريع لها وهناك تقارير عديدة غير مؤكدة حول أسباب ذلك. ونتوقف هنا عندما قيل عن تحذيرات أمريكية كانت وراء ذلك رغم علمها بها، وهو ما ظهر واضحا من خلال البيان الذي صدر عن البيت الأبيض بعد العملية مباشرة وكشف عن انها ابلغت قطر بالمعلومات لديها قبل العملية بدقائق مما دفع الدوحة التي بدت مستاءة مما جري الى نفي الرواية الامريكية على لسان رئيس الوزراء محمد بن عبدالرحمن وقال «لم نتلق اي تحذير من واشنطن الا بعد الهجوم بعشر دقائق» وحقيقة الامر انه من الصعوبة بمكان تصور ان واشنطن لم تكن على علم بها مما يلقي ظلالا من الشك علي حقيقة موقفها وانها غضت الطرف عنها دون إعطاء ضوء أخضر لتل أبيب ونعود بالذاكرة هنا الي ما جري في الرابع والعشرين من يونيو الماضي الذي يظهر القدرة الكبيرة للبيت الأبيض في التأثير علي قرار نتنياهو، حيث امر ترامب اسرائيل باعادة طائرتها وكانت في طريقها الى شن هجوم على ايران واعلن عن سريان وقف العمليات ضد ايران بعد مواجهات استمرت 12 يوما ويبدو ان فشل عملية الدوحة دفع واشنطن الى تغيير روايتها والتبرؤ منها والنأي بالنفس عنها وايجاد مسافة بينها وبين نتنياهو الذي ساعد واشنطن علي ذلك بتصريحاته عن انها كانت اسرائيلية خالصة تخطيطًا وتنفيذا. ونتوقف هنا عند بعض الاهداف التي سعت إليها اسرائيل لتحقيقها وهي كالتالي: أولًا: التأكيد علي استمرار سياسة تل أبيب في استهداف قيادات حماس، التي تكررت مرتين قبل عملية الدوحة الاولى عندما نجحت في قتل صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي للحركة في العاصمة بيروت في يناير الماضي. والثانية نهاية يوليو من العام الماضي عندما اغتالت اسماعيل هنية في العاصمة طهران. ثانيا: استمرار تل ابيب في تنفيذ مخططات العدوان على غزة دون الالتفاف الي مساعٍ حقيقة للتوصل الى اتفاق وقف اطلاق النار، الذي يتم عبر استهداف الوسطاء المصري والقطري بعيدا عن الامريكي الذي يتماهى مع الموقف الاسرائيلي تماما بافتعال ازمة مع مصر مظاهرها عديدة منها حديث نتنياهو عن منعها خروج اهالي غزة والتلويح بتجميد اتفاق النفط والقطري بالهجوم الاخير عليها مع رفضها واجهاضها لمقترح عملت عليه القاهرةوالدوحة وتم الاعلان عنه في 18 اغسطس الماضي ولم تتحمس لها واشنطن حول هدنة لمدة شهرين يجري فيها التفاوض علي وقف شامل للحرب مع اعادة تموضع للقوات الاسرائيلية يسمح بدخول المساعدات الانسانية مع الافراج عن 8 من الاسر بداية الهدنة وبقية الرهائن في اليوم الخمسين منها وساعدها في ذلك عدم حماس واشنطن له كما سبق ان رفضت مقترح ويتكوف مبعوث ترامب للشرق الاوسط بعد ايام من تولي ترامب مهام منصبه، وللأسف فإن واشنطن تشارك تل ابيب في لعبة شراء الوقت وطرحت مبادرة أخيرة كثيرا من بنودها ملغومة وتخلو من أي ضمانات حقيقة سوي كلام من طرف اللسان غير ملزمة لاحد الوثوق بالرئيس ترامب الذي ربط طرح المبادرة والاستجابة لها بتهديدات شديدة للمقاومة.