تُجسد مفارقة حكم دونالد ترامب في الولاياتالمتحدة أزمةً جوهريةً في الديمقراطية الأمريكية؛ إذ يتعايش الرفض الشعبى الواسع لقيادته مع قدرته الواضحة على فرض سيطرة قوية على النظام السياسي. ورغم انخفاض شعبيته باستمرار ومعارضة غالبية الأمريكيين لنهج فرض ترامب أجندته من خلال الجمود المؤسسي، وحوَّل حزبه إلى وعاء من الولاء الشخصي، وأجبر الديمقراطيين على اتخاذ مواقف انفعالية تعمّق انقساماتهم. وتكشف هذه الازدواجية عن نقاط ضعف هيكلية عميقة في الحوكمة الديمقراطية الأمريكية، مما يثير تساؤلات ملحّة حول مرونة الديمقراطية الأمريكية ومستقبلها. ◄ نسبة تأييده بين 41 و45 %.. ويستغل بطء القضاء والبيروقراطية ليحكم منفردًا ◄ الإعلام منقسم.. والشركات والجامعات عاجزة عن مواجهة سياساته تُظهر استطلاعات رأى متعددة أُجريت منتصف العام الجاري أن نسبة تأييد ترامب تتراوح بين 41% و45%، مع استمرار تجاوز نسبة الرفض 50%، مما يجعله أحد أقل الرؤساء شعبية فى هذه المرحلة من ولايته فى التاريخ الحديث، وفقًا ل«فوربس». ومع ذلك، يتمتع ترامب بسلطة سياسية واسعة، حيث يشكّل السياسات وتوجهات الحكومة الفيدرالية بشكل حاسم. حتى أن استطلاع رأى حديثا مدعوما من البيت الأبيض سجّل نسبة تأييد قياسية بلغت 55% بين عينات معينة، وهى نسبة تتناقض مع معظم استطلاعات الرأى المستقلة، لكنها تشير إلى استمرار دعمه القوى لقاعدته الشعبية وزخمه السياسى داخل الدوائر الجمهورية الرئيسية. ينبع هذا التناقض من قدرة ترامب على استغلال تشتت المعارضة ونقاط الضعف المؤسسية، وليس من الإجماع الوطنى الواسع. تعوّض سيطرته الشخصية على الحزب الجمهورى وسيطرته على مؤيديه المخلصين عن تراجع شعبيته بشكل عام. ◄ اقرأ أيضًا | الأمير تميم يؤكد ل«ترامب» اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أمن وسيادة قطر ◄ استغلال بطء المؤسسات يستفيد ترامب من بطء المؤسسات الأمريكية المتأصل، فغالبًا ما تستغرق الطعون القضائية على سياساته شهورًا أو سنوات لحلّها، مما يمكّن إدارته من العمل بضوابط فورية محدودة. يبطئ الجمود البيروقراطى وتجزؤ الهيئات الفيدرالية المقاومة الإدارية، بينما يعيق الجمود التشريعى التراجع السريع عن السياسات من قبل المعارضين. هذا التباطؤ البيروقراطى والقضائى يمنح ترامب فعليًا مجالًا «للتصرّف منفردًا» في معظم أجندته، مما يضعف الآليات التقليدية لضبط النفس الديمقراطى، بحسب ما ذكره موقع «بوليتيكو». ■ نشر القوات في لوس أنجلوس في يونيو الماضي ◄ خضوع الجمهوريين شهد الحزب الجمهورى تحولًا جذريًا فى عهد ترامب من حزب قائم على السياسات إلى حزب يتزايد تعريفه بالولاء الشخصى، وفقًا ل«الإيكونوميست» البريطانية. تُظهر الأبحاث أن نخب الحزب وقواعده قد انصاعوا لقيادة ترامب، معطين الأولوية للطاعة له على الالتزام بالمبادئ المحافظة التقليدية أو المعايير المؤسسية. يعزّز هذا التخصيص سلطة ترامب، حيث يواجه قادة الحزب الجمهوري الذين يقاومون عمليات تطهير، وتحديات فى الانتخابات التمهيدية، أو تهميشًا. تتوافق القاعدة الجمهورية التى تقارب 90٪ مع أجندة ترامب، حتى أن الفكرة المؤسسة للحزب صارت أن ترامب دائمًا على حق، حتى عندما يناقض نفسه. ◄ المعارضة الديمقراطية في المقابل، يعانى الحزب الديمقراطي من انقسامات داخلية بين جناحيه التقدمى والوسطى. تضعف الرسائل المشوشة والأولويات المتضاربة فاعلية المعارضة. يضعف هذا التشرذم قدرة الديمقراطيين على تقديم بديل متماسك لأجندة ترامب، مما ينفّر شرائح رئيسية من الناخبين، ويفاقم معاناة الحزب في إعادة بناء هويته. وقد أدّى تزايد المخاوف المتعلقة بالجريمة والهجرة إلى تآكل الدعم الديمقراطى بين ناخبى الطبقة العاملة، وهى شريحة سكانية أساسية لا يزال ترامب يستهدفها ويستحوذ عليها. ◄ ضعف المؤسسات إلى جانب الأحزاب السياسية فشلت المؤسسات المستقلة كالشركات والجامعات والمؤسسات الإعلامية، في تشكيل مقاومة موحدة. ولا يزال العديد من الشركات والمؤسسات التعليمية مجزأة أو مترددة فى معارضة سياسات ترامب، ويعود ذلك جزئيًا إلى الضغوط السياسية، أو الحوافز الاقتصادية، أو الخوف من ردّ الفعل العنيف.