منذ أن طرح وزير الثقافة فكرة تغيير اسم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ليصبح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح، اشتعلت السجالات بين من يرى في الأمر مساسا بالهوية، ومن يعتبره ضرورة تفرضها التحولات الزمنية ورغبة في الانفتاح على آفاق أرحب وأوسع، والحقيقة أؤيد بوضوح شديد فكرة التغيير، وأقف في صف المؤيدين لهذا التغيير، لا بوصفه مجرد استبدال لفظ بآخر، وإنما كخطوة عميقة تتعلق بجوهر المشروع المسرحي نفسه ومستقبله. لقد ظل مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، عبر أكثر من ثلاثة عقود، حارسا لفكرة التجريب ومختبرا للمغامرات الفنية التي صنعت تاريخه، ولكن مع مرور الوقت أصبح "التجريب" نفسه كلمة ملتبسة في وعي الكثيرين، فإما أن تحيل إلى الغموض والتعقيد، أو تختزل المهرجان في مساحة ضيقة تحجب عنه الطموح في أن يكون مظلة جامعة لأشكال المسرح كافة، وتغيير الاسم ليس نفيا للتجريب، بل إعادة نظر تمنح المهرجان أفقا أشمل، وتعيد له موقعه كملتقى عالمي يفتح أبوابه على تنوع التجارب المسرحية من مختلف المدارس والاتجاهات. إن التمسك بالاسم القديم بدعوى "الذاكرة" أو "الرمزية" يبدو نوعا من الجمود، لأن الهوية الحقيقية لا تختزل في مسمى، بل تبنى بالمحتوى والإنجاز والتراكم، والعالم من حولنا يتغير بسرعة، والمهرجانات الكبرى لا تتردد في إعادة صياغة نفسها أو تعديل أسمائها بما يتناسب مع رسالة جديدة تضعها لنفسها، فلماذا نخشى التغيير إذا كان سيفتح الباب لمشاركات أوسع، ويتيح فرصا أكبر أمام مبدعي المسرح المصري والعربي والدولي؟ ومع ذلك لا ندعو لإقصاء التجريب أو التقليل من شأنه، بل على العكس التجريب ضرورة قصوى في الحركة المسرحية، فالمسرح بلا تجريب يفقد قدرته على الحياة والتجدد والإبداع ولهذا يكون مع التغيير ضرورة التأكيد على أن يكون للمسرح التجريبي موقع ثابت ورئيسي داخل المهرجان بعد تغيير اسمه، في صيغة مسابقة أو محور أو مسار أساسي، بحيث يظل حاضنا للأفكار الجريئة والرهانات الفنية المتجددة، دون أن يختزل المهرجان كله في فكرة التجريب، وبهذه الصيغة يتحقق التوازن: اسم أشمل يفتح الأبواب، وتجريب حاضر بقوة داخل البنية، فلا نغفل أهميته ولا نضيع فرصته. إننا اليوم أمام لحظة تاريخية تعيد تعريف المهرجان الأكبر في المنطقة، والاختيار الحقيقي ليس بين "التجريبي" و"غير التجريبي"، بل بين أن نبقى أسرى للماضي، أو نملك الشجاعة لنمنح المسرح والمبدعين فرصة أوسع للتنفس والانتشار والمشاركة، التغيير ليس مجرد مغامرة، بل خطوة استراتيجية نحو مهرجان أكثر حيوية، أكثر حضورا، وأكثر قدرة على تمثيل المسرح المصري والعربي في قلب المشهد العالمي.