أسدلت محكمة جنايات دمياط الستار على واحدة من أبشع الجرائم الأسرية التي هزت الرأي العام بعدما قضت المحكمة بإحالة أوراق أم تجردت من مشاعر الأمومة إلى فضيلة المفتي؛ حيث اشتركت مع عشيقها وصديقه في قتل طفلها الصغير كريم مصطفى، داخل شقتها في منطقة السنانية.. جريمة أدمت القلوب، بعدما تحولت الأم من ملاذ للرحمة إلى أداة للعذاب، وارتضت أن تكون شريكة في إزهاق روح فلذة كبدها.. جريمة كانت حديث الأهالي وأوجعت قلوبهم، فكانت مطالبهم هي القصاص العادل لحق ملاك رحل بلا ذنب سوى أنه وُلد في حضن أم بلا قلب. معروف للجميع أن في أحضان الأم يذوب الألم وتُستبدل القسوة بحنان، ومن بين أنفاسها الدافئة يجد الطفل ملاذه الآمن، لكن ماذا لو تحجّر قلب الأم، وتجردت من إنسانيتها، واختارت أن تكون شريكة في قتل فلذة كبدها؟.. هذا ليس مشهدًا في فيلم مأساوي، بل جريمة حقيقية شهدتها منطقة السنانية بمحافظة دمياط، حيث لفظ الطفل كريم مصطفى، البالغ من العمر خمس سنوات فقط، أنفاسه الأخيرة بعد وصلة تعذيب بشعة شاركت فيها والدته وزوجها وصديقه.. ماذا فعل الطفل حتى تكون هذه هي نهايته؟ داخل شقة صغيرة بمنطقة السنانية في محافظة دمياط، علت صرخات الطفل كريم؛ صاحب الخمس سنوات، استغاثاته تقطع القلوب، يستغيث بأمه التي كان يظنها أقرب الناس إليه، لكن الاستغاثات قوبلت بصفعات ولكمات وضربات لا ترحم، بدلاً من أن تتحرك لإنقاذه، انهالت عليه ضربًا مع زوجها وصديقه، كلما صرخ، زاد الضرب قسوة، حتى سقط الملاك الصغير جثة هامدة على الأرض. نُقل كريم إلى مستشفى دمياط العام بواسطة علاء زوج الأم؛ الذي حاول تضليل الأطباء مدعيًا أنه خال الضحية، لكن آثار الضرب المبرح على جسد الطفل فضحت الجريمة، لتبدأ خيوطها تتكشف. بداية الحكاية كريم مصطفى هو اسم الطفل الضحية، عمره لا يتعدى الخمس سنوات، يعيش مع والده ووالدته في بيت صغير، بعدها انتقلت الأم لتعيش في شقة صغيرة بمنطقة السنانية بعدما مات الأب -حسب كلام الأم لجيرانها- وحُرم كريم من حنان والده، وبدلا من أن تعوضه والدته عن فقدان الأب، وتقوم بدور الأم والأب معا، نزعت ثوب الأمومة، ووضعت قلبها على جانب ومكانه قطعة من الحجارة بل أشد قسوة، وبدلا من أن تعيش من أجل طفلها الصغير، تزوجت من شخص آخر عرفيا وعاشا سويا في شقة السنانية، وانجرفت لطريق المخدرات، لك أن تتخيل طفل صغير لا يعرف للدنيا معنى، يرى والدته وهي تتناول المخدرات أمامه، وزوج والدته يأتي بصديقه ليتعاطوا جميعا المخدرات، بدلا من أن يعيش الطفل حياة هادئة آمنة، عاش في جو مسموم بالمخدرات، حتى انتهى الموضوع بقتله. في هذا الجو المسموم، كبر الصغير ليجد نفسه شاهدًا على جلسات تعاطي الشابو، حتى جاء اليوم الذي ثار فيه على ما يراه؛ رفض دخول صديق زوج أمه المنزل، فكان عقابه الضرب حتى الموت، ولم تشفع توسلات الصغير لوالدته ولم يرق قلبها ولو للحظة واحدة، ولم يتركاه إلا بعدما سقط على الأرض فاقدا للوعي، وبدلا من أن تحمله الأم وتحاول إنقاذ طفلها أو حتى تحتضنه، تركته وهربت، فحمله علاء وذهب به للمستشفى وهناك أبلغهم أنه خاله وأعطاهم اسم الطفل خطأ، معتقدًا أنه بذلك سيفلت من جريمته، وعندما انكشف أمره أبلغت الشرطة حاول الهرب، لكن تمكن رجال المباحث من إلقاء القبض عليه هو وصديقه، وأقر علاء بتعذيبه الطفل بمساعدة صديقه بسبب تواجد الضحية داخل مسكنهم أثناء تناولهم مخدر الشابو، فيما تمكنت الأم من الهرب فور علمها بوفاة نجلها، وبعد هروبها تمكن رجال المباحث من إلقاء القبض عليها. عدالة ناجزة أمام النيابة، اعترفت الأم: «مكنش قصدنا نقتله.. كنت عايزاه يخرج يلعب بره البيت عشان نقعد براحتنا.. مات وهو بيتضرب وأنا خوفت وهربت»! جريمة السنانية أشعلت الغضب بين جيران الأم، وبدأ الكل يتساءل كيف تتحول الأم إلى جلاد يشارك في تعذيب طفلها حتى الموت؟! رحل كريم قبل أن يذق طعم الطفولة، رحل قبل أن يعرف معنى اللعب أو الأمان. رحل تاركًا خلفه جرحًا لا يندمل في قلوب من عرفوه. لم يكن كريم يعرف أن البيت الذي احتمى به يخبئ له نهايته، لم يدرِ ذلك الملاك الصغير أن البيت الذي يعيش فيه تحلق فيه شياطين الإنس والجن، وأن الأم التي ذهب ليرتمي بين أحضانها ستأخذه من طفولته وتقتله.. جريمة استغرقت دقائق، لكنها ستبقى جرحًا غائرًا وذكرى سوداء تطارد الأم القاتلة حتى آخر يوم في حياتها. اقرأ أيضا: بعد إحالة أوراق قاتلة «قمر» للمفتى.. ننشر نص اعترافات زوجة الأب وأخيرا اقتصت العدالة لحق الملاك الصغير وكتبت الفصل الأخير في قصة الطفل المأساوية بإحالة أوراق المتهمين الثلاثة للمفتي لأخذ الرأي الشرعي في إعدامهم. تولى فادي إمام البصراتي، المحامي الدفاع عن حق الصغير، وكشف تفاصيل مثيرة عن الواقعة، فقال: «الجريمة تعود إلى عدة أشهر قليلة ماضية، المتهمون تخلصوا من الطفل بعد افتضاح أمرهم أمامه، حيث بدأ الطفل يتفوه بكلمات مفهومة تكشف علاقة والدته المتهمة الثالثة الآثمة بالمتهمين الأول والثاني، والتي تجمعها بالأولزواج عرفى؛ فقرروا التخلص منه، عقدوا النية والعزم على ذلك عن طريق التخطيط فيما بينهم، فتعدوا على المجني عليه وضربوه بفرع شجرة على جميع أنحاء جسده ثم ضربوه بزجاجة مياه لتر ونصف وهذه الضربة أودت بحياته.. لقد كنا على ثقة أن القضاء سينصف الملاك الصغير، وكان الحكم بالفعل عنوانًا للحقيقة وعدالة السماء على الأرض». صدمة للمجتمع ولكي نعرف سيكولوجية الأم التي تناست غريزة الأمومة وارتكبت جريمة بشعة في حق طفلها، تواصلنا مع الدكتور أحمد فخري، أستاذ علم النفس الإكلينكي ورئيس قسم العلوم الإنسانية بجامعة عين شمس، فقال: «الأمومة واحتضان الأطفال غريزة فطرية، لكن في بعض الحالات النادرة تتحول الأم من حضن أمان إلى مصدر خطر». وأوضح قائلا: «لجوء أم إلى تعذيب طفلها وقتله ثم الهروب لا يحدث إلا في حالة المضطربين نفسيًا؛ فهناك اضطرابات قد تصيب الأمهات وتؤثر بشكل كبير على الأطفال مثل الاكتئاب والذي يؤثر على شخصية الطفل الرضيع وربما يكون عرضة للإصابة هو الآخر بالاكتئاب عندما يكبر لأن الاكتئاب عدوى تنقلها الأم له، كما أن بعض الأمهات اللواتي يحملن سمات عصبية وانفعالية قد يُصبن باضطراب الشخصية المضادة للمجتمع، وهي حالة سيكوباتية تفتقد للقيم والمبادئ ولا تعرف الحرمانية أو المشاعر، ما يفسر صدمة المجتمع عند وقوع مثل هذه الجرائم؛ لأنه لا يعلم طبيعة ونفسية تلك الأم». وأكد الدكتور أحمد فخري، أن هذا الاضطراب لا يُعد مرضًا نفسيًا يعفي من العقوبة، وإنما هو اضطراب في الشخصية، وصاحبته تكون كاملة الأهلية أمام القانون، وأن مجموعة من العوامل البيئية والتربوية والنفسية تسهم في تشكيل مثل هذه الشخصية، لكن ذلك لا ينفي مسئوليتها الكاملة عن جريمتها».