في أحضانها يذهب الألم بعيدا، وتحل الطمأنينة والسكينة، ومن أنفاسها الدافئة ولهفتها الحنونة تتحول صعوبة الحياة لبلسم، الأم التي خضعت الجنة تحت أقدامها وتقدمت على الأب بدرجات إكرامًا لها لما تنفرد به عن الأب: من مشقة الحمل، وصعوبة الوضع، والرضاع، والتربية، لكن ماذا لو خلعت الأم قلبها ووضعت مكانه قطعة من الحجارة أو أشد قسوة؟، وبدلًا من أن تكون أمًا حنونة تعوض طفلها غياب والده وحرمانه من عطفه تحولت لأم قاتلة بلا قلب، هذا ما حدث في جريمة السنانية إحدى مناطق محافظة دمياط؛ عندما تخلصت أم من طفلها صاحب الخمس سنوات.. لم يكن ذلك الملاك الصغير يدري أن البيت الذي يعيش فيه تحلق فيه شياطين الإنس، وأن الأم التي ذهب ليرتمي بين أحضانها ستأخذه من طفولته وتقتله. داخل شقة صغيرة بمنطقة السنانية، في محافظة دمياط، تعالت صرخات الملاك الصغير، كريم الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره، بعد وصلة من التعذيب، استغاثته وصراخه لم يكن كافيًا ليرق قلب والدته، فكلما زاد صراخه كلما انهالت عليها ضربًا هي وزوجها وصديقه، ليسقط الطفل جثة هامدة.. ماذا فعل هذا الملاك الصغير حتى تكون هذه هي نهايته؟.. تفاصيل مثيرة ومأساوية عن ذلك الطفل الذي وقع فريسة وضحية بين يد أم وزوجها، البداية كانت بحرمانه من والده والنهاية قتله بكل بشاعة وإجرام. على أبواب المستشفى البداية كانت باستقبال مستشفى دمياط العام، طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره، وصل رفقة شخص آخر ادعى أنه خاله، وكان الطفل في حالة فقدان للوعي مع آثار ضرب مبرح على جسده قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ليفارق الحياة على أبواب المستشفى؛ لتبدأ رحلة كشف غموض الواقعة، خاصة بعدما شك الأطباء في وجود شبهة جنائية في الوفاة، ومحاولة الشخص الذي رافق الطفل الهرب، على الفور أخطرت إدارة مستشفى دمياط العام مديرية الأمن بتفاصيل الواقعة، تشكل فريق للبحث لكشف الملابسات، والتي توصلت إلى معلومات جديدة تكشف غموض الحادث. على الفور أعطى العميد على عامر، رئيس مباحث المديرية تعليماته إلى مباحث مركز دمياط برئاسة الرائد أحمد موسى رئيس مباحث المركز، والنقيب عبدالرحمن شبارة معاون المباحث، بإلقاء القبض على الشخص المدعي أنه خال الضحية، وتبين من التحقيقات بأن هذا الشخص ليس خاله إنما هو زوج أمه. وبعد الفحص والتحقيق؛ تبين أن الطفل يُدعى كريم مصطفى، يقيم في منطقة السنانية.. وهنا السؤال ماذا فعل الملاك الصغير حتى يتم التعدي عليه بالضرب ويفقد حياته بهذه البشاعة؟، وأين كانت والدته وزوجها يقتل ابنها؟، قبل أن نعرف إحابة تلك الأسئلة نعود بالزمن للخلف. كريم مصطفى هو اسم الطفل الضحية، عمره لا يتعدى الخمس سنوات، كان الصغير يعيش مع والده ووالدته في بيت صغير، مات الأب -حسب كلام الأم لجيرانها- وحُرم كريم من حنان والده، وبدلا من أن تعوضه والدته عن فقدان الأب، وتقوم بدور الأم والأب معا، نزعت ثوب الأمومة، ووضعت قلبها على جانب ومكانه قطعة من الحجارة أو أشد قسوة، وبدلا من أن تعيش من أجل طفلها الصغير، تزوجت من شخص آخر عرفيًا وانتقلت للعيش معه في شقة بمنطقة السنانية، وانجرفت لطريق المخدرات، لك أن تتخيل طفل صغير لم يعرف للدنيا معنى، يرى والدته وهي تتعاطى المخدرات أمامه، وزوج والدته يأتي بصديقه ليتناولوا جميعا المخدرات، بدلا من أن يعيش الطفل حياة هادئة آمنة، عاش في جو مسموم بالمخدرات، حتى انتهى الموضوع بقتله. يوم الواقعة والضبط حضر زوج الأم والذي يدعى علاء، ومعه صديقه ليتناولوا المخدرات كما اعتادوا، بكاء الطفل الصغير ربما من رائحة الدخان المسموم التي بدأت تتصاعد من صالة الشقة الضيقة وتخنقه بدت وكأنه لم يحرك ضمير من كان موجود من هؤلاء الأشرار، أما الأم فقد سبقتهم إلى هذا السم فأخذت في تعاطيه وتناست أنها أم؛ فانهال زوجها عليه بالضرب هو ووالدته، ولم تشفع توسلات الصغير لوالدته ولم يرق قلبها ولو للحظة واحدة، ولم يتركاه إلا بعدما سقط على الأرض فاقدا للوعي، وبدلا من أن تحمله الأم وتحاول إنقاذ طفلها أو حتى تحتضنه، تركته وهربت، فحمله علاء وذهب به للمستشفى وهناك أبلغهم أنه خاله وأعطاهم اسم الطفل خطأ، معتقدا أنه بذلك سيفلت من جريمته، وعندما انكشف أمره وتم إبلاغ الشرطة حاول الهرب، لكن رجال المباحث تمكنوا من إلقاء القبض عليه هو وصديقه، وأقر علاء بتعذيبه الطفل بمساعدة صديقه بسبب تواجد الضحية داخل مسكنهم أثناء تعاطيهم مخدر الشابو، فيما تمكنت الأم من الهرب فور علمها بوفاة نجلها.. وبعد هروبها تمكن رجال المباحث من إلقاء القبض عليها. اقرأ أيضا: إصابة مزارع ونجله بطلقات نارية على يد مدمن شابو في قنا اعترافات وقفت أمام النيابة تبكي وتسرد تفاصيل ارتكابها للجريمة البشعة، اعترفت قائلة: «مكنش قصدنا نقتله، كنا عايزين نقعد براحتنا، أنا كنت عايزاه يخرج يلعب في الشارع ويبعد عن البيت، لكنه فضل يعيط فضربناه عشان يسكت ومات في ايدينا وأنا خوفت وهربت»! أمرت النيابة بحبس المتهمين الثلاثة على ذمة القضية، ومازالت التحقيقات مستمرة. حالة من الحزن والغضب سيطرت على أهالي محافظة دمياط بعد سماعهم قصة الطفل كريم، وتلك الجريمة البشعة؛ التي كانت بطلتها أم تناست حديث النبي صل الله عليه وسلم «الجنة تحت أقدام الأمهات»، وتجردت من مشاعرها ومشاعر الأمومة وتحولت لشيطان لا يعرف سوى القتل والدم، وأقامت حفل تعذيب على جسد طفلها الصغير حتى لقي مصرعه، اختارت أن تضحي بفلذة كبدها من أجل مزاجها، وحسب روايات من يعرفونها قالواأنها تركت بيت الزوجية لخلافات بينها وبين زوجها، بينما هي أخبرتهم أن زوجها توفى، وذهبت لتعيش مع هذا الرجل الذي تزوجته عرفيًا، ولا أحد يعرف الحقيقة، لكن الحقيقة الوحيدة الآن هي أن هناك طفل قتل بلا ذنب وراح ضحية أم جاحدة، جريمتها استغرقت دقائق لكنها ستعيش في تعذيب الضمير – لو كان حيًا - أيامًا وشهورًا وسنين، ستراه ما فعلته في فلذة كبدها كوابيسًا تنغص عليها حياتها.. وأصبح الآن مطالب الكل هي القصاص العادل لعودة حق الملاك الصغير.. وبلا شك حقه سيعود والقضاء سيقتص له. يفقد تعاطيه الوعي وعن خطورته تواصلنا مع الدكتور أحمد فخري، أستاذ علم النفس وتعديل السلوك ورئيس قسم العلوم الإنسانية بجامعة عين شمس، ليتحدث معنا أكثر عن قصة الشابو ومدى تأثيره فقال: «الشابو من المخدرات التخطيطية، وهو من المواد ذات التأثير القوي على الخلايا العصبية ومراكز التحكم داخل المخ على الأفعال الإرادية واللاإرادية، وانتشر هذا المخدر بنسبة كبيرة جدا لدى الشباب، ويرجع السبب في ذلك إلى الفضول وحب الاستطلاع في تجريب شيء مثير أو بعيد عن المخدرات التقليدية، فنحن لدينا أكثر من نوع من تلك المخدرات غير التقليدية مثل المخدرات الإلكترونية، ودائما نجد الأشخاص الذين لديهم رغبة في إيذاء الذات وعدم التوافق النفسي، ولديهم رغبة في البعد عن الواقع، وأفكار انتحارية والمراهقين هم أكثر الفئات رغبة في التجريب وإدمان المواد المخدرة مثل الشابو». أما عن تأثير هذا المخدر، فقال: «تأثيره يجعل الإنسان يفقد القدرة على الوعي بشكل نهائي، لأنه يدخل على الدم مباشرة في الجهاز العصبي، وهذا يؤدي إلى أفعال لاإرادية، وغير متحكم في تصرفاته ومن هنا جاءت خطورة هذا المخدر الذي يجعله يفعل أشياءًا غير متوقعة، فيحوله من إنسان عاقل متزن إلى مجرم لديه الاستعداد للقتل بدم بارد». واستكمل قائلا: «الإنسان لا يدخل في إدمان الشابو مباشرة، فلابد وأن يسبقه مراحل من الإدمان بداية من التدخين ثم الحشيش ثم مواد الإدمان الأخرى». فسألناه هل علاج إدمان الشابو سهلا أم صعبًا؟، فأجاب قائلا: «هذا يتوقف على عدة عوامل؛ أولا رغبة الشخص في البعد عن الإدمان، ثانيا وجود الدعم الأسرى ودعم البيئة المحيطة بالشخص، ثالثا الفريق العلاجي ومدى تخصصه في العلاج وفهمه للموضوع وأبعاده، رابعا التدريبات السلوكية والمعرفية وأهميتها لمنع العودة مرة أخرى للإدمان، وأخيرا التأهيل، تأهيله بدنيًا ونفسيًا ليصبح عضوًا نشطًا مرة أخرى في المجتمع ويصبح قادرًا على المواجهة، لأنه أثناء فترة العلاج يكون منقطعًا تمامًا عن المجتمع وهذه الفترة تأخذ وقتًا طويلًا لذلك لابد من تأهيله مرة أخرى». وأضاف: «تعد الأسرة من النوايا الأولية للمجتمع، فإذا كانت مضطربة تكون النتيجة إدمان أفرادها أو ارتكابهم للجرائم، أيضا مؤسسات الإعلام ودورها في نشر الموضوع والتوعية بشكل علمي وبشكل وثائقي».