وبات الإعلان عن طرق تعقب الخصوم باستخدام الوسائل الحديثة من قبيل المباهاة، والإعلان عن توعد الخصوم المستهدفين نوعًا من التحذير العلني بلا خجل هل سمعت عن عملية «الزفاف الأحمر» التى تم فيها اغتيال القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين على يد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية؟ كانوا فى اجتماع سرى لا يعلم به إلا الحاضرون، عُقد فى 16 يونيو الماضى أى بعد أربعة أيام من اندلاع الصراع بين البلدين. فى ذلك اليوم، عقد المجلس الأعلى للأمن القومى فى إيران اجتماعاً طارئاً فى مخبأ عمقه 30 متراً تحت منحدر جبلى فى غرب طهران. وصل كبار الشخصيات، بمن فيهم الرئيس مسعود بازكيان، ورئيسا وزارتى القضاء والاستخبارات، وكبار القادة العسكريين، فى سيارات منفصلة. لم يكن أيٌّ منهم يحمل هواتف محمولة، لعلمهم أن الاستخبارات الإسرائيلية قادرة على تعقبهم. مع ذلك اكتشف المسئولون الإيرانيون ثغرة أمنية خطيرة، فقد علم الإسرائيليون بالاجتماع عبر اختراق هواتف الحراس الشخصيين الذين رافقوا القادة الإيرانيين إلى مكان الاجتماع وانتظروا فى الخارج. وتبين لاحقاً أن «الاستخدام المتهور للهواتف المحمولة من قبل حراس الأمن على مدى عدة سنوات، ونشر المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي، لعب دورًا محوريًا فى قدرة الاستخبارات الإسرائيلية على تحديد موقع كبار العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين، ومكن القوات الجوية الإسرائيلية من مهاجمتهم وقتلهم بالصواريخ والقنابل خلال الأسبوع الأول من الحرب». الاغتيالات الاستهدافية هى أحد الأساليب الكلاسيكية فى حروب التجسس. منذ بواكير الحركة الصهيونية اعتمدها اليهود كإحدى وسائل الثأر من منفذى «الهولوكوست»، واستمر مع قيام الكيان ضد الخصوم؛ أى خصوم تعتبرهم الدولة العبرية عائقًا أمام تحقيق أهدافها الاستعمارية. في أيامنا المعاصرة تطورت أدوات الاغتيالات الاستهدافية مع التطور التكنولوجي، ولم تعد تتسم بالسرية كما كان الحال من قبل. وبات الإعلان عن طرق تعقب الخصوم باستخدام الوسائل الحديثة من قبيل المباهاة، والإعلان عن توعد الخصوم المستهدفين نوعًا من التحذير العلنى بلا خجل. مؤخرًا وبعد الإعلان عن استهداف أبوعبيدة المتحدث باسم الجناح العسكرى لحماس ورئيس جهازها الإعلامى وتأكيد استشهاده، وهو ما اعتبرته إسرائيل إنجازًا استخباراتيًا وعملياتيًا هامًا فى حربها ضد حماس، توعد رئيس الأركان الإسرائيلى باستهداف من تبقى من رموز «السابع من أكتوبر»، سواء كانوا مختفين داخل أنفاق غزة وعلى رأسهم عز الدين الحداد، قائد الجناح العسكرى لحماس، الذى خلف محمد السنوار بعد اغتياله على يد إسرائيل، والذى يعتقد بحسب تقييم مصادر أمنية أنه يختبئ فى أنفاق بمدينة غزة مع نائبه رائد سعد، محاطاً بعدد من الرهائن الإسرائيليين، وكذلك استهداف حتى أولئك القادة الموجودين خارج البلاد. صحيح أن الاحتلال الإسرائيلى لم يكتف باستهداف الخصوم الفلسطينيين، إنما ينفذه أيضًا مع الخصوم الحوثيين، وكان الخصوم اللبنانيون والإيرانيون، وبعض قيادات حزب الله والحرس الثورى وعلماء البرنامج النووى من أشهر ضحاياه. ولكن فى كل جريمة من تلك الجرائم تقبع ثغرة أمنية فى جانب الضحية، تكون فيها أدوات التجسس الحديثة هى البطل، مقترنة بالعناصر البشرية سواء كانوا عسكريين أو استخباراتيين فى زى مدني. الآن صارت الجرائم ترتكب على الهواء بلا رادع، ويحذرنا المختصون بأمور التكنولوجيا من استخدام الهواتف الذكية التى يمكنها التجسس عليك حتى فى حال عدم استعمالها أو إغلاقها، ومن إمكان اختراق الحسابات المصرفية، بل ونسخ بطاقات آلات الصرافة وهى فى جيبك، ويتباهى المصنعون بقدرة كاميرا الهواتف على تصويرك وأنت نائم. ويلاحقنا المعلنون بالترويج لأجهزة تجسس دقيقة متناهية الصغر لمتابعة تحركات الأبناء والأزواج. ويتحسس رجال الأعمال من إمكانية اختراق شبكاتهم.. وعادت الهواتف البدائية إلى أيدى الأثرياء، فلا تندهش أو تسخر حين تجد فى يد أحد المليارديرات هاتفًا بدائيًا تجنبًا لخروقات المتلصصين والمنافسين. فلم يعد يا عزيزى للسرية مكان.