عودة شخصيات مثل تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، وجاريد كوشنر- صهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب - الذى لم يتم إسناد أى دور له فى الإدارة الجديدة، رغم كونه كان ملء السمع والبصر. وارتباطهما بملف اليوم التالى لقطاع غزة، فى الاجتماع الأخير - الأسبوع الماضى - الذى شهده البيت الأبيض، برئاسة ترامب، وخصص لمناقشته. أثارت عودتهما قلقاً شديداً لدى جهات عديدة مهتمة بالأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، من خلال تاريخهما القريب، ورؤيتهما للصراع العربى الإسرائيلي، الأول بلير، ثانى متهم فى جريمة احتلال العراق، والترويج لكذبة أسلحة الدمار الشامل، إلا أنه أبى ألا يغادر المشهد، حيث عمل قبل ذلك مبعوثاً دولياً للجنة الرباعية الدولية الخاصة بالسلام فى الشرق الأوسط، والتى ضمت أمريكا وروسيا والأممالمتحدة والاتحاد الأوربي، واستقال منها عام 2015، بعد ثمانى سنوات، لم يحقق أى نجاح، ويتمتع بعلاقات قوية مع إسرائيل، وعمل مستشاراً لعدد من دول المنطقة التى قد يكون لها دور فى عملية تمويل إعادة الإعمار وفقاً للرؤية الأمريكية، واختار مجال الدراسات والاستشارات الدولية، للبقاء فى الصورة. ففى العام التالى مباشرة، أسس معهداً يحمل اسمه للمتغيرات الدولية، وله دراسة عن اليوم التالى لغزة، بدأ الحديث عنها منذ يونيو الماضى، تتضمن خطط تحويلها إلى مركز تجارى، وواجهة سياحية، والعوائد المتوقعة من تحويلها إلى ريفيرا الشرق الأوسط. ونتوقف عند جاريد كوشنر، والذى عاد من جديد إلى المشهد، بعد تغييبه لعدة أشهر منذ بداية ولاية صهره ترامب، بعد أن أبلى بلاءً حسناً فى الولاية الأولي، باعتباره صاحب خطة (صفقة القرن)، وعرضها فى مؤتمر استضافته العاصمة المنامة فى يونيو 2019، وتتعلق بالبعد الاقتصادى لإحلال السلام فى المنطقة، بجذب استثمارات ب 50 ملياراً، على مدى 10 سنوات لصالح الفلسطينيين، وخلق مليون فرصة عمل، كما كان وراء تطبيع عدد من الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل، ويبدو أن غيابه كان مرتبطاً بمهمة غير معلنة، وهى البحث فى اليوم التالى لوقف إطلاق النار، رغم أن الكثيرين لم يتوقفوا عند تصريح مهم له، فى فبراير الماضي، يتماهى مع رؤية ترامب بأن العقارات على الواجهة البحرية للقطاع، يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، وقال: (أعتقد أن وجهة نظر إسرائيل أننى سأبذل قصارى جهدى، لإجلاء الناس وتنظيف المكان)، ويبدو أنه حصل منذ البداية - دون إعلان - على تفويض من الرئيس ترامب، للمساهمة فى متابعة وتنفيذ ذلك المخطط الذى طرحه ترامب وتراجع عنه بصفة مؤقتة حول ملكية أمريكا لقطاع غزة. وتعددت الوجوه التى شاركت فى الاجتماع الأخطر، منهم وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلى ورجل نتنياهو الأقرب رون ديرمر، وهو يروج لفكرة أن تل أبيب لا تسعى إلى احتلال طويل لغزة، وما يهمها هو ألا تكون تهديداً لها، مع استبعاد حماس بالطبع، ووجود تحفظ على وجود السلطة. ومن الجانب الأمريكى وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو، ومستشاره للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذى سعى إلى خفض سقف التوقعات من الاجتماع باعتباره يتم بشكل دورى لإطلاع الرئيس على المستجدات ومناقشة الأفكار، وقد كشف الاجتماع الأخير عن لقاءات تمت لنفس الغرض خلال الشهر الماضى بين بلير وكوشنر مع نتنياهو، أثناء وجوده فى واشنطن فى شهر يوليو الماضي، وكذلك وزير الخارجية جدعون ساعر. المخطط خطير، وكشفت عن تفاصيله صحيفة «واشنطن بوست»، وجاء فى 38 صفحة، ويحمل اسم (صندوق إعادة تشكيل وتسريع الاقتصاد، وتحويل غزة إلى great trust، أى الثقة أو الإنجاز الكبير، ويقترح إعادة توطين سكان غزة البالغ عددهم 2 مليون شخص، عبر المغادرة الطوعية إلى دول أخري، مع تقديم حوافز مالية، وتوفير سكن وغذاء لسنوات، أو نقلهم إلى مناطق مؤمنة ومقيدة داخل غزة، لحين إتمام عملية إعادة الإعمار، والتى لم يتحدد لها سقف زمني، ويزيد من خطورته، ويترافق معه، تماهى الموقف الأمريكى مع الإسرائيلي، فالأخير يبحث عن فرص ضم الضفة، وخلق كيانات بديلة للسلطة، ومنها مقترح وزير الاقتصاد الإسرائيلى نير بركات، والذى ناقشه مع نتنياهو ووزير الدفاع ومسئولين أمنيين، والخاص بفصل الخليل عن السلطة الفلسطينية، وخلق كيان عشائري، يعترف بإسرائيل كدولة يهودية، رغم رفض العشائر فى اجتماع لها منذ أيام، وإعلانها محاربة كل المتعاونين مع سلطات الاحتلال، بينما واشنطن على حد قول السفير الأمريكى فى تل أبيب، تفتقد موقفاً نهائياً من ضم الضفة الغربية، فى انتظار اتخاذ القرار، وهناك اعتقاد واسع، بأنها لن تمانع فى ذلك، رغم المعارضة الشديدة لحلفاء واشنطن، ولعل الأخطر هو إجهاض الجهد الفلسطينى لإعلان دولة فلسطينية، من جانب واحد من على منصة الأممالمتحدة أثناء مشاركة الرئيس محمود عباس، أثناء الدورة ال80 فى الفترة من 22 إلى 26 سبتمبر الحالي، فكانت المفاجأة، قرار وزير الخارجية الأمريكى بمنع إعطاء تأشيرات لمسئولين فى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ومنعهم من المشاركة، وفى المقدمة محمود عباس، مما أربك حسابات السلطة. أخشى أن تكون تل أبيب بمشاركة واشنطن، مصرة على السير باتجاه احتلال غزة، وفرض سيناريو التهجير، دون أى اعتبار لأى جهة.