في هذه الأوقات الدقيقة من عمر أمتنا، تبدو قضية تشكيل الوعي، وصياغة الوجدان أولوية، ومتطلبًا ملحًا، وخطوة حتمية، يمثل التقاعس عنه، والتكاسل فيه كارثة تنذر بعواقب وخيمة، إذ تواجه أوطاننا تحديات مصيرية، تستدعى جهودًا مضنية دائبة، وهذا الكيان الثقافي واحد من أبرز قلاع بناء الوعي ومعاهد تشكيل الوجدان، حيث يمثل صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة نافذة واسعة تطل منها الفنون على تنوع أشكالها، وتنطلق عبرها تجليات الكلمة في مختلف أفقها، ولذلك حاورنا المعماري البارز حمدي السطوحي، مساعد وزير الثقافة للمشروعات الثقافية والفنية، ورئيس صندوق التنمية الثقافية، لنتعرف على خطط المستقبل، وما يدور في أروقة هذا الكيان الحيوي. ◄ هيكل جديد للصندوق يواكب طموحاتنا ◄ قريبًا.. ملتقى للرسوم المتحركة.. وآخر للكاريكاتير ◄ في الماضي كان لكل مركز إبداع شخصية خاصة وفلسفة تميّزه.. هل ما زال هذا التصور موجودًا؟ أم غاب وسط التكرار؟ في الماضي والحاضر وسنتمسك بذلك فى المستقبل، فكل مركز إبداع تم تأسيسه كان له هوية تميزه، فلدينا بيت الشعر وبيت المعمار وبيت العود ومركز للطفل وآخر للغناء العربي وهكذا، لذا لدينا معايير للأنشطة والفعاليات بكل مركز، ويظهر هذا جلياً في البرنامج الشهري للأنشطة، بجانب توجهنا في الفترة القادمة لأن يحدث تكامل بين المراكز في أنشطة مشتركة تعزز التنمية الثقافية وتثرى الأمشطة نفسها. ◄ هيكلة فكرية لمراكز الإبداع ◄ هل ترى أن إدارة مراكز الإبداع في حاجة لإعادة هيكلة فكرية تضمن لها التميز والاختلاف؟ بالتأكيد، بدليل تحركنا فى الفترة الحالية لتكليف مديرين جدد لبعض المراكز، مثل انتداب د. سمر سعيد، عميد المعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، مشرفاً عاماً على مركز الإبداع الفني ببيت السحيمي، وتكليف د. محمد علاء فتحي، أستاذ التأليف الموسيقى والوكيل السابق لمعهد الموسيقى العربية بأكاديمية الفنون، مشرفاً عاماً على مركز الإبداع الفنى بقبة الغورى، بجانب تكليف د. أسامة على، الأستاذ بكلية التربية الموسيقية، مشرفاً عاماً على قصر الأمير بشتاك للغناء العربي، وسنركز الفترة القادمة على تعزيز هوية كل مركز من خلال الأنشطة والفعاليات، بجانب ضم شخصيات متميزة لأسرة الصندوق كمديرين لبعض المراكز، وتنوع هوية المراكز وتباين أنشطتها كنز نسعى لاستثماره وليس طمسه. ◄ اقرأ أيضًا | «الجمالية في عيون عشاقها» بمتحف نجيب محفوظ ◄ كيف يمكن للمبدعين الشباب أن يشاركوا في صنع أجندة الأنشطة بدلاً من أن يكونوا مجرد جمهور يتلقي؟ بكل صدق هذا هو الهدف الرئيسى الذى نسعى من أجله، وبشكل شخصى أرى أن الشباب هم الحاضر الذى نبنى معه المستقبل الذى سيعيشه، لذا؛ بشكل عام نسعى إلى جذب الشباب لأنشطة الصندوق، ونستمع إليهم ونطورها وفق رؤيتهم، وبالأخص فى المسابقات والملتقيات التى ننظمها مثل «المواهب الذهبية»، و «الصوت الذهبى»، و «مسابقة بيت المعمار لشباب المعمارين»، التى تتخطى حدود كونها مسابقة معمارية تقليدية، فالهدف الرئيسى من هذه المسابقة هو تقديم أفكار لتطوير قصر الأمير طاز وبيت المعمار، لتعظيم دورهما الثقافى وملاءمتهما لممارسة الأنشطة المقترحة والقائمة، ومن الأمثلة الأخرى؛ مشاركة طلاب بعض المؤسسات التعليمية فى تنظيم أنشطة ملتقى الأقصر للتصوير فى العام الماضى والتى سيتم تعظيمها فى الدورة المقبلة التى ستبدأ فى منتصف نوفمبر. ◄ في أول اجتماع لك رفعت شعار «هنشتغل مع بعض ولن نشتغل على بعض».. بعد مرور الوقت، ماذا كنت تقصد بهذه العبارة؟ رد مبتسمًا: واضح أن هذه الجملة استوقفت البعض واستغرقت منهم تفكيراً طويلاً، مع أنها بسيطة وواضحة جداً، ومعبرة عما نهدف إليه ببساطة بالغة ما أقصده هو أن نعمل بشكل تكاملى لا تنافسى، وأن نضع مصلحة الصندوق قبل مصلحتنا الذاتية، لأن نجاح الصندوق سينعكس على الجميع بينما نجاح فرد وحده ليس بالضرورة أن ينعكس على الكل، الهدف من الشعار؛ تحفيزى فى المقام الأول، مع توضيح الهدف وبناء الثقة بين الموظفين، وعلاج الفجوة وأزمة الثقة بين المواطن الذى نقوم بخدمته والمؤسسات، وسأوضح لك؛ أنا أؤمن جداً أن بناء المؤسسة أهم من رئاستها، وهذا ما أعمل عليه، لا يعنينى الكرسى أو أن أكون رئيساً لمؤسسة ما، بقدر اهتمامى بأن نبنى معا هذه المؤسسة وأن تكون قوية وتحقق أهدافها. ◄ وما الحلم أو المشروع الذي تتمنى أن يكون بصمة لك في تاريخ الصندوق؟ حلمى أن أتعاون مع زملائى فى الصندوق، فى إعادة بنائه بالشكل الذى يجعله قادراً على تحقيق الأهداف التى جرى إنشاؤه من أجلها بالرغم من كل التحديات، فالصندوق أحد التروس المهمة داخل ماكينة صناعة الثقافة المصرية، وبتكامله بفاعلية مع باقى التروس ستسطيع الوزارة أن تحقق أهدافها المرجوة، سنلمس هذا الحلم فى بعض النتائج التى تحققت، والأخرى التى نسعى ونتحرك صوب تحقيقها، على سبيل المثال، اعتماد الهيكل الجديد للصندوق من جهاز التنظيم والإدارة يعتبر بصمة مهمة، والنجاح فى حل مشكلة متحف الفنان نبيل درويش بصمة أيضاً، والحصول على تخصيص لأرض سيمبوزيوم أسوان الدولى للنحت بعد مرور 30 عامًا للنشاط على أرض لا نملكها، هو بصمة تكتسب أهمية كبيرة بتطوير المكان وتجهيزه ليتناسب مع النشاط بشكل لائق، ويجعل الموقع متحفاً مفتوحاً طوال العام، وبالقطع تطوير لوائح الملتقيات والمهرجانات الدورية هو بصمة منهجية مهمة، نعمل عليها بشكل مرحلى مستمر. ◄ لماذا ترى أن اعتماد هيكل جديد للصندوق بصمة مهمة لك؟ في البداية هى بصمة لكل زملائى بالصندوق وليست لى بمفردى، ثانيًا هى بصمة مهمة لأن اعتماد الهيكل بعد تعديله ليكون فعالاً ويعالج العوار كان حلماً يراود الجميع لمدة أكثر من 10 سنوات، والحمد لله استطعنا بتعاون الجميع أن ننجزه، وهذا سيكون له مردود إيجابى كبير فى تفعيل دور الصندوق فى الفترة الحالية والمستقبلية، وسيكون هدفنا فى الفترة المقبلة التحرك قدماً في تعديل نظم الإثابة للموظفين، بما يتناسب مع المهام الموكلة لهم من أجل تحفيزهم وتعظيم نتائج عملهم. ◄ طلب في كلمتين ◄ كيف يتعامل الصندوق مع التحديات المالية والإدارية لتحقيق أهدافه الثقافية؟ هو تحد كبير جداً وحمل مرحلى على زملائى بالصندوق، لذا طلبت منهم منذ فترة طلباً يتلخص فى كلمتين وهما «نصبر ونعمل»، وأعتقد أن نتائج ذلك بدأت تظهر، وأننا حولنا المشكلة إلى تحدٍ نسعى لعلاجه بين مستهدفات كثيرة نطمح فى تحقيقها من أجل تعزيز التنمية الثقافية، ونجد أنفسنا أمام تحدٍ كبير وهو محدودية موازنة عام 2025-2026، فعلى سبيل المثال تم إقرار نفس قيمة الباب السادس من العام الماضى للعام الحالى، واجهنا هذا التحدى بالسعى والعمل على إدراج مشاريع يتم تمويلها من خارج الموازنة المعتمدة، مثل مجموعة من المراكز الإبداعية الحرفية الإقليمية، بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ووزارتى: التضامن والتنمية المحلية، وأيضًا مجموعة من المراكز الإبداعية ضمن مشروع ساحة السلطان الذى سيتم الإعلان عنه قريبًا. ◄ إعادة تفعيل ◄ هل يمكن أن تزداد عدد المهرجانات والملتقيات؟ هذا ما نعمل عليه بالفعل، ليس فقط زيادة الملتقيات الدورية ولكن أيضاً إعادة تفعيل ما كان متوقفاً منها، فعلى سبيل المثال «ملتقى الرسوم المتحركة الدولى» والذى توقف لمدة عامين، سيتم الإعلان عن الدورة الخامسة عشرة أوائل الشهر المقبل، وسيقام الختام فى شهر ديسمبر، حيث تم تشكيل اللجنة العليا للملتقى بقرار وزارى بعضوية عدد من المتخصصين الأفاضل، بينهم د. محمد غالب، قوميسيراً، وبرئاسة رئيس الصندوق، وتعمل حالياً اللجنة العليا على الأعمال التحضيرية وأيضاً إعداد مقترح للائحة ستجرى دراسته قانونياً ومالياً ورفعه لوزير الثقافة لاستصداره، حيث لم يكن هناك لائحة للملتقى، على جانب آخر، من أهم الملتقيات التى ستضاف إلى نشاط الصندوق، هو ملتقى الكاريكاتير بالتعاون مع الجمعية المصرية للكاريكاتير، حيث جرى الاتفاق أن يتولى الصندوق تنظيم الملتقى من الدورة المقبلة بالتعاون مع الجمعية. ◄ بما أن التركيز على الاستثمار فى مشروعات الصندوق، ما الجديد وهل هناك رعاة جدد؟ بصراحة أُفضل كلمة شركاء عن كلمة رعاة، ومن ناحية أخرى لا أفصل بين كلمتى «الثقافة و الاستثمار» ومنهجياً أحذف حرف «الواو» لنتعامل مع الاستثمار الثقافى، وليس مع كل كلمة بشكل منفرد، ويظهر هذا جليًا فى التشارك مع المؤسسات التعليمية والمؤسسات الخاصة فى أنشطة كثيرة، يكون لها انعكاس إيجابى استثمارى، وسنعلن قريبًا عن التشارك مع إحدى المؤسسات المتخصصة فى أحد المجالات الفنية لنؤسس معا مركز إبداع جديدًا ينضم لمراكز الإبداع، بجانب التشارك مع العديد من المؤسسات فى الفعاليات والملتقيات. ◄ المتاحف التابعة للصندوق، ما الجديد فيها وهل سيتم تعديل فى مواعيدها وماذا عن خطط الاستثمار في هذه المتاحف؟ دعنى أقول لك، إنه قريباً سينضم لمتاحف الصندوق، متحف الفنان نبيل درويش، حيث تم تخصيص مكان له فى أحد مبانى مشروع تلال الفسطاط، وهنا يجب أن أتوجه بالشكر لصندوق التنمية الحضرية الذى خصص لنا المكان بمقابل رمزى، ولأسرة الفنان التى أهدت أعماله إلى صندوق التنمية الثقافية، ونحن بالفعل قمنا بتعديل مواعيد متحف نجيب محفوظ، وقريباً سنعدل مواعيد المتاحف بالاتفاق مع وزارة السياحة والآثار، من جانب آخر لدينا خطة للتكامل مع باقى متاحف الوزارة، على سبيل المثال المتاحف التابعة لقطاع الفنون التشكيلية، والذى ندرس معه الآن خطة لوضع متاحفنا على الخريطة الدولية لمؤسستى «الإيكوموس والأيكوم». ◄ استراتيجية لصنايعية مصر ◄ صنايعية مصر... مبادرة قيمة جدًا، لماذا التأخير فى إطلاق الدورة الخامسة؟ هى مبادرة قيمة جدًا، وما حدث هو توقف مؤقت لإعداد الدراسات بين عدد من المؤسسات والكيانات ذات الصلة من أجل إتمام استراتيجية شاملة، ولدينا مقترح سيتم تقديمه لدراسة إمكانية إطلاق الدورة الخامسة من المبادرة لحين الانتهاء من إعداد الاستراتيجية. ◄ إذا طلبت منك أن تلخص فلسفتك في إدارة الصندوق فى جملة واحدة.. فماذا ستقول؟ سنظل نحلم ونعمل معا، سنحلم معا حلمًا جمعيًا، ونخطط معاً لكيفية تحقيقه، وسنعمل بجهد ووعى، حتى ننجح، ويأتى من بعدنا ليستكمل العمل بفكر مُستدام.