عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اجتماعًا موسعًا في البيت الأبيض لمناقشة ما يُطلق عليه سيناريو "اليوم التالي" للحرب في قطاع غزة، مع مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، هما وزير الخارجية جدعون ساعر، والوزير رون ديرمر. وشارك في الاجتماع صهر ترامب ومستشاره السابق لشؤون الشرق الأوسط جاريد كوشنر، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. ويبدو أنه تم الاتفاق فعليًا بين ترامب ونتنياهو على إنهاء الحرب في غزة، بعد ورود أنباء عن عزم الجيش الإسرائيلي احتلال كامل قطاع غزة، وترتيب أوضاع السكان عبر التهجير القسري. وما تمّت مناقشته في البيت الأبيض هو ما بعد حرب غزة، فيما أُطلق عليه "سيناريو اليوم التالي". فماذا عن مراحل هذا السيناريو المُعد من قِبل أمريكا وإسرائيل؟. - تحرير الرهائن والقضاء على حماس الهدف الأول سيكون إعادة الأسرى والمخطوفين. فالعدد المتوفر حاليًا من الأسرى لدى حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى قليل جدًا، حوالي 59 أسيرًا، منهم 23 أحياء وفق آخر المعلومات. ذلك لأن معظمهم قُتل في القصف على غزة، أو تمّت تصفيته بطريقة أو بأخرى. القادم، إذًا، هو تحرير الرهائن بالقوة، أحياء أو أموات، بعد فشل صفقة الرهائن بين إسرائيل وحماس. لكن سيبقى الكيان الصهيوني في المرحلة الأولى داخل قطاع غزة، لحين الانتهاء من مهمته الأمنية وهي القضاء على حماس وتدمير القطاع بالكامل، تمهيدًا لتهجير الفلسطينيين خارج القطاع، بل خارج فلسطين كلها. كما سيُعيد انتشاره في مناطق شمال غزة، مع فرض منطقة عازلة بين الشمال وحدود إسرائيل. وستقوم إسرائيل بجعل المنطقة الحدودية بينها وبين مصر منطقة عازلة، لمنع أي تحركات ضدها أو إعادة انتشار لحماس داخل تلك المنطقة، مع هدم الأنفاق، والقضاء على أي وجود لحماس على الحدود المصرية، وإغلاق معبر رفح نهائيًا لمنع أي تحركات من داخل سيناء إلى قطاع غزة. - خطة "الإمارات السبع" وتفتيت غزة تُسمى هذه المرحلة إسرائيليًا "خطة اليوم التالي للحرب"، وتقضي بتفتيت قطاع غزة، ليس أمنيًا فقط بل وسياسيًا أيضًا، وذلك عبر تقسيمه إلى عدد كبير من المناطق الإدارية. كما سيتم تشكيل قوة محلية في شمال غزة تتولى توزيع المساعدات، وتقسيم القطاع إلى مناطق أمنية تشبه الجُزر المنفصلة أو "الفقاعات"، في ما يُعرف باسم خطة "الإمارات السبع". وهي عبارة عن مناطق محددة جغرافيًا يمكن للفلسطينيين العيش فيها بشكل منفصل ومؤقت، ولكن دون روابط بين هذه المناطق، بحيث يسهل على إسرائيل السيطرة عليها، وتسهيل تهجير الفلسطينيين لاحقًا من قطاع غزة. ما تقوم به إسرائيل حاليًا هو استكمال المرحلة الثانية من الحرب، وهي إبعاد جميع الفلسطينيين من الشمال، حيث لن تسمح إسرائيل لأي فلسطيني بالبقاء قرب حدودها. كما ستعمل على إعادة توزيع السكان داخل قطاع غزة مرة أخرى، لتسهيل إدارة السكان، وتسهيل حركة الهجرة "الطوعية أو القسرية"، التي ستقوم بها إسرائيل على المدى الطويل، وبصمت، وبعيدًا عن الإعلام. وستمنع الفلسطينيين من إعادة بناء أي شيء في القطاع، بما يُسهم في منع إعادة التوطين فيه، على أن تقتصر المساعدات على ما يكفي الفلسطينيين لأخذ "نَفَس" مؤقت، تمهيدًا للقرار الأصعب، وهو ترك القطاع والهجرة. فالكيان الصهيوني لا يريد أي وجود فلسطيني في غزة. - خطة "المدينة الإنسانية" أفصح الصحفي الإسرائيلي "يانون ماجال" عن هذه المرحلة، وقال إن الجيش الإسرائيلي يعتزم هذه المرة إخلاء جميع سكان غزة إلى منطقة إنسانية جديدة، أو مناطق مخصصة للإقامة الطويلة. وسيتم تحديدها مسبقًا، وفحص كل من يدخل إليها للتأكد من أنه ليس "إرهابيًا"، وأي شخص يبقى خارج تلك المنطقة الإنسانية سيتم "اعتقاله أو قتله". هذه المناطق ستكون أشبه ب معسكرات اعتقال كبيرة، على غرار ما فعلته إيطاليا مع ليبيا إبّان احتلالها. وتُسمّى هذه الخطة ب "خطة المدينة الإنسانية"، وقد صدّق عليها وزير الدفاع الإسرائيلي، وهي مدعومة من الولاياتالمتحدةالأمريكية. الهدف منها هو الضغط على الفلسطينيين لاحقًا لمغادرة غزة، عبر وضعهم في أماكن أشبه بالمعتقلات، وتشجيعهم على التهجير، باستخدام معابر متعددة: – برًا من خلال معبر رفح وسيناء، – بحرًا، – وحتى عبر المطارات التابعة لإسرائيل. ستتم عملية التهجير تدريجيًا، وبشكل قسري أو طوعي، بعد استخدام كل وسائل الضغط، وتفتيت الأمل في الحياة داخل غزة، مع تدمير ما تبقى من القطاع. - الهجرة الطوعية ولعل الأخطر على الإطلاق هي خطة "الهجرة الطوعية"، إذ أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن وكالة خاصة من أجل "الهجرة الطوعية" لسكان غزة سيتم إنشاؤها، مع التزام إسرائيل بالمقترح الأمريكي بالسيطرة على القطاع الفلسطيني وتهجير سكانه. وقد أمر كاتس الجيش الإسرائيلي بإعداد خطة تسمح بالهجرة الطوعية لسكان قطاع غزة، مرحّبًا بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي "توفر فرصًا واسعة لسكان غزة الذين يرغبون في المغادرة، وتساعدهم على الاندماج بشكل مثالي في دول الاستضافة، وتسهم في إعادة إعمار غزة منزوعة السلاح وخالية من التهديدات" — على حد زعمه. وكانت وكالة أسوشيتد برس قد أفادت بأن مستشارين أمريكيين من مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG)، ومستشارين إسرائيليين، تواصلوا مع مسؤولين من ثلاث حكومات في شرق إفريقيا لمناقشة إمكانية نقل الفلسطينيين إلى أراضيها. والدول الثلاث هي: جنوب السودان، الصومال، ومنطقة أرض الصومال الانفصالية، كما جرى التواصل مع دول مثل ماليزيا، إندونيسيا، وليبيا لمساعدتهم في تنفيذ خطة التهجير الجماعي. - السيطرة الدولية وإعادة الإعمار دون عودة بينما يُكمل جيش الاحتلال الإسرائيلي القضاء على ما تبقى من المسلحين والمقاومة داخل غزة، ستدخل إلى القطاع قوات متعددة الجنسيات بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، مع قوات أوروبية، ومشاركة محدودة لبعض القوات العربية. وربما تُستضاف بعض الأجهزة الأمنية الفلسطينية من الضفة الغربية لإدارة السكان في القطاع، لكن هذا لا يعني عودة السلطة الفلسطينية كسلطة سياسية، بل كمجرد كيان إداري مدني. فتفتيت الحكم في غزة هو جزء من السيناريو الإسرائيلي؛ إذ لا ترغب إسرائيل في البقاء المباشر، لكنها تريد تسليم القطاع إلى قوات متعددة الجنسيات بقيادة أمريكية. بعد ذلك، تبدأ المرحلة الأخيرة، وهي إعادة الإعمار التدريجي، انطلاقًا من الشمال. لكن هذه الإعمار لن يكون لصالح الفلسطينيين، بل لصالح شركات عالمية متعددة الجنسيات، ودون عودة الفلسطينيين إلى وطنهم. - تفريغ غزة واستكمال الخطة الحرب في غزة أوشكت على الانتهاء، والعمليات العسكرية الكبرى انتهت. ما يحدث حاليًا هو حرب عصابات، ووسيلة ضغط إضافية على سكان غزة لدفعهم للمغادرة. بل إن إسرائيل قد تضطر إلى فتح معابرها لتسريع تفريغ غزة من سكانها، واستكمال مشروع التهجير على مراحل، وبصمت، وبدعم أمريكي، مع دور محدود للسلطة الفلسطينية، ووجود مؤسسات غير حكومية واقتصادية فقط لفترة انتقالية. المخطط يسعى إلى تشتيت الفلسطينيين وتوزيعهم حول العالم، وتوطينهم في الدول المستضيفة، مع منحهم جنسيات تلك الدول، مقابل إلغاء حق العودة، وإنهاء فكرة قيام الدولة الفلسطينية من الأساس .