وافق المجلس الوزاري المصغر «الكابينت» على مقترح نتنياهو باحتلال قطاع غزة بالكامل، بعد مباحثات استمرت 10 ساعات. وأصدر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أوامره لرئيس أركان جيش الاحتلال «إيال زامير» بتنفيذ خطة احتلال غزة، التي قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن وزير الدفاع صدّق عليها، وتحمل اسم: «عربات جدعون الثانية». الحقيقة أن قرار نتنياهو بإعادة احتلال غزة هو قرار في غاية الخطورة، وتداعياته أخطر. وعندما حاول رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير معارضة الخطة، طالبه نتنياهو إما ب"التنفيذ أو الاستقالة". ورغم معارضته، أعلن رئيس الأركان بدء التحضيرات لاحتلال غزة. واستعدادًا للسيطرة على القطاع، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه بدأ استدعاء 60 ألف جندي من الاحتياط، وفق هيئة البث الإسرائيلية. عملية «عربات جدعون الثانية» التي صدّق عليها وزير الدفاع وأقرّها الكابينت الإسرائيلي، تهدف إلى احتلال قطاع غزة بالكامل، وتحقيق حسم عسكري بضوء أخضر أمريكي ضد حماس، والقضاء عليها. وتأتي ضمن خطة منظمة من ثلاث مراحل، مع استخدام خمسة عوامل ضغط ضد حماس، في محاولة لإرغامها على القبول باتفاق لتبادل الأسرى، وتفكيك بنيتها العسكرية، حتى لو كان المقابل التضحية بالأسرى الموجودين لدى حماس. احتلال غزة بالكامل ليس سوى حلقة جديدة في مشروع تفريغ غزة، وهو جزء من المشروع الأكبر: "التهجير القسري". فما يجري حاليًا هو مخطط متكامل لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وتفريغه من سكانه، وتهجيرهم قسريًا إلى مصر والأردن، وتشتيتهم في باقي دول العالم. وإسرائيل ماضية في استكماله دون رادع، بإنهاء وتدمير غزة بالكامل، والتخلص من حماس نهائيًا. وسيتم التضحية بالرهائن، كما سيتم استكمال مخطط ضرب خان يونس وبعض المناطق في غزة، مع بعض الضربات النوعية في الشمال، لثني السكان عن فكرة الرجوع إليه مرة أخرى، بعدما تم تدميره بالكامل وأصبح غير صالح للحياة. ما تقوم به إسرائيل الآن هو استكمال احتلال غزة، ليبدأ بعدها تنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين قسريًا، فيما يسمى خداعًا "الهجرة الطوعية". لكن الحقيقة أن ما يحدث هو "تهجير قسري" عبر إعادة احتلال قطاع غزة وتضييق الخناق على السكان، بعد القضاء على كل فرصة حياة في الداخل، بحيث يفقد سكان غزة الأمل في العيش في خيام مدى الحياة، فيُرغمون قسريًا على الهجرة عبر سنوات. ثم تبدأ الخطة الثانية من حرب غزة، وهي الأخطر، وتسمى أيضًا خداعًا "الهجرة الطوعية"، وقد أنشأ وزير الدفاع الإسرائيلي وكالة خاصة داخل الجيش أطلق عليها اسم: "وكالة الهجرة الطوعية". وتكمن مهمتها في تنفيذ خطة التهجير عبر التفاوض مع الفلسطينيين بعد تجميعهم في الصحراء فيما يسمونه ب"المدينة الإنسانية"، وهي أقرب إلى معسكرات اعتقال. ومن هناك يبدأ التفاوض مع الدول التي ستستضيف المهجرين، بمساعدة شركات استشارات أمريكية ومستشارين أمريكيين، يتولون إدارة التفاوض مع هذه الدول مقابل امتيازات اقتصادية. وفي الحقيقة، الخطة تهدف إلى تهجير قسري، وستكون مغلفة بالمساعدات الإنسانية لإخفاء هدفها الحقيقي: تفريغ غزة من سكانها. وستجري هذه الحرب في صمت، بعيدًا عن الإعلام، ويُجبر فيها الفلسطينيون على التهجير القسري بعد تدمير كل مرافق الحياة في غزة، التي تحتاج إلى ما لا يقل عن عشر سنوات لإعادة إعمارها. وهذا هو الهدف الرئيسي من الحرب. لم تعد حرب غزة في نسختها الحالية معركة ضد حماس أو الرهائن أو الصواريخ. ما يجري على الأرض يتجاوز كل هذه العناوين الظاهرة، ويكشف عن هدف خفي وواضح: تفريغ غزة من سكانها وتهجيرهم قسريًا في صمت، في ما يُطلق عليه "التهجير القسري الصامت". فهي ليست حربًا ضد تنظيم، كما يُصوّر، بل هي حرب تصفية لمنطقة كاملة، لإنهاء غزة ديموغرافيًا وجغرافيًا، وتهجير سكانها خارج القطاع. فإسرائيل لا تنوي احتلال القطاع ولا حتى إدارته، بل ستُوكل تلك المهمة لاحقًا إلى الولاياتالمتحدة، بغطاء دولي، وترتيبات إقليمية. ما يحدث الآن هو تدمير ما تبقى من غزة، في "الفرصة الذهبية" بالنسبة لهم، لدفع سكان الشمال إلى مغادرته، وتجميع الغزيين في أماكن تسهل لاحقًا تهجيرهم قسريًا. وسيتم ذلك على مراحل تمتد لسنوات، لأن "التهجير القسري" هو جوهر هذه الحرب، وليس مجرد معركة مع حماس. ولو فُتح المعبر الآن، لرأيت الآلاف يهربون من القصف والموت والجوع. فقد غادر مئات الآلاف غزة بالفعل، لا سيما من يملكون المال، بمساعدة وتسهيل إسرائيلي صامت عبر مصر، دون علم الدولة المصرية أو موافقتها علي ذلك وربما ايضاً عبر الأردن، والمعابر الإسرائيلية. الخطة، وإن لم يُصرّح بها علنًا، تبدو جليّة: تفريغ القطاع من 2.5 مليون فلسطيني وتهجيرهم قسريًا إلى مصر والأردن، " رغم الرفض القاطع من الدولتين لهذا المخطط " وتشتيتهم في دول العالم، لتصفية القضية الفلسطينية ، قد يبدو الأمر خياليًا، لكن الضغط النفسي والمعيشي الهائل الذي تمارسه إسرائيل من خلال "حرب التجويع"، وترويع وقتل المدنيين، وقصف مراكز الإيواء، كفيل بدفع عشرات الآلاف للهجرة القسرية إن فُتحت الأبواب. أما من سيتبقى، فسيُدار ضمن إطار أمني مشدد أو تحت وصاية دولية. فالحرب الدائرة الآن بكل قسوتها ليست إلا واجهة لمشروع أخطر: تغيير وجه غزة إلى الأبد، وتحويلها من أرض فلسطينية إلى بقعة متعددة الجنسيات، تحت إدارة أمريكية، وضمن واقع جديد.