تفتح زيارة وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار إلى عاصمة بنجلاديش دكا نافذة جديدة أمام واحدة من أعقد العلاقات الثنائية في جنوب آسيا. فبعد عقود من الجفاء والتوترات التاريخية والسياسية، تبدو باكستان وبنجلاديش اليوم أمام فرصة نادرة لإعادة ضبط العلاقات، بما يحمله ذلك من انعكاسات استراتيجية على التوازن الإقليمي في ظل تزايد التوتر بين نيودلهي وإسلام آباد. أول زيارة منذ أكثر من عقد حلّ إسحاق دار في دكا خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، في زيارة استمرت يومين، التقى خلالها رئيس حكومة بنجلاديش المؤقت محمد يونس وعددًا من قادة الأحزاب السياسية، وفقًا لما أفادت به مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية. اعتُبرت الزيارة تاريخية، كونها الأولى لوزير خارجية باكستاني منذ زيارة هينا رباني كهر عام 2012، التي لم تتجاوز خمس ساعات فقط. اقرأ أيضًا: لأول مرة منذ 13 عامًا| وزير خارجية باكستان يزور بنجلاديش سقوط حسينة يعيد رسم المشهد وتعكس الزيارة انتعاشًا ملحوظًا في العلاقات بين باكستان وبنجلاديش منذ استقالة رئيسة وزراء بنجلاديش السابقة الشيخة حسينة في أغسطس 2024 تحت ضغط شعبي. فقد ارتبط عهدها بتوثيق العلاقات مع الهند، بحكم الروابط التاريخية والسياسية لعائلتها مع نيودلهي، أما خلال سنوات حكمها، فبقيت العلاقات مع باكستان في حالة جمود شبه كامل. خطوات عملية نحو التقارب وقلق هندي منذ تولي محمد يونس مهامه في بنجلاديش، شهدت المنطقة عدة لقاءات بينه وبين رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، شملت استئناف التجارة المباشرة لأول مرة منذ استقلال بنغلاديش عام 1971. كما ظهرت قنوات تعاون ثلاثي مع الصين، وأثمرت الزيارة الأخيرة اتفاقيات لتسهيل التأشيرات، وتعزيز التبادل الأكاديمي، وخطط لتوسيع الرحلات الجوية المباشرة. هذا التقارب بين دكا وإسلام آباد يُنظر إليه في نيودلهي كضربة استراتيجية بحسب «فورين بوليسي» إذ شكّل سقوط حسينة خسارة مباشرة للهند. تعاون اقتصادي محفوف بالتحديات رغم الطموحات المشتركة، تبدو هناك فرص تحقيق شراكة اقتصادية واسعة محدودة، فاقتصاد البلدين (باكستان وبنجلاديش) يعتمد بدرجة أساسية على صادرات المنسوجات والملابس الجاهزة، ما يجعل التنافس بينهما طبيعيًا. وفي ظل السياسات التجارية المتشابهة، من المرجّح أن يتجاوز التعاون الجانب التجاري إلى مجالات أخرى مثل التعليم والطيران. استحقاق انتخابي قد يغيّر المسار الجدير بالذكر أن، بنجلاديش مقبلة على انتخابات في فبراير المقبل، ومن المتوقع أن يُعيد الحزب الوطني البنجلاديشي، المرشح للفوز، ترتيب أولوياته نحو تحسين العلاقات مع الهند. وهو ما قد يبطئ اندفاعة التقارب مع باكستان، خاصة إذا ارتأت القيادة الجديدة أن المصلحة الاستراتيجية تكمن في العودة إلى أحضان نيودلهي. جراح 1971.. عائق دائم أمام المصالحة يظل التاريخ العائق الأكبر، إذ ما زالت دكا تطالب إسلام آباد باعتذار رسمي عن ما أحدثه الجيش الباكستاني خلال حرب الاستقلال عام 1971، ورغم تصريحات برويز مشرف عام 2002 التي أعربت عن "الأسف"، تؤكد بنجلاديش أن ذلك لا يرقى إلى مستوى الاعتذار المطلوب. وفي ذات السياق، قال مستشار الشؤون الخارجية البنجلاديشي محمد توحيد حسين صراحة: "إنني لا أقبل بيان دار، لو فعلتُ لحُلّت المشكلة". تعزيز الروابط الشعبية.. «مدخل للحل» يرى المراقبون، أن الطريق الأكثر واقعية هو التركيز على الروابط الشعبية والثقافية، من تبادل أكاديمي إلى تسهيل التأشيرات، بما يمهّد لبناء الثقة التدريجية بين الجانبين. فالتقارب الشعبي قد يمنح الحكومات المقبلة أرضية أكثر صلابة لاتخاذ خطوات أعمق نحو شراكة سياسية واستراتيجية متوازنة. وتحمل خطوة إعادة ضبط العلاقات بين باكستان وبنجلاديش وعودًا وفرصًا، لكنها في الوقت نفسه محكومة بتنافس اقتصادي، وبواقع جيوسياسيي معقّد يتصدره النفوذ الهندي، وبينما يصف البعض الانفراجة الحالية بأنها "نافذة أمل"، يحذّر آخرون من أنها قد تكون مؤقتة إذا لم تُعالج الجذور التاريخية للأزمة...