الكثير منا ارتبط منذ نعومة أظفاره بالمسرح، وأنا واحد من هؤلاء الذين سحرهم هذا الفن العظيم، وأبهرتهم حركة الممثلين على الخشبة ولحظة فتح الستار، وما تقدمه العروض من أفكار وما تناقشه من موضوعات. ولكن على مدى سنوات طويلة، اختل ميزان المسرح، وتحديدًا المسرح الخاص الذي مال إلى كوميديا الإفِّيه وابتعد عن فن الإضحاك بالموقف، أما المسرح التراجيدى فتراجع باستثناء تجارب محدودة. مؤخرًا لاحظت اهتمام قصور الثقافة بتقديم تجارب مميزة يقودها شباب أعتقد أنهم نجحوا فى إعادة اكتشاف المسرح المصري لروائع الأدب العالمى عبر الحوار بين الثقافات. مثال على ذلك مسرحية «حُب من طرف حامد»، التى عُرضت مؤخرًا بمسرح السامر، حيث تقدم نموذجًا ملهمًا يمزج براعة كوميديا «مارفو» الفرنسية بواقع مجتمعنا المعاصر، محوِّلة النص إلى عمل غنائى استعراضي لقى إقبالًا جماهيريًا كبيرًا. هذه التجربة تؤكد أننا قادرون عبر شبابنا على توظيف التراث العالمى بإبداع، فقد حافظوا على روح النص الأصلي، وفي الوقت ذاته نسجوا من حوله إطارًا معاصرًا يعكس واقع السوشيال ميديا الذى نعيشه وطبيعة العلاقات فى عالم الجيل الجديد. والحقيقة أن دعم هيئة قصور الثقافة لمثل هذه التجارب استثمار ذكي في طاقة الشباب وجذب الجمهور إلى مسرح هادف. المسرحية الأصلية بعنوان «لعبة الحب والمصادفة» وكتبها بيير دى مارفو عام 1730، وتحكى قصة تبادل الأدوار بين السِيد والعبيد فى مواقف كوميدية تكشف مفارقات الحب والطبقية، أما النسخة العربية التى صاغها محمد جمال وأخرجتها سهى العزبى فغزلت حول النص الأصلى إطارًا جديدًا معاصرًا يعكس واقع السوشيال ميديا وعلاقات الجيل الجديد، ما أضاف إلى العرض بُعدًا حيويًا مميزًا... لكل هؤلاء الشباب تحية كبيرة.