بعض من مأساة الإسلام السياسى فى مصر أنه يمارس دعايته السياسية كما يمارس الوعظ والإرشاد، وعلى هذا يجرى تنشئة أجيال جماعة الإخوان، هناك مرشد بما يحمله هذا الاسم من دلالات الاستحواذ على الحكمة والهداية الربانية وهناك جمهور يتلقى فيسمع ويطيع، وما هكذا تدار أمور السياسة ولا أمور المجتمع فى هذا العالم. الأساس فى إدارة أى مشروع هو وجود فريق عمل متناغم كل يدفع فى اتجاه نجاح المشروع، أما الفرد العلم الذى يملك المعرفة ويكشف الغيب فقد مضى زمان هذا النوع من الإدارة فى المشاريع البسيطة، فضلا عن إدارة الدول. لقد استنفد الإسلام السياسى فى مصر وتحديدًا جماعة الإخوان نقاشات طويلة وحوارات صاخبة وانشقاقات تكفيرية، ومع ذلك فإن تجربة وصولهم إلى الحكم التى استغرقت تمامًا عامًا واحدًا كانت أبلغ أثر وأشد إقناعًا من كل المحاضرات وكل المطبوعات التى كانت تنتقد الإسلام السياسى وتتهمه بعدم امتلاكه لبرنامج. لم تكن هذه الآراء تصل لعوام الناس الذين بقى تصورهم «هو.. هو « معتقدين أن دعاة الإسلام السياسى قوم يخشون الله ويراعون مصلحة المواطنين، فلما وصلوا إلى الحكم انقطعت الكهرباء انقطاعات متكررة أصابت المجتمع بالشلل والإحباط، كذلك شح البنزين فى محطات الوقود ونقصت مستويات السولار حتى تقاتل الناس أمام محطات البنزين وسقط منهم قتلى، كل هذا بينما كانت أرصدة البنك المركزى المصرى يتوافر بها 36 مليار دولار وكان المنطق يقتضى أن تقوم الدولة بشراء السولار والبنزين من أموال الشعب لقضاء مصالح الشعب، ولكن حكومة الإخوان وقفت مشلولة لا تستطيع أن تقرر أبسط القرارات، وتعددت مستويات صناعة القرار داخل الجماعة ما بين مكتب الإرشاد الذى لا ترد له كلمة وبين أعضاء السلطة التنفيذية من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ولا أحد منهم يستطيع أن يأخذ القرار. كانت حجة الإخوان التى يرددونها أنهم تعرضوا للسجن والتعذيب وأن الشعب المصرى لم يقف داعمًا لهم فجاء إهمال مصالح الشعب كأنه رد فعل انتقامى من هذا الشعب، الذى لم يتحرك للدفاع عن الإخوان. أما ما رددوه عن الاقتصاد الإسلامى فقد تبدد ولم نعثر له على أثر، فقد ذهبت الجماعة تقترض من البنك الدولى وقد حسن فى أعينهم أن يطلقوا على فوائد الديون أنها مصاريف إدارية وهكذا تم حل المشكلة من الناحية الشرعية!