كل الطرق الدبلوماسية في الحرب الروسية الأوكرانية تقود إلى نقطة واحدة: «دونباس»، هذه المنطقة الغنية بالمعادن، التي تحولت إلى جرح مفتوح منذ أكثر من عشر سنوات، صارت بوصلة أي حديث عن السلام بين روسياوأوكرانيا. فخلف كل قاعة مفاوضات تخص الحرب الروسية الأوكرانية، يقف شبح «دونباس»، ففيها آلاف الجنود الذين سقطوا خلال الحرب بين موسكو وكييف التي بدأت فبراير 2022، ومُدن نُسفت وأخرى تنتظر مصيرها، وصراع على الأرض يتجاوز الجغرافيا إلى الهوية والتاريخ، والسؤال الذي يتكرر: «هل يمكن لأوكرانيا أن تتخلى عنها الآن؟». اقرأ أيضًا| بوتين يمد يده لترامب ويشهر سيفه في وجه الغرب.. تفاصيل خريطة ترامب ورسالة زيلينسكي وفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، استخدم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خريطة أوكرانيا في مكتبه البيضاوي لإيصال رسالة مباشرة، ألا وهي: «روسيا استولت على مساحات واسعة من دونباس، والوقت ينفد أمام كييف لإبرام صفقة سلام». لكن بالنسبة ل الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، لم تكن الخريطة مجرد ألوان على الورق، لكنها ذكرى شخصيةة، فقد أخبر ترامب أن جده قاتل في الحرب العالمية الثانية لتحرير مدن دونباس من النازيين، وقال: "إنني لا أستطيع التنازل عن ذلك"، وبعد عودته إلى كييف، كرر أمام الصحفيين: "هذه لحظة مؤلمة في تاريخنا، ليست صفقة تجارية ولا مقامرة". دونباس.. قلب المعركة دونباس، التي تعادل مساحتها تقريبًا ولاية فرجينيا الغربيةالأمريكية، تحولت إلى مسرح دموي ل الحرب الروسية الأوكرانية، فعشرات الآلاف قُتلوا من الجانبين الروسي والأوكراني، بينما تحاول روسيا اليوم الاستيلاء على آخر 2500 ميل مربع لا تزال تحت سيطرة أوكرانيا، وفقًا للصحيفة الأمريكية ذاتها. ويُطالب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتسليم كامل الإقليم، بما فيه مدن مثل كراماتورسك وسلوفيانسك، حيث يعيش أكثر من 200 ألف أوكراني. سلاح بوتين السياسي على مدى سنوات، استغل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين منطقة دونباس كورقة ضغط ضد أوكرانيا وطموحاتها الغربية. وقبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية الشامل، دعم التمرد الانفصالي هناك لعرقلة دخول كييف إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو". واليوم، يستخدم بوتين وفقًا ل «نيويورك تايمز» المنطقة ليس فقط للسيطرة العسكرية، ولكن حتى لمحاولة إسقاط زيلينسكي سياسيًا، وفقًا للمُحللين. مأزق زيلينسكي.. وشروط أوكرانيا يمنع الدستور الأوكراني التنازل عن الأراضي، واستطلاعات الرأي تُؤكد أن غالبية الأوكرانيين يرفضون أي تنازلات لروسيا. ورغم ذلك، يواجه زيلينسكي ضغوطًا دولية، وعلى صعيد متصل، وصف وزير الخارجية الأوكراني الأسبق، فاديم بريستايكو، الوضع قائلاً: "إنها حبة سامة، على أوكرانيا أن تبتلعها، وسنرى كيف ستستوعبها". يرى مُحللون، أن السبيل الوحيد لقبول أوكرانيا بأي تنازل هو وجود ضمان أمني أمريكي وأوروبي قوي، يتضمن قوات ودعمًا جويًا قادرًا على ردع موسكو. بينما قال مُستشارون في كييف، إن زيلينسكي قد يقبل اتفاق سلام يتضمن "مقايضة الأرض بضمانات أمنية غربية"، في حين وصف ترامب هذه الخطوة ب "مبادلات الأراضي"، مُلمحًا إلى احتمال إعادة روسيا بعض المساحات الصغيرة التي سيطرت عليها خلال الحرب الروسية الأوكرانية. اقرأ أيضًا| لماذا يُحذر المحللون من أن مبادرة بوتين للسلام ليست سوى قناع للحرب؟ رؤية مختلفة من كييف لكن الواقع على الأرض يُظهر غير ذلك، فبحسب «نيويورك تايمز»، تقدم روسيا في منطقة دونباس الأوكرانية بطيء، والتخلي عن باقي المنطقة الآن قد يمنحها مواقع استراتيجية لشن هجوم مستقبلي. أما تاريخيًا، كانت دونباس معقلًا للموالين لموسكو، حيث صوّت معظم سكانها لصالح الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش عام 2010، وبعد حكمه في احتجاجات 2014، ردت روسيا بسرعة بضم القرم ودعم الانفصاليين في دونباس. محاولات تسوية سابقة بعد اتفاق مينسك 2015، كانت أوكرانيا تدرس منح بعض مناطق دونباس حكمًا ذاتيًا، لكن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين أراد أن يمتلك الانفصاليون حق النقض على قرارات كييف، خصوصًا بشأن الناتو، والهدف – وفق محللين – كان تحويل أوكرانيا إلى دولة "مشلولة السيادة". بعد ذلك، وتحديدًا عندما ترشح زيلينسكي للرئاسة الأوكرانية عام 2019، وعد بإحلال السلام، وكان منفتحًا على "وضع خاص" لدونباس، حتى حاول في قمة باريس إبرام صفقة مع بوتين، لكن الضغوط الداخلية حالت دون ذلك، وبحلول الحرب الروسية الأوكرانية فبراير 2022، تغيّر المشهد بالكامل. وبعد أن كشفت القوات الأوكرانية حجم الخسائر في البلاد على غرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، تبنى زيلينسكي موقفًا مُتشددًا باستعادة كامل دونباس، بما فيها الأراضي التي فقدتها أوكرانيا قبل النزاع مع روسيا. إلى أين تتجه مُفاوضات الحرب الروسية الأوكرانية؟ مُؤخرًا، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن الولاياتالمتحدة ستشارك في تقديم ضمانات أمنية لكييف، بقيادة وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، لكن السؤال الجوهري: «هل تقبل موسكو بذلك؟».. خاصةًا أن روسيا وفق صحيفة «نيويورك تايمز» أشعلت حرب دونباس أصلًا لمنع أوكرانيا من الانضمام ل "الناتو"، فكيف توافق الآن على ضمانات تعادل مظلتها الأمنية؟ أكد مُحللون وفق الصحيفة الأمريكية ذاتها، على أن المشهد عاد إلى نقطة البداية، ما لم يحدث تغيير جوهري في موقف بوتين، فإن فرص نجاح أي مفاوضات تبدو ضئيلة، أما التوقع الأكثر واقعية في المدى القريب، وفق الخبراء هو: «المزيد والمزيد من القتال». اقرأ أيضًا| لماذا شكلت تصريحات ترامب بعد «قمة ألاسكا» انتصارًا غير مباشر لبوتين؟