«البدوى» ينعش اقتصاد طنطا |كرنفال روحانى.. نشاط تجارى مكثف.. وكرم مجتمعى موروث    موسم سياحى بنكهة «الثقة» |ارتفاع الإشغال الدولى .. وانتعاش فى طابا ونويبع    نتنياهو: الحرب ستنتهي عندما يتم تجريد حماس من سلاحها    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة    رئيس الحكومة العراقية: الانتخابات البرلمانية المقبلة معركة بين أنصار الفشل والفساد وأنصار الإعمار والتنمية    هاتريك فيليكس.. النصر يكتسح الفتح ويبتعد بصدارة الدوري السعودي    التصريح بدفن ضحايا التنقيب عن الآثار بالصف    منة شلبي ل لميس الحديدي: أنا تزوجت شغلي وارتبطت بالفن طول عمري وكل دور عملته هو إبني    عمر محمد رياض يلمح لجزء ثان: في حكايات بتختار ترجع بنفسها.. لن أعيش في جلباب أبي 2    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    توجيهات عاجلة من وكيل صحة الدقهلية لرفع كفاءة مستشفى جمصة المركزي    آرسنال يعود للصدارة بفوز صعبة على فولهام    البحوث الفلكية: 122 يوما تفصلنا عن شهر رمضان المبارك    الجارديان عن دبلوماسيين: بريطانيا ستشارك في تدريب قوات الشرطة بغزة    حلوى ملونة بدون ضرر.. طريقة عمل كاندي صحي ولذيذ للأطفال في المنزل    هيئة الدواء تسحب 17 مليون عبوة منتهية الصلاحية من الأسواق    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب مقاطعة سوريجاو دل سور الفلبينية    «الوطنية للانتخابات»: إطلاق تطبيق إلكتروني يُتيح للناخب معرفة كثافة التواجد قبل الذهاب للتصويت    منة شلبي في أول ظهور بعد تكريمها بالجونة على شاشة النهار مع لميس الحديدي الليلة    3 وزراء ومحافظ القاهرة يشاركون في حفل الاتحاد المصري للغرف السياحية لتكريم الدكتور خالد العناني    إزالة 10 مخالفات بناء على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في الأقصر    وزارة المالية: بدء صرف مرتبات أكتوبر 2025 في هذا الموعد    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    التحقيقات تكشف ملابسات مقتل مسن ضربًا على يد نجله بالجيزة    هل نستقبل شتاءً باردًا لم نشهده منذ 20 عامًا؟ الأرصاد تُجيب وتكشف حالة الطقس    إصابة أسرة كاملة في حادث تصادم بطريق الزقازيق الزراعي في الإسماعيلية    قصور الثقافة تفتتح أول متجر دائم لمنتجات الحرف التراثية في أسوان    مي الصايغ: اعتراض أول شاحنة مساعدات كبّد الهلال الأحمر المصري خسائر كبيرة    الرماية المصرية تتألق فى أثينا.. أحمد توحيد وماجي عشماوي رابع العالم    بتهمة ممارسة الفجور.. السجن 5 سنوات للطالب المنتحل صفة أنثى لنشر مقاطع فيديو تحت اسم «ياسمين»    البنك الأهلى يتقدم على الجونة بهدف فى الشوط الأول    الاحتلال الإسرائيلي ينصب حاجزا عسكريا وسط دير جرير شرقي رام الله    الصحة تختتم البرنامج التدريبي لإدارة المستشفيات والتميز التشغيلي بالتعاون مع هيئة فولبرايت    يلا شووت بث مباشر.. الهلال VS الاتفاق – مواجهة قوية في دوري روشن السعودي اليوم السبت    قرار بالسماح ل 42 بالتجنس بالجنسية الأجنبية مع احتفاظهم بالجنسية المصرية    محافظ الشرقية يثمن جهود الفرق الطبية المشاركة بمبادرة "رعاية بلا حدود"    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 6630 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    أحمد مراد: نجيب محفوظ ربّاني أدبيًا منذ الصغر.. فيديو    غادة عادل عن ماجد الكدواني: فنان حقيقي وعميق وحساس وبيحب شغله جدًا    اليوم الرسمي ل بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر بعد تصريحات مجلس الوزراء.. (تفاصيل)    رامي ربيعة يقود العين ضد بني ياس في الدوري الإماراتي    طريقة عمل الفطير الشامي في البيت بخطوات بسيطة.. دلّعي أولادك بطعم حكاية    مرشح وحيد للمنصب.. «الشيوخ» يبدأ انتخاب رئيسه الجديد    موعد مباراة المغرب ضد الأرجنتين والقنوات الناقلة في نهائي كأس العالم للشباب 2025    الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيه بي موللر ميرسك» العالمية    ضبط لحوم غير صالحة وتحرير 300 محضر تمويني خلال حملات مكثفة بأسيوط    تشييع جثمان الطفل ضحية صديقه بالإسماعيلية (صور)    رئيس جامعة القاهرة: مصر تمضي نحو تحقيق انتصارات جديدة في ميادين العلم والتكنولوجيا    جامعة أسوان تناقش خطة الأنشطة الطلابية للعام الجامعي الجديد    اكتشف أجمل الأفلام الكرتونية مع تردد قناة 5 Kids الجديد لعام 2025 على النايل سات والعرب سات    منافس بيراميدز المحتمل.. المشي حافيا وهواية الدراجات ترسم ملامح شخصية لويس إنريكي    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    زراعة 8000 شتلة على هامش مهرجان النباتات الطبية والعطرية في بني سويف    رئيس وزراء مالطا يشيد بدور مصر في وقف حرب غزة خلال لقائه السفيرة شيماء بدوي    تعرف على سعر حديد التسليح اليوم السبت    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 18 أكتوبر 2025    رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال بشأن قمة ترامب وبوتين يثير جدلًا واسعًا    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للهِ رجالٌ.. كأنهم لبقاعِ الأرضِ أمطارُ
يوميات الأخبار

كان جَوَّابا رحَّالةً بين القُرى والمدن كى يحل المشكلات ويعود إلى «مندرته» التى غدتْ ساحة أحبائه ومريديه يعلمهم التسامح والعفو فهما طريق المحبة، والحب طريق الوصول.
«الشيخ تقادم اسماعيل النقشبندى» رجلٌ صوفيٌ زاهدٌ فيما يملك، يعيش فى قرية العوينية بإدفو بمحافظة أسوان، تراه جالسا على دِكَّة خشبية وسط محبيه ومُريديه وزائريه، يجلس مُتكئا على عصاه التى قطعها فرعًا من أشجار السّلَم «مَنْ حمَلَ السّلَمَ سَلِمَ» تتفرع عصاه فى أعلاها إلى فرعيْن، تبدو وكأنها ما تزال تحملُ أغصانها فى شجرة طيبة لأنه كان لا يقول إلا كلمة طيبة؛ يستند عليها فى وقار الشيخوخة ومهابة الشيوخ وجمال الروح ونظرة صَقْر عرَكَته التجاربُ وتوارث الخبرات عن أجداده الصالحين؛ قبل أسبوع تُوفى فحَمل نعشه ألوفُ الرجال لتوديعه إلى مثواه الأخير، ولمَّا لم يجد المشيعون مكانا يسعهم للصلاة على جثمانه يمَّمُوا نحو ساحة الملعب الكبير، واصطفوا صفوفا لا تُعَد؛ الجميع فى صعيد مصر يتناقلون سيرته؛ كيف لهذا الرجل الحكيم القدرة على حَقْن دماء الأفراد والقبائل المتناحرة؟ كيف بملامحه الصعيدية ووجْهه المُهاب وكلماته القليلة التى توقف بحور دم الثأر وتطفئ دماء القلوب المشتعلة، كيف تبوَّأ هذه المكانة السامية؟ كان لا يتحدث كثيرا ولكنه إذا نطقَ صَدَق وإذا حكَم عَدَل، يعرف مداخلَ النفس ورياض الروح وشفاء الغليل وبُغْية المشتاق للعدل؟ فإذا حكَم رضيَ الطرفان بحُكمه، كم من الثارات أطفأها بكلمة منه، أعان الدولة فى استتباب الأمن فى صعيد مصر ولاسيما فى محافظة أسوان، كان يقطن قرية لكنه كان جَوَّابا رحَّالةً بين القُرى والمدن كى يحل المشكلات ويعود إلى «مندرته» التى غدتْ ساحة أحبائه ومريديه يعلمهم التسامح والعفو فهما طريق المحبة، والحب طريق الوصول. له مهابة محبوبة، وطلَبُه عند الناس مُجاب، حينما تأملتُ جنازته أدركت أنه «لا يذهب العُرفُ عند الله والناس» وأنه كما قال الشاعر:
تحيا بهم كلُّ أرضٍ ينزلون بها.
كأنهم لبقاعِ الأرضِ أمطارُ
دور الساحات اجتماعيا
لماذا لا نرى فى التصوف سوى أدعيائه الذين لا يعرفون أدبه وسلوكه بل يجيدون التزيف والشعوذة ، حبذا لو رأينا التصوف الحقيقى ودوره الاجتماعى والنفسى والثقافي؟ لماذا لا نرى نَهْجَه التسامحى فى نشر المحبة بين أطياف المجتمع؟ لماذا نغفل دوره التربوى فى تربية الشباب وتقويم سلوكهم وإشباع روحانيتهم وسلامهم الداخلى وزرْع الانتماء وحب الوطن؛ ثم لماذا لا نُدرِّس فى مناهجنا سِيَرَ الشيخ تقادم والحاج غلاب والشيخ الطيب والشيخ كمال حجزى والأمير الفضل والشيخ عبدالمعطى أبو زيد والشيخ مفتاح الهوارى والنواب المخلصين ودور الساحات الحسَانية والرضوانية والجيلانية وساحة الشيخ جاد أبوغاى وساحة العصبة الهاشمية وغيرها من الساحات فى استتباب الأمن وراحة الأرواح ولَمّ الشمل والحفاظ على لُحمة المجتمع وقوّة الدولة وصلابتها؛ إنهم يعملون دون مقابل ويصرفون من مالهم الخاص ولا ينتظرون شكرا، فهم رجالٌ فى زمن ندر فيه أمثالهم، وكم كان الإمام أحمد بن حنبل مُحِقا حينما قال لخصومه: «بيننا وبينكم الجنائز»!
القانون والعُرف
وقد يقول قائل: «ولماذا لا نطبق القانون ولا نحتاج لأمثال هؤلاء؟» وهذا الكلام مهم فى جزئه الأول وغير مفيد فى الباقي.. لماذا؟ لأنه لو أن قائلا قتل واحدا من قبيلة أخرى ثم أُودع السجن فإن قبيلة المقتول قد لا تنتظر إعدام القاتل أو الحكم بسجنه أو براءته بل تبادر باختيار أفضل شخصيات قبيلة القاتل وتقتله، وهذا جُرمٌ كبير لكنه يحدث فى الصعيد؛ هنا يأتى دور الشيخ تقادم وأمثاله فى إطفاء نار الغضب بالصلح عفوا أو «بالقودة» سماحا أيضا؛ والقودة هى تقديم القاتل أو واحد من أهله كَفَنَه لأهل المقتول على مشهد من الناس وبعد استلام الكفن منه تقرر قبيلة المقتول العفو عنه اكتفاء بدلالة الكفن ورمزيته الأليمة وإكراما للجنة الصلح والناس الحضور بدلا من تكرار مسلسل الثأر بين القبائل وهو إرث بغيض ولكنه للأسف ما يزال موجودا، هؤلاء المصلحون لا يتقاضون أجرا من الدولة ولا من الناس بل يبذلون من أموالهم بغية الإصلاح والصلح، وعلى الدولة أن تعتنى بهم ماديا وأدبيا فهم يثبّتون أركانها وينشرون السلام بين قراها ونجوعها وأما المجتمع فقد وهبهم حقهم من الاحترام والمحبة والتوقير وسماع نُصحهم وقراراتهم العادلة أيضا. إننى مع هؤلاء ومع هذه اللجان المُصلحة شريطة ألا يُبَرَّأ القاتل وأن ينفذ القانون بحقه حتى لا يفلت من العقوبة كى يكون عبرةً لغيره وأن نزرع فى المجتمع حُرمة قتل النفس كما أمرت بذلك كل الأديان السماوية وأن نعمل على إنفاذ القانون دون تمييز، فالعدل أساس بناء الدول.
ظاهرة البلطجى صدام
الأسبوع الماضى فى سوقٍ شعبى فى إحدى قرى صعيد مصر، كلٌّ يبيع ويشتري، وفجأة يهبط بلطجى من الجبل ويقف فى مُنتصف السوق مدجَّجا بسلاحه الآلى وحاملا «جَبَخانة الرصاص» على كتفه ويصرخ وهو مُشهر سلاحه «عليَّ الطلاقْ، انَّهاردهْ ما فيشْ سُوقْ» ويردف هذه الجملة بشدّ أجزاء السلاح وإطلاق زخة رصاص فى الهواء ويأمر الباعة والمشترين بالانصراف لأنه قرر عدم إقامة السوق اليوم لأن الباعة لا يدفعون له إتاوة! إنه «صدام» من مطاريد الجبل، كيف وصل إلى السوق بسلاحه الآلى حاملا حقيبة الذخيرة، وكيف تركوه يتمشى فى السوق جيئةً وذهابا دون رادع إلا من شابين وقفا ضده فى شجاعة؟ مطاريد الجبل بؤرةُ خطر فى الدولة، فمعظمهم من الخُلعاء الذين خلَعَتهم قبائلُهم أى تَبرّأتْ منهم لكثرة جرائمهم.. إنهم يسكنون الكهوف الجبلية مُحتمين بهذه الطبيعة الصخرية القاسية التى لا تسير فيها سيارات الشرطة ولا غيرها ويتخذون الكهوف بيوتا، ينزلون إلى الحَضَر للسرقة والبلطجة وفرض الإتاوات؛ وكلَِى يقين أن الشرطة ستصل إلى «صدام» وأمثاله حتى لا يتكرر نموذج «خُط الصعيد» وفيلم الجزيرة وأحمد السقا «عزت حنفي» وهو يهدد «مِن النَّهاردهْ ما فيشْ حكومهْ، أنا الحكومهْ».
مطاريد الجبل
الأدهى من ذلك أن «الدَّهَّابة» الذين يبحثون عن الذهب فى الصحراء قد انضم إليهم مطاريد الجبل وبعض مواطنى دول مجاورة، ولذلك نسمع عن جثت ملقاة فى الصحراء نتيجة صراع عصابات بحثا عن عُروق الذهب؛ آمل أن تنتهى الدولة قريبا من إقامة المثلث الذهبى وتفتح باب إنشاء شركات حكومية تابعة للدولة وتديرها، تبحث عن الذهب بصورة قانونية وتقسم المنطقة إلى محاجر توظف شبابنا للبحث بصورة مشروعة عن الذهب والمعادن النفيسة وبذلك نقضى على البطالة ونحافظ على ثرواتنا المعدنية ونطهّر الجبل من المطاريد، وننفذ الأحكام القانونية الصادرة فى حقّ بعض هؤلاء حتى يستتب الأمن ولا نرى ظاهرة خُط الصعيد ولا نرى «صدام» مُهددا البشر فى منتصف السوق فى «عزّ النهار»!
تأمُّلٌ فى الظاهرتين
رحتُ أفكر فى ظاهرتيْ الشيخ تقادم والبلطجى صدام، وكلتاهما حدثتا فى الأسبوع الماضى وفى صعيد مصر، اختيارُ الطريق أصعب من إيجادها «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ» كيف تعمى البصائر وتقود الإنسانَ خُطاه إلى الخير وآخر تقوده إلى الشر؟ بين البصر والبصيرة تتجاذبُ الطرق وتضلّ الخُطى وتتشابه الدروب؛ لقد أنجب الصعيد الرجليْن؛ كيف مضى كلٌَ فى طريق عكس طريق الآخر وكيف كانت النهايات؟
فى النهايات تتجلى البدايات
أنا يا صَاحِ مُتّهَمٌ بهذا الحبِّ، حَسْبى أننى أهوى
أنا المَعْدودُ فى العُشّاقِ من صِفْرٍ، ولا أقوى
أنا يا صَاحِ مُتّهَمٌ بأنِّى صِرتُ بينَ الناسِ لا أرْوَى
وأنى صِحْتُ فى الأسواقِ بينَ الخَلْقِ بالبُشرى:
أحِبُّوا بعضَكمْ بعضا
ذَرُوا ما أنتمُ فيهِ وغوصوا فى بحار الحبّ
وانتبهوا بأن بحارَه مَلْأى
وأن ضفافَهُ وَهْمٌ وأن الوارِدِينَ لشرْبه غَرقَى
مَشَوْا بالماءِ ما ابتلُّوا وباحُوا بالذى كَتَمُوُا
لأنَّ السِرَّ وسطَ قلوبِهمْ جَمْرٌ يحَوِّل بَحْرَهمْ سُحُبا
أنا يا صاحِ مُتّهَمٌ بأنَّ الناسَ يتّبعون ما أرضَى
وما أرضاهُ لا يأتي، وما يأتى قليلٌ يا...
شرابُكَ أيها الساقى غدَتْ روحى به ظَمْأى
فَدَعْنى وانْعَ لى رُوحى
فأنتَ الآنَ ما أرْجُو وما أهْوى
وصاحَ المُنْشِدُ البَكّاءُ:
«فُؤَادى بالأحبّةِ ما تَهَنَّى
وَدَمْعى حين زادَ الوَجدُ أَنَّ»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.